منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنحية العسكر في الخرطوم : حلم الترابي أم الفرصة الأخيرة ؟
نشر في الحياة يوم 25 - 10 - 1993

يعترف الدكتور حسن عبدالله الترابي 63 عاماً بأنه وضع صيغة البيعة التي اديت للرئيس السوداني السابق جعفر نميري العام 1983 اثر اعلانه فرض قوانين مستمدة من الشريعة الاسلامية. وذلك على رغم اثارته اتهامات بأن نميري عزله عندما بدأت مرحلة صياغة القوانين الشهيرة التي عرفت في تاريخ السودان السياسي الحديث ب "قوانين سبتمبر".
ذكر الدكتور الترابي الذي لا يشغل منصباً عاماً في السودان حالياً في مقابلة اجرتها معه مجلة "اوراق عربية" تشرين الثاني نوفمبر 1986 - بعد سقوط نميري بعام واحد - ان المحامين الثلاثة الذين وضعوا القوانين الاسلامية بدرية سليمان والنيّل ابو قرون وعوض الجِيد محمد احمد كانوا "طلبتي من خريجي كلية الحقوق، وهم المسؤولون عن سن تلك التشريعات، وكانت تعليمات نميري المشددة لهم ألا يطلعوني على اعمالهم، وعندما بدأت مرحلة الصياغة اسرع بقرار عزلي من منصب النائب العام واحالني على الشؤون الخارجية، ولذلك كان تدخلي في الصياغة محدوداً جداً".
لكن الترابي لا ينفك يردد ان جماعته هي صاحبة الفضل في ذلك المشروع الاسلامي السوداني. ولا يخفي ميكافيلليته حين يقول "كانت لنا استراتيجية محددة، ان نعمل على تمكين الحركة الاسلامية في المجتمع السوداني، وتنويع وجوه تعبيرها".
وهكذا مضى "الاخوان المسلمون" - هكذا كان اسمهم قبل سقوط نميري - في تأسيس الجمعيات وسط الشبان والشابات، وتنظيم قوافل الاغاثة، والحملات التطوعية، واستقطاب طلاب الجامعات، "ومن الناحية الاقتصادية أنشأنا مؤسسات متعددة ليس بغرض القوة الاقتصادية كما يدعي خصومنا، ولكن لنستكشف من خلال تجاربها نماذج تطبيقية للاقتصاد الاسلامي، حى اذا جاء وقت التطبيق الواسع يمكن احتذاؤها من دون الاعتماد على الفقه النظري فحسب، ولذلك دخلنا مجالات التنمية والتأمين والمصارف" على حد تعبيره في المقابلة المذكورة.
تنظيم وتخطيط وفشل
حدا ذلك بكثير من الديبلوماسيين الغربيين الذين عملوا في الخرطوم منذ تولي الفريق عمر البشير الحكم في حزيران يونيو 1989 الى الاعتراف بمقدرة اتباع الترابي الفريدة على التنظيم والتخطيط. غير ان تلك المقدرة انصرفت الى تأمين المنظومة الحزبية، وسد الثغرات التنظيمية، وتطوير آداء العمل الحزبي. بينما لم تثبت نجاحاً يذكر على صعيد الآداء اليومي لاجهزة الدولة الاسلامية التي بناها الترابي بقيادة الفريق عمر حسن البشير.
ولا يعدم الاسلاميون تبريراً في سياق ايمانهم بان الغاية تبرر الوسيلة. فمن المعروف ان قطاعات عريضة من مسلمي السودان لم تكن راضية عن تقديم البيعة الى الرئيس السابق. والترابي نفسه كان يدرك ان نميري ليس الامام الامثل. اما لماذا سكت وبايع، فرده الجاهز: "كنا نتحسب اذا عارضناه ان تحدث ازمة سياسية لا يعلم مداها الا الله. ثم ان معظم أئمة المسلمين لم يستوفوا هذه الشروط وتمت بيعته للضرورات".
خميني السودان؟
ويرفض الترابي الذي تعرض لاعتداء استهدف حياته في كندا في ايار مايو 1992 ان يوصف بأنه "خميني السودان". ويقول انه "اكثر الناس دعوة الى الخروج من مذهب مالك الذي عليه اهل البلاد والخروج من مشاكل المذاهب والطائفية".
