أبدت القمة الخليجية الواحدة والعشرين التي انهت اعمالها في المنامة ظهر امس موقفاً متشدداً من ايران، اذ طالبتها بحقوق دولة الامارات في جزرها الثلاث المحتلة ودعتها الى القبول بإحالة النزاع على محكمة العدل الدولية. في حين اظهرت لهجة جديدة في الموقف من العراق مطالبة اياه بالتزام القرارات الدولية، داعية اياه ومجلس الامن الى "الدخول في حوار شامل لتنفيذ هذه الالتزامات الواردة في قرارات مجلس الامن بشكل عادل وشامل على أسس سليمة وصولاً الى رفع العقوبات". أنهت القمة يومين من الاجتماعات بتوقيع قادتها اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون التي ستلزمها الدفاع المشترك عن اي دولة تتعرض لعدوان او تهديد خارجي. ووصف وزير الخارجية البحريني الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الاتفاقية بأنها "تضع اطاراً قانونياً ملزماً للتعاون العسكري بين دول المجلس وبخاصة في حالة تعرض اي دولة لتهديدات خارجية". وساهم التفاهم السياسي بين قادة دول مجلس التعاون في تحقيق القمة انجازات مهمة، فعلى الصعيد السياسي أرست القمة لغة مشتركة للموقف الخليجي الجماعي من العراق. ورأى وزير الخارجية البحريني ان ما تضمنه البيان الختامي في هذا المجال "فيه روحية جديدة نرجو فهمها من اجل مساعدة شعب العراق في معاناته من جراء العقوبات والخروج من هذا الوضع المتأزم". وكما نشرت "الحياة" امس تضمن الموقف الخليجي من العراق السياسة الثابتة التي تنادي بها دول الخليج وغيرها، وهي ضرورة "اتمام العراق تنفيذ الالتزامات الواردة في قرارات مجلس الامن المتعلقة بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر واللجنة الثلاثية المعنية لايجاد حل سريع ونهائي لمشكلة الاسرى والمرتهنين الكويتيين وغيرهم من رعايا الدول الاخرى، واعادة كل الممتلكات الكويتية التي في حوزته"، ومطالبة بغداد ب"اعادة التعاون مع الاممالمتحدة لانهاء المسائل العالقة في ما يخص اسلحة الدمار الشامل ووسائل المراقبة". لكن البيان دعا العراق ومجلس الامن الى الدخول في حوار شامل لتنفيذ هذه الالتزامات بشكل عادل وشامل على أسس سليمة وصولاً الى رفع العقوبات. وكذلك حضّ العراق على اتخاذ "كل الخطوات الكفيلة بإظهار توجهاته السلمية تجاه دول مجلس التعاون بما يحقق الامن والاستقرار في المنطقة". ولوحظ في هذا الصدد ان الموقف الخليجي يشبه الى حدّ ما موقف القمة الاسلامية الاخيرة في الدوحة. اذ ان البيانات الخليجية السابقة كانت تتحدث بتشدد عن العراق متهمة اياه بالتهرّب من تنفيذ كل قرارات مجلس الامن "ذات الصلة بعدوانه على الكويت". وعلمت "الحياة" ان القمة الخليجية لم توافق على اقتراح لتشكيل وفد وزاري من دول المجلس لزيارة العواصم العربية لشرح موقفها الجماعي من العراق وشروط عودته الى الساحة العربية. وصرح الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الى "الحياة" بأن القادة "اتفقوا على ان تقوم دول مجلس التعاون عبر اتصالاتها الثنائية مع الدول العربية بشرح الموقف الخليجي من العراق". وسيتولى وزير خارجية البحرين التنسيق في هذه الاتصالات وعرض نتائجها على اجتماع سيعقده وزراء الخارجية الخليجيون في آذار مارس المقبل. ورأت مصادر ديبلوماسية خليجية ان تشكيل وفد وزاري خليجي لزيارة العواصم العربية سيبدو كأنه تحرك يستبق القمة العربية المقرر انعقادها في الاردن في نهاية آذار، والتي قد تشهد عودة العراق الى ساحة العمل العربي المشترك. وفي الوقت الذي أبدى فيه وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في تصريحات الى "الحياة" سروره بما اعتبره "الموقف الخليجي الجديد من العراق"، اعرب الشيخ صباح الاحمد النائب الاول لرئيس الوزراء الكويتي وزير الخارجية ايضاً ل"الحياة" عن ارتياحه وبلاده الى هذا الموقف "الذي يؤكد حقوق الكويت المعروفة". مشكلة الجزر الاماراتية ولوحظ في البيان الخليجي موقفاً متشدداً من ايران اذ اكد قادة دول المجلس تأييدهم كل الخطوات التي تتخذها دولة الامارات لاستعادة سيادتها على الجزر الثلاث المحتلة، بالطرق السلمية، "انطلاقاً