لا يزال انصار الامبراطورية الاثيوبية يحنون الى عودة ذلك النظام ويسعون اليه، كما يسعى انصار النظام الماركسي الى اعادة زعيمهم منغيستو هايلي مريام من زيمبابوي التي لجأ اليها عندما كان ملس زيناوي يتقدم على رأس قوات "الجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا" الى اديس ابابا ليصبح رئيساً للبلاد في ايار مايو 1991. والتقى انصار الامبراطورية اخيراً مع انصار الشيوعية في تحالف لم يتوقعه احد، اذ كشف ضباط اثيوبيون سابقون ل"الوسط" في اديس ابابا، ان تجمعاً لمعارض النظام الاثيوبي الحالي يقيمون معسكراً لتدريب انصارهم قرب بلدة ماكرير الاوغندية على مسافة نحو 122 كيلومتراً شمال العاصمة كمبالا. وانهم شنوا اخيراً هجمات عدة على مواقع تابعة للقوات الاثيوبية في جنوب غربي البلاد انطلاقاً من اوغندا عبر الحدود الكينية، في محاولة لزعزعة حكم زيناوي تمهيداً لاطاحته. وأكدت المصادر نفسها ان قادة المعارضة وانصارهم يتحركون بسرية تامة بين آلاف اللاجئين الذين فروا منذ ايار مايو 1991 من اثيوبيا الى اوغندا بعد سقوط نظام منغيستو. معسكر المعارضة الامهرية ويضم معسكر ماكارير خليطاً متناقضاً من المعارضين، غالبيتهم من قومية الامهرا، وبينهم عدد من الجنرالات السابقين في عهدي الامبراطور هيلا سيلاسي ومنغيستو، اضافة الى عدد من قادة حزب العمال الاثيوبي الشيوعي المنحل. وغالبية المسؤولين عن المعسكر كانوا يحتلون مناصب مهمة في النظام السابق في المناطق الجنوبية على الحدود مع كينيا، وفروا من البلاد بعدما استولوا على اموال من البنوك الوطنية واسلحة وذخائر وعربات عسكرية ومدنية عقب الفوضى التي سادت البلاد في العام 1991. ومن بين هؤلاء، القائد السابق لمنطقة الجنوب الغربي الميجور جنرال دليكا بيان، وقائد موقع جنوب أمو الجنرال تيفرا دالي، والمسؤول عن حزب العمال الاثيوبي السابق في مقاطعة جنوب اومو وبحيرة رودلف قرب الحدود مع كينيا سايمون غالوري، ورجل اعمال سابق مقرب من منغيستو هو زودو عيلم كبيدي. واوضحت المصادر ان المعارضين في معسكر ماكارير لا يعانون اي مشاكل في التمويل، وانهم ينسقون سياسياً مع جماعات اثيوبية اخرى معارضة في الولاياتالمتحدة وبريطانيا والمانيا، ويتلقون منها دعماً مالياً. وعن فاعلية هذه الجماعة، قال ل"الوسط" جنرال سابق في الجيش الاثبوبي، طلب عدم نشر اسمه: "ان عمليات التدريب كانت تسير في شكل جيد حتى مطلع السنة الجارية. لكن اللاجئين الذين يشكلون القوة الرئيسية لأي عملية عسكرية داخل الاراضي الاثيوبية، اصيبوا اخيراً بالاحباط نتيجة الخلافات الجارية بين قادتهم ... فالجميع متفق على هدف واحد هو ازاحة زيناوي عن الحكم. لكن الخلاف الاساسي بين هؤلاء القادة هو على اسلوب التحرك ونظرة كل منهم المتباينة الى النظام السياسي الذي يجب ان تنهجه بلادهم في المرحلة المقبلة، ففريق منهم لا يزال يؤمن بعودة النظام الامبراطوري، فيما يرى آخرون ضرورة عودة منغيستو الى الحكم". ويضيف الجنوال السابق الى ذلك الصعوبات اللوجستية": "ان العمليات العسكرية انطلاقاً من الاراضي الاوغندية ليست سهلة، خصوصاً ان تنفيذها يحتم على المعارضة المسلحة المرور عبر الحدود الكينية للوصول الى جنوباثيوبيا". واعترف بأن المسلحين التابعين للمعارضة استطاعوا اخيراً شن هجمات عدة داخل اثيوبيا والعودة الى اوغندا. وقال انه يعملون حالياً على انشاء قاعدة اساسية لهم على الحدود الكينية القريبة من اثيوبيا. المعارضة في الداخل وكانت الحكومة الاثيوبية طردت السكرتير الاول في السفارة الاوغندية في اديس ابابا نياكيرو كواكو بعدم اتهمته بممارسة اعمال تتعارض مع مهمته الديبلوماسية في سفارة بلاده. وهي تهمة تعنى عادة التجسس. لكن ديبلوماسيين افارقة في العاصمة الاثيوبية استبعدوا ان يكون الطرد مرتبطا بنشاط جماعات المعارضة الاثيوبية. ووصفت السلطات الاوغندية معسكر ماكارير بأنه مخيم للاجئين، نافية انطلاق اية نشاطات عسكرية من اوغندا. اما الحكومة الاثيوبية فلم تنف ولم تؤكد حصول عمليات عسكرية ضد قواتها في جنوب البلاد، وقللت في الوقت نفسه من اهمية المعارضة في الخارج، خصوصاً المعروفة ب"جماعة واشنطن" التي تعتبر من انشط جماعات المعارضة وأكثرها تنظيماً في الخارج. لكن اكثر ما يقلق حكومة زيناوي ليس المعارضة في الخارج، بل تلك الموجودة داخل البلاد، وعلى رأسها "منظمة عموم شعب الامهرا" التي يتزعمها البروفسور أسرت ولد يس. اضافة الى انساب "جبهة تحرير الاورومو" من ائتلاف الحكومي وشن قواتها عمليات عسكرية ضد قوات زيناوي، خصوصاً في جنوب غربي البلاد. وعلى رغم تقليل الحكومة الاثيوبية الانتقالية من اهمية المعارضة في الخارج والداخل وعدم اعترافها بهجمات الاورومو، فإن متابعين لتطور الاوضاع في اثيوبيا يعتقدون بأن كل هذه التحركات المناوئة لزيناوي تركت تأثيرات سلبية كثيرة على محاولات الحكومة انهاء المرحلة الانتقالية واجراء انتخابات عامة ورئاسية وتشكيل حكومة عادية منتخبة قبل شباط فبراير المقبل. وكان يفترض ان تنتهي الفترة الانتقالية المحددة لحكومة زيناوي في ايار الماضي، وجرى تمديدها حتى الانتهاء من الانتخابات في شباط المقبل. وامام زيناوي حتى ذلك الوقت استحقاقات عدة في مقدمها حسم قضية المعارضة والاورومو، وصياغة مشروع الدستور الدائم للبلاد الذي لا يزال مثار خلاف بين القوميات الاثيوبية. واذا تأجل موعد الانتخابات فإن ذلك سيكون لمصلحة المعارضة في الداخل والخارج، بما في ذلك انصار منغيستو وانصار هيلا سيلاسي. ويمكن القول ان العد العكسي للسباق على السلطة بدأ بين زيناوي من جهة والامبراطوريين والشيوعيين من جهة أخرى.