ويقلل من شأن الاتهامات التي تذهب الى انه الرئيس الحقيقي للدولة. فقد ذكر في مقابلة اجريت معه في آب اغسطس الماضي "هذا تفسير من لا يؤمن بالغيب ولا بالله، ولذلك يرد الامر الى الجبهة الاسلامية القومية، ويغلب ان يرده إلى خميني السودان الترابي، ولا يحاسبني فقط بأني ادير الحكم في السودان، ولكن أيما حدث وقع ضد الجزائر قالوا قدمنا له ودعمناه. ويحسبون أننا وراء ما يحدث في مشارق الارض ولاسيما البلاد المجاورة لنا، واذا كانوا يحاسبون السودان على الصحوة الاسلامية كلها، ويحاسبونني انا كذلك، فإنني أكِلُ أمري الى الله".
ويقوم مشروع الحلم الاسلامي في السودان على محو الكيانات التي تدين بالولاء للطوائف الحزبية والدينية القديمة، وتطبيق برامج اقتصادية تتجاوز التحول من الاقتصاد الاشتراكي الى النظام الليبيرالي الغربي، الى ما يسميه الترابي "اطلاق الاقتصاد ورده الى ان نكون خلفاء في مال الله". ويقر الزعيم الاسلامي السوداني بأن تحقيق هذه المرامي سيواجه اخطاء، او ما يسميه "اضطرابات مرحلية"، لكنه واثق من ان الدولة الاسلامية السودانية "سترتاح" من تلك الاخطاء لاحقاً.
وما قد يراه الترابي اخطاء منظورة، يعتبره آخرون - في الضرورة - ميكافيللية منه. فعندما اثيرت اتهامات للحكم السوداني بانتهاك حقوق الانسان قال الزعيم الاسلامي بكل بساطة: "ان الاحتجاز من يوم الى خمسة أيام اجراء تتبعه الشرطة في كل مكان في العالم".
وعزا الضجة التي أثيرت حول تلك الاتهامات إلى ما سماه حساسية السودانيين لكرامتهم، "فهم يعتبرون الكلمات البذيئة أو الإضاءة الساطعة أو الاستجواب في منتصف الليل تعذيباً".
وخلص الترابي، وهو فقيه في القانون الدستوري، وعمل نائباً عاماً، الى القول في مقابلة نشرت في تشرين الثاني نوفمبر 1992: "ما دام الشخص في السجن فهو في أمان".
ان الحلم الاسلامي المنسوب الى الترابي خطة نجمت عن براعة ودهاء، غير ان واقع الحلم ينبئ عن اقتصاد يتراجع، وأداء حكومي يتقهقر، ودولة تئن تحت وطأة العزلة الخارجية، واستمرار لهيب الحرب الاهلية.
كما ان انفراد الترابي بمشروعه الاسلامي، غير عابئ بمسلمي السودان الآخرين الذي كانت لهم بالحكم خبرات وتجارب، ولديهم من الانصار والاتباع ما يفوق عدد الموالين لدولته، يجعل ازمة الحكم في السودان مستمرة حتى اشعار آخر. وعلى رغم اصرار الترابي وكبار قادة النظام بأن السلطة الاسلامية تمكنت في ارجاء البلاد، فإن كل الدلائل ينبئ بأن انهيارها سيكون باهظ الكلفة، فادح الثمن.
حل المجلس العسكري
لقد تعددت الآراء في تفسير خلفيات قرار مجلس قيادة "ثورة الانقاذ الوطني" في الخرطوم حل نفسه وتعيين رئيسه الفريق البشير رئيساً للجمهورية. واختلفت في تحديد ابعادها وأهدافها ونتائجها.لكن ما لم يختلف عليه السودانيون هو أن قادة المجلس العسكري وقادة الجبهة الاسلامية القومية يعتقدون بأن هذه الخطوة ليست سوى مرحلة أخرى متقدمة من مراحل تحقيق "الحلم الاسلامي" الذي رسمه الترابي، سواء كتب لهذا الحلم ان يتحقق أم يتراجع.
بعض المراقبين المحايدين يعزو هذه التطورات الى انقسامات داخل صفوف الجبهة الاسلامية نفسها والى تململ عدد من الضباط من النفوذ الطاغي للجبهة في المؤسسات والادارات الحكومية. ويعتقد هؤلاء بأن الاجراءات الاخيرة قد تكون الفرصة الاخيرة امام الفريق البشير لانقاذ حكمه بتأكيد الفصل بينه وبين مجموعة الجبهة، مع انهم يعبرون عن اقتناعهم بأن المراسيم الجديدة لن تخدم النظام في شيء، ذلك ان الازمة أعمق بكثير، فالتضخم المتصاعد يرهق كاهل المواطنين، والتدهور الاقتصادي لن توقفه اية حلول في ظل فشل السياسة الاقتصادية للحكومة او بالاحرى تخبطها، وفي ظل الحصار الدولي المضروب على السودان... لذلك ربما كانت المراسيم آخر محاولة للخروج من هذا الوضع.