من مبدأ الامن الجماعي لدول المجلس". وتصاعد الموقف الخليجي المؤيد لأبوظبي في هذا النزاع من خلال دعوة ايران للمرة الاولى، "الى القبول بإحالة النزاع على محكمة العدل الدولية" وكلّفت القمة وزراء الخارجية "النظر في كل الوسائل السلمية المتاحة التي تؤدي الى اعادة الحقوق المشروعة لدولة الامارات في جزرها". ورأى بعض المراقبين في هذا التكليف تحويلاً لقضية النزاع قضية سياسية خليجية - ايرانية. ولكن لوحظ ان البيان الخليجي لم يشر بشيء الى موضوع العلاقات الخليجية مع طهران وتأثير مشكلة الجزر في هذه العلاقات. القضية الفلسطينية وكررت دول مجلس التعاون مواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية مُدينة "الاعتداءات الوحشية والاجراءات القمعية وسياسات الاغلاق والحصار التي تمارسها اسرائيل على الشعب الفلسطيني". وطالبت ب"توفير الحماية للشعب الفلسطيني". ولوحظ أن القادة الخليجيين لم يتخذوا موقفاً رافضاً أو مؤيداً للأفكار الأميركية المعروضة على السلطة الفلسطينية، تاركين ذلك الى "المفاوض الفلسطيني"، مؤكدين "ثقتهم الكاملة" بهذا المفاوض. واكتفوا بالاعراب عن "أمل المجلس الأعلى بأن تؤدي الجهود المبذولة حالياً الى تسوية سلمية تعيد الحقوق المشروعة الى الشعب الفلسطيني". وأبلغ مصدر وزاري خليجي "الحياة" ان وجهة نظر الدول الخليجية ترى انه إذا كان هناك موقف مطلوب من الأفكار المقترحة للتسوية، فإن من الأفضل أن يكون موقفاً عربياً. وأشار المصدر الى الاجتماع الذي ستعقده لجنة المتابعة العربية للبحث في هذه المسألة يوم الخميس المقبل في القاهرة. البيت الخليجي وعلى صعيد أوضاع البيت الخليجي وتعزيز التعاون المشترك بين دول المجلس ساهم التفاهم السياسي الذي ساد أجواء القمة في تحقيق انجازات مهمة على صعيد تعزيز المواطنة الخليجية وتوسيع مجالاتها. وتضمن البيان اشارة الى كثير من القرارات التي اتفق على تنفيذها في هذا الصدد. فاضافة الى معاهدة الدفاع الخليجي المشترك التي من المقرر أن تصادق عليها الدول الأعضاء استناداً الى نصوص دساتيرها في ستة أشهر، توصلت الى قرارات في شأن برنامج اصدار عملة خليجية موحدة "ستكون متممة للتكامل الاقتصادي المنشود"، بدأت باعتماد مثبت مشترك لعملات دول المجلس كخطوة أولى لتحقيق هذا الهدف الذي يريد بعض دول الخليج الوصول اليه خلال السنوات السبع القادمة. وقرر القادة الخليجيون السماح لمواطني دولهم بممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والمهن في كل دول المجلس، وسوى عدد محدود رؤي قصرها مرحلياً على مواطني الدول نفسها، وتمهيداً للوصول الى التعرفة الجمركية الموحدة المقرر أن يبدأ العمل بها عام 2005. وقررت القمة الخليجية تطبيق القانون الموحد للجمارك ابتداء من كانون الثاني يناير 2002، على أن يعمل بهذا النظام "بشكل استرشادي" للعام الحالي. السعودية تؤيد خفض انتاج النفط وما أكد التفاهم بين قادة دول المجلس ما ظهر في البيان الختامي من تفاهم في السياسة البترولية التي يجب أن تتبع من أجل ضمان تحقيق السعر المستهدف للبترول. وأكد وزير النفط السعودي علي النعيمي ل"الحياة" ان دول المجلس - التي تصدر نحو 45 في المئة من صادرات "اوبك" - متفقة على اجراء خفوضات في مستويات الانتاج من البترول، والعمل على الاتفاق على حجم هذه الخفوضات مع الدول الأخرى المنتجة، خصوصاً في الاجتماع المقبل لمنظمة "أوبك". وأعلن الوزير السعودي في تصريح الى "الحياة" بأن المملكة تؤيد خفضاً كبيراً لمستوى انتاج "أوبك" من أجل المحافظة على السعر المستهدف للبرميل، وهو في رأي السعودية، 25 دولاراً. وأشار الوزير الى ان بلاده ستتفق على حجم مستوى الخفض المطلوب مع الدول المنتجة الأخرى. وأضاف: "ان المملكة لا تمانع في أن يراوح مستوى الخفض بين مليون ونصف مليون برميل ومليوني برميل" يومياً. وأشار بيان القمة الخليجية الى أن القادة وجهوا وزراء النفط والطاقة في دولهم "بالعمل على خفض مستويات الانتاج خلال الاجتماع المقبل لمنظمة اوبك واتخاذ أي سبل أخرى للمحافظة على توازن السوق وتحقيق السعر المستهدف".