أصبحت "الندوة الوطنية" مسألة محسومة بعد تشكيل لجنة تحضيرية لها من ثمانية اعضاء، ثلاثة عسكريين وخمسة مدنيين، هم: اللواء محمد التواتي، مستشار وزير الدفاع. العميد الطيب الدراجي، مفتش عام القوات البرية. العميد احمد صنهاجي مدير مركزي في وزارة الدفاع. الدكتور حسن الخطيب، قائد الولاية الرابعة العاصمة اثناء استقلال الجزائر 1962، وعضو مجلس الثورة غداة الانقلاب على بن بله في 19 حزيران يونيو 1965، لكنه اعتزل السياسة ليتفرغ لمهنته كطبيب في الامراض النسائية. عبدالقادر بن صالح، مدير قسم الصحافة والاعلام في وزارة الخارجية وسفير الجزائر سابقاً في السعودية. قاسم كبير، نائب سابق وعضو المجلس الدستوري. طه طيار، مدير المدرسة الوطنية للادارة. وعبدالوهاب بوعديس، من العناصر النشيطة في التجمع الوطني الذي دعا اليه الرئيس الراحل محمد بوضياف. ويوحي بعض المؤشرات بأن رئاسة الندوة يمكن ان تسند الى الرئيس السابق احمد بن بله الذي يتزعم حزب "الحركة من اجل الديموقراطية". وهو ما انفك يعبر عن ارتياحه الى لقائه الرئيس علي كافي في 14 ايلول سبتمبر الماضي. وكان بن بله غادر الجزائر غداة اغتيال الرئيس بوضياف في 19 حزيران يونيو 1992 حتى لا يُفسر بقاؤه وسكوته "كضرب من التزكية لما حدث" حسب قوله. وفي هذا السياق تحدثت الصحافة المحلية عن جهود يقوم بها بن بله مع عبدالحميد مهري الامين العام ل "جبهة التحرير"، وحسين آيت احمد زعيم "جبهة القوى الاشتراكية"، بل حتى مع قيادة "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في الخارج وعلى رأسها رابح كبير. لكن "جبهة التحرير" سارعت، بواسطة نشرتها "الموقف"، الى تكذيب ذلك، مؤكدة ان مهري "لم يقم بأية مبادرة ولم يكلف بأية مهمة خاصة تتعلق بتنظيم الحوار الوطني، لا من طرف المكتب السياسي ولا من أي طرف آخر". ويؤشر هذا التكذيب القاطع الى ما سيكون عليه رد "جبهة التحرير" على دعوة المشاركة في "الندوة الوطنية" المقبلة، ويؤكد كذلك غضب قيادة الجبهة من تطورات الاحداث وما تتعرض له من مضايقات شبه يومية من الجهاز التنفيذي. وسبق لمهري ان قال ل "الوسط" انه "لم يعد يستسيغ التصريح للصحف حتى لا يغذي الوهم بوجود حياة سياسية عادية". وموقف "جبهة التحرير" من توسيع "المجلس الوطني الاستشاري" الذي سيكون من نتائج "الندوة الوطنية" معروف، ويتلخص في رفض اي منصب لا يأتي عن طريق الانتخابات. وتعتبر الجبهة ان "المرحلة الانتقالية" بدأت فعلا "باستقالة" الرئيس بن جديد في 11 كانون الثاني يناير 1992، رافضة بذلك اطروحة "المجلس الاعلى للدولة" القائلة بأن "المرحلة الانتقالية" تبدأ في مطلع العام 1994! ويتوقع ان تقاطع "جبهة القوى الاشتراكية" ثالث اهم الاحزاب شعبية "الندوة" المزمع تنظيمها خلال الخريف الجاري. وكانت "جبهة" آيت احمد اعلنت في 4 كانون الاول ديسمبر من العام الماضي، ان "حوار المجلس الاعلى للدولة" لم يعد يعنيها، واحتفلت في الايام الاخيرة بالذكرى الثلاثين لتأسيسها تحت شعار الاحتجاج على كل شيء: على العنف من الجانبين، على انسداد آفاق السلام، وعلى "استمرارية اللاشرعية"... الخ. ومعروف ان انصار آيت احمد يطعنون في شرعية النظام القائم ابتداء من سنة 1963، عندما "اعتدى" الرئيس بن بله على الجمعية التأسيسية المنتخبة شرعياً ووضع دستوراً بديلاً لها. وهذا ما يفسر تمسك "جبهة القوى الاشتراكية" بمطلب الجمعية التأسيسية باعتبارها الممر الاجباري للعودة الى الشرعية الدستورية والشعبية. فهل يمكن تصور "ندوة وطنية" و"حوار وطني" من دون الجبهات الثلاث الفائزة في انتخابات 26 كانون الاول ديسمبر 1991 النيابية؟ ان الفائز الاول، وهو "جبهة الانقاذ"، مقصي عن الندوة، والفائز الثاني وهو "جبهة التحرير" يبدو اقرب الى الرفض، والفائز الثالث، وهو جبهة آيت احمد، رافض اصلاً. لكن مع ذلك فان المجلس الاعلى للدولة مصمم على عقد الندوة، ولو في غياب الجبهات الثلاث. ويقول الرئيس كافي، بتهديد مبطن، ان "المتغيبين سيتحملون مسؤولياتهم امام الشعب والتاريخ". وفي غياب الجبهات الثلاث يمكن ان تقام الندوة على ثلاثة اقطاب ثانوية: الاول، التحالف العلماني - الشيوعي وهو المحرك والداعم الرئيسي لحكومة السيد رضا مالك. الثاني، حركة الرئيس بن بله الذي يبدو التحالف المذكور سابقاً بحاجة الى "شرعيته التاريخية" وترددت اشاعات عن تكليف بن بله بتحضير الندوة، وليس مستبعداً ان يكون ذلك من الناحية الرسمية، اما من الناحية الفعلية فالامر متروك لغيره بكل تأكيد. الثالث، حركة الشيخ محفوظ نحناح حماس لمباركة الندوة من الناحية الدينية. والجدير بالذكر في هذا الصدد ان هذه "الاقطاب الثانوية" التي يمكن بناء الندوة على اساسها، لم تفز مجتمعة باكثر من 700 الف صوت من اصل 13 مليون ناخب في انتخابات 26 كانون الاول 1991. وللندوة الوطنية موضوع ثالث، بالاضافة الى وثيقة الاجماع الوطني، وتوسيع المجلس الاستشاري الوطني، وهو موضوع في غاية الدقة قد يصعب فيه الحصول على تزكية الاقطاب الثانوية المذكورة. ونعني به تزكية المجلس الاعلى للدولة لمواصلة مهمته خلال "المرحلة الانتقالية الثانية" ابتداء من مطلع العام 1994. ومعلوم ان المجلس الاعلى للدولة كان التزم علانية الانسحاب من موعد اقصاه 31 كانون الاول 1993. لكن امام انسداد الآفاق السياسية وبحجة استمرارية الدولة، ارتأى بعض اعضاء المجلس ان يرشحوا انفسهم لمواصلة مهامهم الرئاسية باسم "المجلس الرئاسي" او "المجلس الجمهوري" الذي لا يستبعد ان تشكل نواته من الثلاثي، كافي - نزار - مالك. وحسب مصادر غير مؤكدة فان الرئيس كافي قد يكون افهم أعضاء المجلس الاستشاري في اجتماعه بهم يوم 5 تشرين الاول اكتوبر الجاري ان مهمة المجلس الاعلى للدولة لا تنتهي بالضرورة في 31-12- 1993. ويؤكد المراقبون ان الآفاق التي يحاول المجلس الاعلى فتحها تصب كلها في اطار الحل الامني الذي يثبت مع ذلك يومياً على ارض الواقع وعبر تصاعد نشاط "الحركة الاسلامية المسلحة"، انه غير ممكن التحقيق في آجال قريبة، ويمكن ان يؤدي الى خراب البلاد. فهل يعني ذلك ان الحل السياسي متعذر في الظروف الراهنة؟ ان الحل السياسي الذي يشمل طبعاً التفاوض الجدي مع جبهات "الانقاذ" و"التحرير" و"القوى الاشتراكية"، تعارضه قوى فاعلة في جهاز الحكم على رغم ضآلة شعبيتها، وهي تحاول عبر جهازها الدعائي اقناع نفسها وغيرها، خصوصاً في الخارج، بأن قيادة "الجبهة الاسلامية" تفككت، ولم يعد النظام يجد من يحاوره. ومهما يكن فان محاورة شيوخ مثل عباسي مدني أو رابح كبير لا تجدي نفعاً، لأن "الحركة الاسلامية المسلحة" خرجت عن طاعتهم.