أما القوى التي تتعامل مع النظام، من خارج الجبهة الاسلامية كبعض القيادات الوسيطة في الاحزاب المحظورة والمستقلين والضباط غير المنتمين الى الجبهة، فتعتقد هي الاخرى بأن المراسيم ستكون الفرصة الاخيرة لتوسيع المشاركة في النظام والانفتاح على التيارات السياسية الاخرى في البلاد، في ظل النقمة الشعبية المتصاعدة بسبب التدهور المعيشي والارتفاع الجنوني للاسعار. علما ان ايا من هذه التيارات لا يبدي اي استعداد للمشاركة في الحكم.
ذلك ان المعارضة وصفت هذا التوجه نحو اعطاء النظام وجها مدنيا بأنه "تمثيلية لن تنطلي على أحد، وقد فرضتها التظاهرات الشعبية الاخيرة والضائقة الشديدة في الوقود والمعيشة، وكل شيء باق على حاله، ولن تفيد الجبهة الاسلامية في تجميل صورة الحكم. كما انها لن تفيد من محاولة مغازلة مصر أولا والولايات المتحدة ثانيا"، اذ من المعروف ان القاهرة كانت سعت الى عزل الفريق البشير ومجموعته عن مجموعت الدكتور الترابي، كما ان واشنطن مارست ولا تزال تمارس ضغوطا على حكومة الخرطوم لتغيير نهجها وسياساتها وتحالفاتها.
لذلك توقع اقطاب في المعارضة الا يطرأ أي تغيير على العلاقات الخارجية للسودان الذي كانت اميركا أدرجته قبل نحو شهرين على لائحة الدول الراعية للارهاب ووجهت اليه أكثر من تحذير. وذهب بعض هؤلاء الى تأكيد الاقتناع بأن النظام في الخرطوم لن يزيله غير عمل عسكري مسلح، ما دام النظام نفسه قام بالقوة العسكرية ولا يزال يمارس هذه القوة.
الترابي واستخدام القوة
الدكتور الترابي نفسه يقر بأن لا غبار على استخدام القوة للاستيلاء على السلطة. وكان تساءل في حوار بثته وكالة "رويتر" في كانون الثاني يناير الماضي: "ماذا عن كرومويل في انكلترا؟ وماذا عن الثورة الفرنسية؟" وهو ماض في تحقيق مشروع "الحلم الاسلامي" الذي يلاحظ المراقبون للوضع السوداني انه ليس مجرد خطة سياسية لتوسيع نطاق نفوذ الجبهة الاسلامية الحاكمة، كما يحدث عادة في البلدان النامية. لكنه مشروع أحكمت حلقاته وفقا لأولويات روعيت في كل مراحلها تنمية نخبة من الكوادر الاسلامية تكون كبيرة النفوذ في اوساط الفئة المزارعة التي خصصت لافرادها برامج تثقيفية اسلامية وخطط لتوسيع الرقعة الزراعية، ليسفر ذلك كله عن خنق الاسلاميين التقليديين كالانصار والختمية فيصفو الجو تماما لاتباع الترابي بمشروعهم الاسلامي المعروف.
لقد حددت المراسيم الثلاثة توجهات الدولة وتعيين الرئيس وتوزيع صلاحيات مجلس القيادة المنحل بين رئيس الجمهورية والمجلس الوطني الانتقالي برلمان معين، وتعيين نائبين للرئيس واحد شمالي والآخر جنوبي. وقدم مجلس الوزراء استقالته وينتظر تعيين حكومة جديدة. وقد اختار البشير نائبه في المجلس المنحل اللواء الزبير محمد صالح نائبا أول لرئيس الجمهورية. كما عين رئيس هيئة الاركان الفريق عبد الرحمن حسان علي وزيرا للدفاع.
ويحدد المرسوم الاول المبادىء الموجهة لسياسة الدولة، وينص على ان الاسلام هو الدين الهادي للغالبية ، وعلى تأكيد الوحدة الوطنية والشورى في الحكم وتقسيم الثروة بعدالة . بينما نص المرسوم الثاني على تعيين الفريق البشير رئيسا للجمهورية. وقد ادى اليمين الدستورية. ونص المرسوم الثالث على توزيع سلطات مجلس قيادة الثورة بين رئيس الجمهورية والمجلس الوطني الانتقالي، ومنها سلطة اصدار المراسيم الدستورية والموافقة على اعلان الحرب وحال الطوارىء.
