* مجلس الدولة مطالب بالتدخل لانقاذ الحوار * نحذر من أي تدخل اجنبي مبني على حسابات خاطئة هل انتهت "لجنة الحوار الوطني" الى طريق مسدود؟ الأحداث الخطيرة المتسارعة على الساحة الجزائرية أفقدت "لجنة الثمانية" رهجتها، وربما سبب وجودها ذاته لأن الساعة في نظر الاحزاب المهمة هي "ساعة تفاوض" أي ان الزمن تجاوز مرحلة الحوار. "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، التي كانت السلطة تبحث كيفية اشراكها في الحوار، فاجأت الرأي العام المحلي والدولي باعلانها على لسان السيد رابح كبير ومن بون رفض الحوار مطالبة بالدخول مباشرة في مرحلة التفاوض. في هذه الاجواء عبّر السيد عبدالحميد مهري أمين عام جبهة التحرير الوطني، في حديث الى "الوسط"، عن تحفظات جدية على "لجنة الحوار الوطني"، ظاهرها "الطريقة المتبعة في ادارة الحوار، وهي طريقة روتينية لا تساعد على طرح القضايا السياسية". ومن أجل تحويل الحوار الى عملية سياسية يقترح مهري عقد اجتماع ثلاثي بين مجلس الدولة ولجنة الحوار من جهة و"الاطراف الفاعلة" من جهة ثانية وذلك في أقرب الآجال "لانقاذ الحوار". وتستند هذه التحفظات الى مناورة فاشلة من "لجنة الثمانية" التي حاولت القفز على "حاجز" قيادة الجبهة، بالاتصال مباشرة ببعض شخصياتها أمثال الدكتور احمد طالب الابراهيمي وبوتفليقة ويحياوي وبالخادم. وعبّرت هذه الشخصيات الجبهوية عن رفضها المهذب لدعوة اللجنة التي كانت نتيجتها تغذية الشكوك التي ما انفكت تدفع بعض الاطراف البارزة مثل "جبهة القوى الاشتراكية" وحركة الرئيس السابق احمد بن بله الى الإحجام عن "المشاركة النزيهة" في حوار تراه "غير نزيه". وهنا نص الحوار مع مهري: طالبتم في الندوة الصحافية التي عقدتموها في 12 - 12 - 93 "بحوار وطني جاد ومعمّق". فهل الحوار الجاري مع المجلس الاعلى للدولة ثم لجنة الحوار الوطني منذ 20 ايلول الماضي لا يزال يحتاج الى "الجدية والعمق"؟ - الحوار الوطني في منظور "جبهة التحرير الوطني" ينبغي ان يستهدف ايجاد ارضية سياسية، تكون محل اتفاق القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة وتتضمن حلولاً متكاملة ومنسجمة تغطي كل ابعاد الازمة الراهنة. وفي تقديرنا ان الحوار لم يصل بعد الى هذا المستوى. الغاية من الحوار في مدخل الندوة تحدثتم عن "ضرورة تحديد الغاية من الحوار بكل وضوح". فهل يعني ذلك أن السلطة القائمة بعد مضي اكثر من سنة على مسيرة الحوار لم تكشف عن نواياها بعد. وكيف يتصور حزبكم الغاية من الحوار الوطني؟ - الغاية من الحوار كما نتصورها تتمثل في: 1 - العودة الى الاوضاع الطبيعية في تسيير شؤون الدولة. 2 - الخروج من مسلسل العنف واعادة الطمأنينة الى الشعب بعد المحنة التي عاشتها البلاد منذ مطلع 1992. 3 - العودة الى الحياة الدستورية الكاملة والى المسار الديموقراطي من خلال تمكين الشعب من المشاركة الفعلية في تسيير شؤونه بواسطة الهيئات المنتخبة من المجلس البلدي الى البرلمان. 4 - الاتفاق على الخطوط الكبرى لسياسة اقتصادية واجتماعية تضمن الانتقال التدريجي من عهد اقتصاد مُمَركز ومسيّر تسييراً ادارياً الى اقتصاد عصري مبني على قوانين السوق، مع الحرص على توفير قدر من العدالة الاجتماعية للمواطنين. اقترحتم في الندوة ايضاً عقد اجتماع ثلاثي يضم المجلس الاعلى للدولة ولجنة الحوار و"الاطراف الفاعلة". فهل نفهم من ذلك أن "لجنة الثمانية" لم تعد الاطار المناسب لمواصلة الحوار؟ - كانت جبهة التحرير أوّل من دعا الى تنظيم حوار وطني لحل المشاكل السياسية القائمة. وقد استجاب المجلس الأعلى للدولة الى هذه الدعوة، وتولى بنفسه ادارة عدد من اللقاءات مع مختلف الاحزاب والجمعيات. وبعد فترة ركود اسند المجلس منذ منتصف تشرين الأول اكتوبر الماضي مهمة الحوار الوطني الى لجنة خاصة لكن هذه اللجنة، كما تصف نفسها، ليست سلطة بديلة عن المجلس، بل هي سلطة معنوية، تنحصر صلاحياتها الواسعة في تحضير مشروع وثيقة الاجماع الوطني. أثناء الحوار مع اللجنة أثار بعض الاطراف قضايا محددة، تتطلب البتّ من السلطة الفعلية. وعندما نقلت "لجنة الثمانية" هذه القضايا الى مجلس الدولة، لم يبتّ فيها على الوجه الذي يرضي هذه الاطراف. وفي هذا السياق يندرج اقتراحنا بعقد اجتماع ثلاثي، بهدف دراسة بعض الاقتراحات التي تقدمت بها الاحزاب والتي تخص اساساً تهيئة المناخ المناسب لانطلاق الحوار من جديد انطلاقة تتوافر لها حظوظ اكبر للنجاح. الملاحظ ان حزبكم يرفض فكرة "المرحلة الانتقالية الثانية" من باب أنكم لا ترغبون في "استبدال الموقت بالموقت". - منذ تأسيس المجلس الأعلى للدولة في 14 - 1 - 92 ونحن نعلن أن هذه الهيئة تمثل سلطة فعلية، ينبغي التعامل معها على هذا الأساس. وقد قررت اللجنة المركزية لحزبنا مساعدة مجلس الدولة في البحث عن حلول لمشاكل البلاد عن طريق حوار يجمع كل الفعاليات السياسية والاجتماعية. وفي المذكرة التي قدمناها للمجلس منذ سنة، طالبنا بالاسراع في تهيئة الظروف التي تمكنه من تحويل صلاحياته الى سلطة شرعية. وها قد ضاعت سنة كاملة من دون ان يتم شيء من هذا. واليوم نواجه باقتراب موعد انتهاء مهمة المجلس الاعلى للدولة قبل 31 كانون الأول ديسمبر كما حددها المجلس نفسه منذ سنتين ويطلب منا ابداء الرأي في اقامة سلطة موقتة بديلة عن المجلس الأعلى للدولة. ان التغيير الذي نريده لا ينحصر في تغيير الاشخاص والهيئات. فنحن نطالب بتغيير السياسة المتبعة حتى الآن والتي لم تحقق النتائج المرجوة منها. أما اذا رأى الذين أقاموا "المجلس الاعلى للدولة" بأن هناك حاجة الى تغييره، فحزبنا لا يزكي ولا يمانع لأننا باختصار لا نريد المشاركة في اقامة سلطة فعلية موقتة بديلة عن سلطة فعلية سابقة. لكننا مستعدون مع ذلك للتعامل مع أية سلطة فعلية، على اساس الاهداف والمبادئ التي اعلنا عنها في الكثير من المناسبات. فترة تمهيدية وهل تعتقدون ان العودة الى الاوضاع الطبيعية ممكنة في القريب العاجل؟ - هناك طبعاً فترة تمهيدية ضرورية، نسمّيها فترة العودة الى الاوضاع الطبيعية، فاذا توافرت الارادة الطيبة يمكن أن نشرع فوراً في دراسة الخطوات والاجراءات اللازمة لضمان تطبيع الأوضاع في احسن الآجال. والمطلوب في هذا الصدد أن يتم الاتفاق على خطة واضحة بأهدافها وآلياتها ومراحلها، وعند ذلك يمكن تحديد المدة الضرورية لتطبيقها. اما أن نقول بأن تطبيع الأمور غير ممكن اليوم وعلينا ان ننتظر سنتين او ثلاثاً، فهذا قول مُجْملٌ لا يمكن ان نوافق عليه، لأنه لا يشكل أرضية كافية للعمل السياسي القادر على استقطاب القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع. تتفق جبهة التحرير مع بعض الاحزاب في المطالبة بضمان الجيش للاتفاق الوطني المنتظر وتكوين هيئة مشتركة لمراقبة تطبيق الاتفاق، فهل هناك ازمة ثقة بينكم وبين السلطة الفعلية القائمة؟ - فعلاً نحن نتفق مع احزاب مثل جبهة القوى الاشتراكية في المطالبة بتكوين لجنة مشتركة من ممثلين عن المجلس الأعلى للدولة والقوى السياسية والاجتماعية المؤثرة، تتولى مهمة التنسيق والمتابعة طيلة الفترة اللازمة لتطبيق الاتفاق. وكنا قد حدّدنا في الخطة التي قدمناها لمجلس الدولة، ان يتكفل الجيش بضمان هذا الاتفاق، تأكيداً لالتزامه بالدستور وبعده عن الصراعات السياسية ومساهمته في اخراج البلاد من ازمتها بحل سلمي، بدل المواجهة المسلحة بين الجزائريين. اشراك "الانقاذ" مسلّم به ما رأي جبهة التحرير في مطلب الافراج عن سجناء الرأي الذي تقدمت به بعض الاحزاب؟ وما موقفها من محاورة جبهة الانقاذ المحظورة؟ - هذا المطلب يندرج ضمن الاجراءات الانفراجية التي ما انفكت جبهة التحرير تطالب باتخاذها، في اطار تهيئة الاجواء المناسبة لنجاح الحوار الوطني. وأطراف هذا الحوار في تقديرنا هي القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع ونعني بذلك القوى الموجودة في الساحة فعلاً بصرف النظر عن اتجاهاتها. اما فكرة التحاور مع "الجبهة الاسلامية للانقاذ" فقد فرضت نفسها الآن، ولم يعد هناك من يمانع في اشراكها، والجدل القائم اليوم هو حول كيفية الاشراك التي من المفروض ان تجد حلها في مستقبل قريب. تطرقتم في ندوتكم ايضاً الى التدخل الاجنبي وأشرتم الى "الحسابات الخاطئة" التي يمكن ان تدفع اليه. فهل تعتقدون ان هناك احتمالاً قوياً لتدخل اجنبي في الجزائر؟ - لقد أصبحت اوضاعنا تقلق جيراننا في البحر المتوسط، وتثير اهتمام الدول العظمى. وهذا القلق قد يدفع الى انماط من التدخل، يرفضها الشعب الجزائري مهما كانت خلافاته ومآسيه. وأمام هذا الاحتمال رأى حزبنا انه من الضروري لفت انتباه الرأي العام المحلي والدولي حتى لا يقع البعض في حسابات خاطئة لا تجني الجزائر منها سوى مزيد من المآسي والدمار. "جبهة التحرير" لا تشارك ما موقف حزبكم من المشاركة في هيئات تسيير المرحلة الانتقالية؟ - موقفنا من المرحلة الانتقالية معروف، فنحن نحددها بفترة المجلس الأعلى للدولة من 14 كانون الثاني 92 الى نهاية 93، وعلى هذا الأساس يطالب حزبنا ان تكون المرحلة المقبلة "مرحلة عودة الى الاوضاع الطبيعية". ولا يمكن في نظرنا انجاز هذه العودة بمواصلة السياسة نفسها التي اتبعت الى حد الآن، ولو انتدبت لها وجوه جديدة وهياكل اخرى. وبخصوص مشاركتنا في مثل هذه الهياكل موقفنا معروف. فقد ابلغنا المجلس الاعلى للدولة بصفة رسمية قبل اكثر من سنة ان الجبهة لا تريد اي منصب او موقع، ما دامت الامور على ما هي عليه. اذن فليس لدينا مرشحون لهياكل تسيير "المرحلة الانتقالية". واذا حصل اتفاق بين المجلس الأعلى للدولة والاطراف الفاعلة في المجتمع لاخراج البلاد من ازمتها الراهنة، فان حزبنا يلتزم بتطبيقه من دون مقابل. ان الحل الذي تتمسك به جبهة التحرير يتمثل في الرجوع الى الشعب كخطوة اولى نحو القطيعة الحقيقية. فسلبيات 30 سنة سببها ان الحكم ابتعد تدريجاً عن الشعب، وهذا ما يجعل بعض الاطراف يعتقد اليوم ان باستطاعته ان يجتمع ويقرر بمفرده من يمثل "جزائر المستقبل"، ومن يمثل "جزائر الماضي". فنحن ضد هذا التصوّر، لأننا نرفض المشاركة في "قطيعة" بعيدة عن الشعب.