ثلاث جلسات عمل رسمية ثلاثة أيام للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي لم تكونا كافية، بالطبع، لحسم الموقف الخليجي الموحد من جملة قضايا - تحديات، بل كانت اللقاءات الثنائية والجانبية بين قادة المجلس في قصر الدرعية في الرياض برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، هي العامل الأساس في بلورة هذا الموقف وإزالة بعض الشوائب والغموض... والتباينات، والمفتاح الى حلحلة بعض العقد، سواء على الصعيد الخليجي العام أو على الصعيد الثنائي. وفي قراءة للبيان الختامي للقمة الرابعة عشرة، وما سبقه من تقارير صحافية وتصريحات، يظهر بوضوح ان دول مجلس التعاون ظلت أولاً على موقفها من النظام العراقي ومطالبته بتنفيذ القرارات الدولية. فقد دان المجلس الأعلى بشدة النظام العراقي "لممارسته سياسة الانتقاء في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ولا سيما منها عند تنفيذه قرار مجلس الأمن الرقم 833 الذي أقر ترسيم الحدود بين دولة الكويتوالعراق، ولمسلكه العدواني ضد دولة الكويت وارتكاب قواته وعناصره أعمالاً استفزازية على الحدود بين البلدين وتلويحه بمعاودة العدوان". وأكد دعمه المطلق لدولة الكويت "تجسيداً لمبدأ الأمن الجماعي". وجدد المجلس مطالبته النظام العراقي باحترام شروط وقف النار وتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبنود القرار 687 المتعلقة بتنفيذ القرار الخاص بالحدود الدولية بين البلدين على أساس الاتفاقات المعقودة بينهما ووفق القرار 833. وطالبه أيضاً بالافراج عن جميع المحتجزين من الكويتيين ورعايا الدول الأخرى، ودفع التعويضات. وأكد ضرورة مواصلة الضغوط الدولية على العراق "حتى يكف عن سلوكه العدواني وينفذ كل التزاماته الدولية". وحمَّل النظام في بغداد "المسؤولية الكاملة عما يتعرض له الشعب العراقي من مآسٍ ومعاناة انسانية نتيجة سياساته التي تمثل خرقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 688 ورفضه تنفيذ قراري مجلس الأمن 706 و712 اللذين يعالجان المعاناة الانسانية للشعب العراقي، مؤكداً حرصه البالغ على وحدة أراضي العراق وسلامته الاقليمية". وكان تردد ان قطر تسعى الى التخفيف من الموقف الحاسم من العراق، خصوصاً أن نائب رئيس أركان قواتها المسلحة زار بغداد أوائل الشهر الجاري. لكن اتصالات خليجية أجريت مع الدوحة فصدر تصريح قطري رسمي قبل أيام من القمة أوضح ان زيارة نائب رئيس الأركان كانت خاصة. علماً أن مسؤولين عمانيين كانوا دعوا الى العمل لاعادة العراق الى المجتمع الدولي عبر البوابة العربية بدلاً من البوابة الغربية، بعد أن ينفذ كل القرارات الدولية. وتأتي كل هذه المواقف من العراق في ضوء ما اعتبره مصدر عماني "مؤشرات" الى اقتراب العراق من العودة الى المجتمع الدولي. وتوقع المصدر في حديثه الى "الوسط" ان تكون هذه العودة أواخر صيف السنة المقبلة، بعدما بدأت تظهر بغداد استعداداً لتنفيذ القرارات الدولية التي فرضت عليها حصاراً محكماً. واعترف المصدر بأن رفع الحصار عن العراق يظل في الدرجة الأولى في يد الدول الغربية والولايات المتحدة بالتحديد، ملاحظاً بداية اتصالات خجولة بين بغداد وبعض العواصم الأوروبية، في حين ان الادارة الأميركية تقلل الاهتمام بالمسألة العراقية اذا التزمت بغداد شروط مجلس الأمن وظلت بعيدة عن محاولات عرقلة مسيرة التسوية في الشرق الأوسط. أما النقطة الثانية في البيان الختامي فتناولت العلاقات مع ايران وقضية الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة. ودعا المجلس الأعلى الجمهورية الاسلامية الى "اجراء حوار مباشر في ما يتعلق باحتلالها الجزر". وأكد ان الامارات "لا تزال تنادي بضرورة اللجوء الى الحوار والتزام كل الطرق السلمية من أجل انهاء هذا الاحتلال وعودة الجزر الثلاث الى سيادة دولة الامارات". وطالب ايران بالغاء كل الاجراءات والتدابير التي اتخذتها في جزيرة أبو موسى وانهاء احتلالها جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، وذكَّر مجدداً بأن "تطوير العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية مرتبط بتعزيز الثقة وبما تتخذه من اجراءات تنسجم مع التزامها مبادئ حسن الجوار واحترام سيادة أراضي دول المنطقة ووحدتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". وشدد على تضامنه مع موقف الامارات. وفي هذه النقطة نجحت الامارات في الحصول على موقف جماعي يدعم توجهها، اذ قال مصدر اماراتي ل "الوسط" ان بلاده ترفض أي وساطة خليجية بينها وبين ايران "لأننا نعتبر كل دول الخليج طرفاً في المشكلة". وأكد ان أبو ظبي تصرّ على البحث في موضوع الجزر الثلاث، لكنها في الوقت نفسه تحرص على عدم إثارة الموضوع بما يجعله مادة يومية في وسائل الاعلام، وعلى مواصلة الضغوط من أجل دفع طهران الى القبول بالمفاوضات. وأوضحت مصادر خليجية ل "الوسط" ان ربط المجلس الأعلى تطوير العلاقات الخليجية - الايرانية بحل مشكلة الجزر، لا يحول دون اتصالات ثنائية بين كل دولة من دول مجلس التعاون مع الجمهورية الاسلامية بما يخدم المصالح العامة للمنطقة عموماً. واحتلت قضية الشرق الأوسط الموقع الثالث في بيان المجلس الأعلى في قمته الرابعة عشرة. وخلافاً لما توقعته دوائر كثيرة، لم يشر البيان الى موضوع المقاطعة العربية لاسرائيل، على رغم ان صحفاً كويتية دعت الى "رفعها فوراً"، فاكتفى بتكرار الترحيب باتفاق اعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل "على أساس أنه خطوة أولى على طريق التوصل الى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية والنزاع العربي الاسرائيلي استناداً الى قراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض في مقابل السلام وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمها القدس الشريف". وطمأن المجلس سورية ولبنان بمطالبته المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لانهاء احتلالها الجولان وتنفيذ القرار 425 القاضي بانسحابها من كل الأراضي اللبنانية من دون قيد أو شرط. وأبلغ مصدر خليجي "الوسط" ان موقف دول مجلس التعاون من موضوع المقاطعة جزء من الموقف العربي العام الذي عبرت عنه الجامعة العربية التي تمسكت بالمقاطعة حتى تحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل والسلام الشامل. لكنه أشار الى شبه اتفاق على ان تتصرف كل دولة خليجية حيال المقاطعة بما يخدم مصالحها، خصوصاً في ما يتعلق بالدرجة الثالثة أو الثانية من المقاطعة، أي المجالات التي لا يضر رفع المقاطعة فيها بالموقف العربي العام. على الصعيد الخليجي، أقر المجلس الأعلى توصيات وزراء الدفاع في اجتماعهم الثاني عشر، ولم يشر الى هذه التوصيات التي باتت معروفة، وهي كما أعلن أكثر من مصدر في مجلس التعاون، تطوير قوات درع الجزيرة برفع عددها تدريجاً الى 25 ألفاً عن طريق فرز وحدات من جيش كل دولة، على أن يكون مقر قيادتها في حفر الباطن. أما موضوع "الحزام الأمني" فأوضح مصدر خليجي ان مبدأ اقامة شبكة الانذار الجوي المبكر المرتبطة بشبكة دفاع جوي تحيط بدول المنطقة، أقر من زمن، وان الخطط التي وضعها وزراء الدفاع في هذا المجال ليست سوى ترجمة لهذا المبدأ. إلا أنه لاحظ ان مشروع اقامة الشبكة يتطلب تنفيذه وقتاً ليس بالقصير، كما أنه يكلف بلايين الدولارات، من هنا تبدو هذه الخطوة طويلة الأمد. كما ناقش المجلس الأعلى اوضاع السوق البترولية العالمية المضطربة نتيجة الفائض الكبير من البترول المعروض الذي اوجد تأثيرا سلبيا على اقتصاد الدول الاعضاء. واذ يؤكد المجلس الاعلى استعداد للمساهمة في اجراء تخفيض في الانتاج الحالي اذا وافقت والتزمت جميع الدول المنتجة داخل أوبيك وخارجها علي خطة شاملة لتخفيض الانتاج بشك متوازن. وعليه فان الدول الاعضاء تساند الجهود التي تقوم بها سلطنة عمان في هذا الشأن مع الدول المنتجة من خارج منظمة اوبيك. ولم يشر البيان الختامي الى "اعلان دمشق".