ورأى مراقبون في الخرطوم ان تخلي المجلس العسكري عن سلطاته خطوة تهدف الى احلال الصبغة المدنية على النظام العسكري، وكان متوقعا اعلانها العام المقبل الا انها استعجلت ربما حسما لخلافات داخل المجلس. وربط بعضهم المراسيم بالحوار مع الولايات المتحدة التي كانت اقترحت تسليم السلطة الى المدنيين، ورأى ان الاجراءات الجديدة فرضها ضيق الخيارات امام الحكومة العسكرية التي تواجه مصاعب في الداخل والخارج. ووصفها آخرون بأنها تشبه الاجراءات التي اتخذها المشير سوار الذهب عام 1985 عندما تخلى عن السلطة للمدنيين.
وقال عضو مجلس القيادة المحلول المقدم ابراهيم شمس الدين الذي يوصف بأنه العضو الصامت والاصولي المتشدد: "تخلينا عن الحكم لكننا جاهزون للنداء وسنظل ندعم البشير".
اما الفريق البشير فاعلن في كلمة لدى تسلمه سلطاته: "ان هذه الخطوة تأتي ضمن تأسيس النظام الدستوري وفقا لما اعلناه في العيد الرابع للثورة بعدما استكملنا بناء النظام السياسي"، أي نظام المؤتمرات الشعبية الشبيه بالنظام المعتمد في ليبيا، والذي يتوقع ان يبلغ ذروته بعقد مؤتمرات على مستوى الولايات تسفر عن انتخاب برلمان اتحادي ينتخب رئيسا للجمهورية.
غير ان المثير اللافت هو ان النظام لا يزال مستمرا في بناء تنظيمه السياسي دون مستوى الولايات، فكيف يبرر اللواء الزبير محمد صالح نائب رئيس المجلس المنحل اقتراحه بحل المجلس بدعوى اكتمال بناء النظام السياسي؟
الترابي مارس ضغوطا
العارفون ببواطن الشأن السياسي السوداني يعتقدون بأن الترابي مارس، اثر عودته من رحلته الاخيرة الى روما حيث قابل البابا يوحنا بولس الثاني، ضغوطا شديدة على العسكريين لحل المجلس، خصوصا اثر التظاهرات التي شهدتها مدن العاصمة الثلاث ومدينة واد مدني الاقليم الاوسط ومدينة الأُبيّض عاصمة ولاية كردفان احتجاجا على ازمة الوقود وارتفاع كلفة المعيشة وندرة السلع.
ويستند هؤلاء في وجهة نظرهم هذه الى تصريح للترابي في كانون الثاني الماضي قال فيه ان "حكام السودان العسكريين سيتنحون في الاسابيع او الاشهر المقبلة". وكان أهم ما ورد في التصريح ان مجلس قيادة الثورة "اصبح هيئة رمزية تجتمع نادرا ولم تعد هناك حاجة اليه"، وان اعضاءه سيتنحون وان المجلس الانتقالي سيختار رئيسا للدولة لتسيير شؤون الحكم الى حين اجراء اول انتخابات نيابية "نهاية 1994 او مطلع 1995".
ومما قال زعيم الجبهة الاسلامية ايضا "انه ليس انقلابا، فالانقلاب شيء ضد النظام. وكان مجلس قيادة الثورة وعد منذ اليوم الاول للانقلاب بألا يصبح حكومة عسكرية ... واذا كانت توجد لأي سبب حكومة عسكرية بالمعنى الشمولي فلن يكون هناك استقرار مطلقا، وستهب انتفاضة ذات يوم".
وتنصل زعيم الجبهة الاسلامية بعد يومين من الحديث الذي بثته "رويتر". وقال مساعده الدكتور غازي صلاح الدين الذي يشرف على وضع جدول اعمال الرئيس السوداني، ان الترابي ليس ناطقا باسم الحكومة. واعلن الفريق البشير نفسه بعد يومين مخاطبا دورة المجلس الوطني الانتقالي ان البلاد مقبلة على اجراءات دستورية مهمة، لكنه لم يتطرق الى ما ذكره الترابي صراحة. ما عزز اتهامات المعارضة بأن البشير يخضع تماما لنفوذ الجبهة وأمينها العام.
وما يعزز هذه المعلومات ان الفريق البشير قام بجولات استمرت اسبوعين على الحاميات العسكرية الرئيسية في المدن الثلاث الخرطوم وام درمان والخرطوم بحري، خصوصا الحاميات التي تقوم تقليديا بدور في تغيير الانظمة، كحاميتي الشجرة والخرطوم. ووصفت القيادة العامة للقوات المسلحة هذه الجولات بأنها "اجتماعات تنويرية".
وركز الفريق البشير على ابلاغ الضباط والجنود ان ما تعانيه البلاد من ضائقات يعزى الى الحصار الاقتصادي المفروض عليها بسبب توجهها الاسلامي او "مشروعها الحضاري" على حد تعبير وسائل الاعلام الحكومية التي يديرها ناشطون في الجبهة الاسلامية. وأفادت مصادر مطلعة ان ضباطا انبروا لقائدهم العام ليبلغوه انهم ضاقوا ذرعا ببقاء الجيش مقطورة للجبهة الاسلامية. ونفى البشير ذلك غير مرة حتى انه اضطر الى الاغلاظ في الهجوم على الجبهة في آخر حامية زارها قبل حل المجلس العسكري، وهي حامية الشجرة القريبة الخرطوم.
وبدا واضحا ان الرئيس السوداني خرج بانطباع عام من جولاته هو ان التململ داخل الجيش كفيل باذكاء الانتفاضة التي حذر منها الترابي في تصريحه قبل تسعة اشهر.
ايا يكن شأن التغييرات التي اقدم عليها الحكم في الخرطوم فان كثيرا من الاسئلة يبقى بلا اجوبة في انتظار مزيد من التطورات:
- هل يتخلى البشير عن منصب رئيس الوزراء ام يحتفظ به؟ القريبون من القوى التي تسانده يقولون ان رئاسة الحكومة ستكون من نصيب المحامي علي عثمان طه، الرجل الثاني في الجبهة الاسلامية، وهو وزير التخطيط الاجتماعي حاليا. ويقول آخرون ان المنصب سيتولاه الدكتور علي الحاج وزير الحكم المحلي والناطق الرسمي باسم وفد النظام الى مفاوضات السلام بين الشمال والجنوب، باعتباره أكثر اعتدالا من علي عثمان الذي يوصف بالتشدد.
- هل تقتصر الجبهة - عبر تنظيمها السياسي الجديد - على ترشيح الفريق البشير وحده للرئاسة في الانتخابات الموعودة في 1995، أم انها تفتح الباب امام مرشحين آخرين اثر انتخاب البرلمان الفيديرالي؟
- هل يكتب للنظام نفسه البقاء في ظل الحصار الخارجي والتململ الشعبي الداخلي وبعض التأييد "السلبي" في الداخل؟ ولعل هذا أهم الاسئلة.
التحرك العسكري ضعيف
الفريق البشير قال في مقابلة اجريت معه في آب اغسطس الماضي ردا على ذلك: تغيير السلطة أمر رباني "يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء"، ولا استطيع ان اتحدى واقول ان هذا آخر انقلاب او اول انقلاب. لكن هناك اجراءات نقوم بها كبشر وكسلطة حتى نؤمن بها الموقف. واعتقد بأن احتمال قيام محاولة من داخل الجيش اصبح احتمالا ضعيفا".
ويبدو هذا الكلام على المؤسسة العسكرية صحيحا الى حد كبير، اذ يستبعد كثيرون ان تكون القوات المسلحة قادرة على تفعيل النقمة الشعبية وتحويلها حركة تطيح النظام، على رغم التاريخ المعروف للجيش. وتشير مصادر معارضة واخرى محايدة الى اخراج نحو خمسة آلاف ضابط من اصل سبعة آلاف، اما بالتسريح واما بالطرد واما بالاحالة على التقاعد، فيما زج آخرون - خصوصا اولئك الذين عبروا عن ميول لا تلتقي مع أهل النظام - في الحرب الاهلية الدائرة في جنوب البلاد. والوضع نفسه ينطبق على الشرطة، ذلك ان ثلث ضباطها وعددهم نحو الفين سرّح من الخدمة مطلع تموز يوليو 1989، بعد شهر من قيام انقلاب البشير.
وتذكر المصادر نفسها بان اجهزة شكلت لتكون رديفة للجيش والشرطة: الجيش الشعبي لمحاصرة الجيش النظامي واحتواء تحركاته المعادية اذا اقتضت الضرورة. واللجان الشعبية وميليشيات مسلحة في الاحياء الشعبية للحلول مكان الشرطة. كما افرغت اجهزة الخدمة المدنية من العناصر المناهضة لتوجهات الحكم الحالي... كل هذا يحمل على استبعاد قيام انقلاب عسكري.
في اي حال الترابي نفسه قال أخيرا "ان اي انقلاب قادم ستكون معارضته من قبل ملايين الشعب المسلم في السودان، وسيجد ثورة معارضة عسكرية شاملة يغلب انها ستستأصله حتى لو نجح في ان يمثل مواقع السلطة الظاهرة. وأُعلِن للرأي العام نفسه، حتى ولو دخل غزو خارجي غربي او عربي ليدعمه من الخارج فسيجد في السودان اشد مما وجد الغربيون في فيتنام".
وكان الدكتور صلاح الدين قال في وقت سابق ان الحكومة لا تستبعد وقوع محاولة تدخل اجنبي. وهدد: "انا دائما أقول للغربيين اننا حتى الآن نكف ايدينا، وأحذرهم من انهم اذا استمروا في استهدافنا فقد يدفع ذلك الى ان نجعل القضية اسلامية عالمية بكل معنى الكلمة، اي ان يصبح السودان مركزا لحركة اسلامية عالمية يمكن ان تبطش بالغرب اينما تجده".
كل ذلك يعني ان النظام، طبقا لما تقوله القوى التي صنعته وتسهر على حمايته. "وجد ليبقى مهما رأى الآخرون فيه ومهما كان شأن معارضيه من ابناء البلاد". هل يعني ذلك أن أزمة الحكم في السودان بلغت طورا لن يحلها فيه سوى العنف واراقة الدماء؟
ردود فعل
وأدى حل مجلس قيادة الثورة الى صدور ردود فعل مختلفة، خصوصاً من جانب احزاب المعارضة. وقال احمد عقيل احمد ممثل حزب "الامة" في "التجمع الوطني الديموقراطي" لپ"الوسط" ان القرارات التي اتخذها مجلس قيادة الثورة "ليست دستورية، كما حاولوا ان يصفوها، فهي صادرة عن نظام ديكتاتوري انقلابي لا يحق له منح سلطات دستورية". ولم يتوقع ممثل حزب "الامة" حدوث انفراج شعبي، "لأن النظام في عزلة عربية وتحت وطأة حصار دولي… والحل الوحيد هو ان يحل النظام نفسه ويدعو الى انتخابات عامة تشارك فيها كل الاحزاب والفئات والنقابات".
واعتبر عزالدين علي عامر ممثل الحزب الشيوعي السوداني في "التجمع"، "ان التغييرات ليست دستورية، لأن النظام الذي أجراها انقلابي ديكتاتوري أطاح حكومة منتخبة ديموقراطياً". ورأى عامر ان ما حدث هو مجرد "تشديد قبضة الجبهة الاسلامية على البلاد بمساعدة الحركة الاسلامية العالمية التي اصبح مقرها في الخرطوم".
وفي القاهرة وصف الدكتور احمد السيد حمد عضو المكتب السياسي للحزب الاتحادي الديموقراطي المعارض القرارات بأنها "مسرحية هزلية" هدفها اجراء "تغيير شكلي في السلطة مع بقاء رموز وسياسات النظام العسكري". وقال حمد ان المعارضة لن تعترف بالنظام في السودان "سواء ظل عسكرياً او ارتدى لباساً مدنياً".
واعتبر امين لجنة الاعلام في "التجمع الوطني" محمد المعتصم حاكم ان الفريق البشير "اضطر الى تطبيق الخطة المتفق عليها مع الترابي قبل موعدها، فهذا السيناريو كشفه الترابي قبل عامين عندما اكد ان السلطة ستنتقل من المجلس العسكري الى سلطة مدنية. وفي الواقع فان مجلس قيادة الثورة لا وجود له من الناحية العملية وهو لم يجتمع منذ عامين، واستقال منه 4 اعضاء، وبقية الاعضاء جرى توزيعهم على الوزارات أو عيّنوا حكام أقاليم".
وقال حاكم ان الترابي صرح اكثر من مرة بأن "الجبهة هي التي تحكم" وهي غيّرت اكثر من 60 في المئة من السفراء باعضاء منها. وهذه التحولات تجري في الوقت الذي "لا تمثل الجبهة سوى 2 في المئة من الشعب، والدليل نتائج الانتخابات الماضية".
وعلى صعيد ردود فعل المسؤولين السودانيين او الموالين للنظام، نفى وزير الخارجية الدكتور سليمان ابو صالح وجود ارتباط بين حل مجلس الثورة والضغوط الخارجية او القرار الاميركي بوضع السودان على لائحة الدول التي تدعم الارهاب، وقال: "لو اردنا احداث ضجة اعلامية للقرار لكنا اعلناه في ذكرى ثورة 21 اكتوبر". وأضاف ان النظام السياسي الجديد يهدف الى "الخروج بالبلاد من حلقة سياسية مفرغة منذ الاستقلال". ووصف حل مجلس قيادة الثورة بأنه "انتقال من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية".
واستبعد وزير الدولة للشؤون السياسية غازي صلاح الدين "العودة الى نظام التعددية السياسية"، اي تشكيل حكومة تشارك فيها الاحزاب السودانية المعارضة مثل "الامة" و"الاتحادي الديموقراطي".
مجالس العسكر في السودان - 5819 1964 1969 1971
شهد السودان تجربتين في الحكم العسكري قبل انقلاب الفريق عمر حسن البشير. وانتهت التجربة الأولى التي تزعمها قائد الجيش الفريق الراحل ابراهيم عبود العام 1958 بثورة شعبية عارمة في 21 تشرين الاول اكتوبر 1964. وانتهت الثانية بسقوط المشير جعفر نميري اثر انتفاضة شعبية عام 1985.
حكم الفريق عبود
أعلن الفريق ابراهيم عبود الاستيلاء على الحكم في 17 تشرين الثاني نوفمبر 1958 اثر جدل سياسي محتدم بين القوى الحزبية السودانية في شأن أزمة حلايب، وقبول معونة اميركية للسودان. وأعلن الفريق تشكيل "مجلس أعلى للقوات المسلحة" برئاسته، واختار اللواء احمد عبدالوهاب نائباً له. وبما ان معظم المراجع التاريخية السودانية يشير الى ان انقلاب الفريق عبود كان "تسليماً وتسلّماً" من رئيس الوزراء الراحل عبدالله بك خليل، فقد جاء تشكيل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" ممثلاً لمعظم قادة أفرع الجيش ورتبه الكبيرة.
وقع اول تغيير في المجلس اثر تمرد قاده العميد عبدالرحيم شنّان قائد المنطقة الشمالية، والعميد محيي الدين احمد عبدالله قائد القيادة الشرقية، في 2 آذار مارس 1959. اذ زحف العميدان بقواتهما صوب العاصمة واعتقلا اللواء احمد عبدالوهاب نائب رئيس المجلس. ولم تنته الأزمة الا بعد تدخل السيدين عبدالرحمن المهدي وعلي الميرغني زعيمي طائفتي الانصار والختمية.
غير انه بعد ثلاثة ايام عاد العميدان بقواتهما ودخلا العاصمة واحتلا نقاطها الاستراتيجية، وطالبا بحل "المجلس الاعلى للقوات المسلحة". فاستجاب الرئيس عبود طلبهما، ودعا قادة وحدات الجيش الى اجتماع عام لتشكيل مجلس جديد استبعد منه ثلاثة من اعضاء المجلس السابق وضم ثلاثة اعضاء جدد منهم العميدان شنان ومحيي الدين.
وقرر المجلس الجديد في اول اجتماع عقده برئاسة عبدو اعضاء اللواء عبدالوهاب من منصب وزير الداخلية وعضوية المجلس نفسه. وكان اللواء بنفوذه القوي لا يخفي ولاءه لطائفة الانصار، بينما كان العميدان شنان ومحيي الدين ينتميان تقليدياً الى طائفة الختمية.
غير ان الصراع داخل المجلس الاعلى لم يخمد سريعاً. ففي 22 ايار مايو 1959 اعلنت السلطات ان شنّان ومحيي الدين متهمان بالتخطيط لتنفيذ انقلاب عسكري وحوكما عسكرياً في 21 حزيران يونيو بتهمة الاعداد لتنفيذ انقلابهما في 2 ايار. ودانتهما المحكمة وحكمت عليهما بالاعدام الذي عدّله الرئيس عبود لاحقاً الى السجن مدى الحياة. ودين ايضاً وزير الزراعة اللواء احمد عبدالله حامد الذي ينتمي الى آل المهدي، وتقرر طرده من الحكومة وتجريده من رتبته العسكرية.
وبقي المجلس الاعلى ممسكاً بزمام السلطة بإحكام شديد، على رغم وقوع اكثر من محاولة انقلاب، حتى اطاحته ثورة تشرين الاول 1964 التي اعادت النظام الديموقراطي التعددي بعد انقطاع استمر ست سنوات.
حكم المشير نميري
تولى المشير جعفر محمد نميري السلطة اثر الانقلاب الذي قاده في 25 ايار 1969. وبدأ منذ الوهلة الاولى بداية مختلفة عن النظام العسكري الاول الذي لا يزال يقر بأن قادته تركوا تأثيراً عميقاً في تكوينه، خصوصاً اللواء احمد عبدالوهاب.
ويقول الدكتور منصور خالد وزير الخارجية السوداني السابق في كتابه The Government They Deserve ان "المجلس الاعلى" اتسم بالتحفظ والتقليدية والتزام النهج العام الذي خلفه النظام الديموقراطي الذي اعقب استقلال السودان العام 1956، في حين المشير نميري اعلن ان "مجلس قيادة ثورة مايو" أتى لاستكمال بنود التغيير التي لم تنجزها ثورة تشرين الاول 1964.
وبما ان نميري اساساً خطط لانقلابه بالتعاون مع الحزب الشيوعي السوداني وجماعات القوميين العرب، فان "مجلس قيادة الثورة" لم يُشكل من قادة الوحدات ولا الرتب الكبيرة، وانما ضمّ مجموعة من الضباط اليساريين الشبان الذين كانوا اعضاء في "تنظيم الضباط الاحرار".
وبدأ التصدع في "مجلس قيادة الثورة" بعد نجاح الانقلاب ببضعة اشهر. ففي شباط فبراير 1970 اصدر نميري بياناً أعلن فيه انه قرر تنحية اعضاء المجلس المقدم بابكر النور سوار الذهب والرائد فاروق عثمان حمد الله والرائد هاشم العطا، بعدما اتهمهم بنقل مداولات المجلس الى الحزب الشيوعي السوداني. وبعد عام واحد قاد الاعضاء المعزولون انقلاب 19 تموز يوليو 1971 الذي تمكن نميري من القضاء عليه بعد ثلاثة ايام وأعدم قادته.
مجلس قيادة انقلاب الرائد هاشم العطا
أعلن الرائد هاشم العطا فور ازاحته نميري تكوين مجلس لقيادة الثورة ضم: المقدم بابكر النور سوار الذهب رئيساً، والرائد هاشم محمد العطا نائباً للرئيس، والرائد فاروق عثمان حمدالله والمقدم محمد احمد الريح والعقيد محجوب ابراهيم طلقة والرائد محمد احمد الزين والرائد محمد محجوب عثمان شقيق سكرتير الحزب الشيوعي الراحل عبدالخالق محجوب والنقيب معاوية عبدالحي… اعضاء.
وبعد عودة نميري الى السلطة عقد مجلس قيادة الثورة اجتماعاً في آب اغسطس 1971 تقدم خلاله اللواء خالد حسن عباس عضو المجلس باقتراح ترشيح نميري رئيساً للجمهورية على ان يجري استفتاء شعبي على ترشحيه. وبدأت حملات الاستفتاء في 15 ايلول سبتمبر 1971، وفي 10 تشرين الاول اعلن اللواء نميري ان 6.98 في المئة من السودانيين وافقوا على ترشيحه، وأعلن على الاثر حل مجلس قيادة الثورة والوزراء.
حكم الفريق البشير
أعلن الفريق عمر البشير اثر نجاح انقلابه في 30 حزيران 1989 تكوين مجلس قيادة "ثورة الانقاذ الوطني" الذي روعي فيه اختيار ضباط يمثلون مختلف الوحدات العسكرية.
وعلى رغم ان الفريق البشير كان متهماً منذ العام 1985 بالانتماء الى الجبهة الاسلامية القومية - وهو امر لا يزال ينفيه ونفاه اخيراً الدكتور حسن الترابي - الا انه كان مضطراً الى اختيار اعضاء للمجلس من غير الموالين للترابي، لمنع افتضاح صلة الانقلاب بالجبهة الاسلامية.
غير ان موقف السودان من أزمة الخليج كان سبب اول تصدع في المجلس، فقد قرر عضوان فيه هما العميد عثمان حسن احمد واللواء فيصل علي ابو صالح الاعتكاف احتجاجاً على ذلك الموقف، واضطر البشير الى اعفائهما من عضوية المجلس، ونحى ابو صالح من وزارة الداخلية.
وبعد ذلك بنحو عام اعفى البشير عضو المجلس مارتن ملوال أروب اثر اتهامات بالفساد. وفي العام 1992 اعفي وزير الصحة العقيد الطيار فيصل مدني مختار من كل مناصبه، اثر تصريح أدلى به الى الشقيقة "الحياة" انتقد فيه سيطرة الجبهة على النظام.
وفي شباط 1991 اصدر الفريق قراراً باعفاء العقيد محمد الامين خليفة من عضوية المجلس والخدمة العسكرية وعيّنه رئيساً للمجلس الوطني الانتقالي البرلمان المعيّن. وفي العام نفسه فقد المجلس عضواً آخر هو العميد بيويو كوان الذي توفي اثر نوبة قلبية.
ولم يعقد المجلس اجتماعاً منذ الأيام الاولى للانقلاب، وعندما كثرت الاقاويل والاشاعات في هذا الشأن راحت السلطات تتحدث عن اجتماعات مشتركة لمجلسي قيادة الثورة والوزراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.