علمت "الوسط" من مصادر سودانية مطلعة ان الرئيس السابق جعفر نميري رفض عرضاً تقدمت به حكومة الفريق عمر حسن البشير ونقله اليه في القاهرة نهاية تموز يوليو الماضي احد قدماء ضباط ثورة مايو الفريق "أبو ساق". العرض السوداني الى نميري يتضمن النقاط الآتية: السماح لنميري بالعودة الى الخرطوم وإسقاط كل الاحكام السابقة بحقه وإعادة الاعتبار اليه كرئيس سابق للبلاد. يعلن نميري تأييده "انجازات" نظام الفريق البشير، لا سيما العسكرية منها بعد تحرير غالبية مدن الجنوب وآخرها "توريت"، في المقابل يعامل الرئيس السوداني السابق كرمز من رموز القوات المسلحة السودانية ويتم الاعتراف "بانجازات" ثورة مايو عام 1969 لا سيما اتفاق السلام الذي وقعه نميري في اديس ابابا عام 1971 مع حركة "انيانيا - 1-" الجنوبية الانفصالية برعاية الامبراطور السابق هيلا سيلاسي. وذكر الرئيس السوداني السابق امام عدد من اقاربه وزواره انه فوجئ "بالعرض السخي" الذي تلقاه من عمر البشير. لكن لم يفت نميري ملاحظة ثغرة مهمة في "رسالة العفو" التي بعث بها النظام السوداني اليه اذ قال ممازحاً زواره: "هل يريدون تحويل جعفر نميري الى رمز يخيفون به خصومهم؟ انا سياسي عتيق وهم، على ما يبدو، يرغبون في تحويلي الى "رمز صامت" يخيفون به اعداءهم". هذه الخطوة اثارت مجموعة تساؤلات حول مستقبل علاقات مجلس قيادة الثورة في السودان مع الجبهة القومية الاسلامية، بزعامة الدكتور حسن الترابي، ودور الرئيس السوداني السابق في هذا السيناريو. لدى مروره في لندن في طريقه الى الولاياتالمتحدة الاميركية في 21 نيسان ابريل الماضي، ادلى الدكتور حسن الترابي بتصريحات الى القسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية حول ملابسات تحرير "فشلا"، اول مدينة جنوبية استعادتها عملية "صيف العبور" في الرابع من آذار مارس الماضي، اثارت حفيظة عدد من كبار ضباط مجلس قيادة الثورة السوداني. فقد تناقضت تصريحات الترابي مع مضامين تصريحات مماثلة ادلى بها عمر البشير بعد تحرير "فشلا". وحين تعرض زعيم الجبهة القومية الاسلامية لمحاولة اعتداء استهدفت حياته في اوتاوا في 4 ايار مايو الماضي، اندلعت حرب الخلافة في اوساط الجبهة في الخرطوم، وأدرك ضباط مجلس قيادة ثورة الانقاذ ان تحالفهم المرحلي مع الترابي يحتم استمرارية هذا التحالف مع ورثته. ورافق هذه التطورات صدور اشارات واضحة من بعض العواصم العربية ومفادها: "ان لا مجال للبحث في استئناف العلاقات الطبيعية مع الخرطوم ما دام النظام الحالي يواصل تحالفه مع الجبهة القومية الاسلامية بزعامة الترابي". وحين حضر البشير قمة اديس ابابا الانسانية في 23 نيسان ابريل الماضي نقل اليه كلام غربي، صدر عن دوائر مؤثرة، مشابه للكلام الذي قالته عواصم عربية عن "الثمن الكبير" الذي تدفعه الخرطوم لقاء احتفاظها بتحالفها مع الاسلاميين السودانيين بزعامة الترابي. هذه المعطيات حملت كبار ضباط مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني على تصعيد مطالبتهم للفريق البشير بضرورة الاقدام على وقف التحالف مع الجبهة القومية الاسلامية. وتقول مصادر سودانية مطلعة ان رسالة البشير الى نميري "خطوة اولى" في مسيرة تمرد عسكر السودان على تحالفهم المرحلي مع الجبهة القومية الاسلامية. فنميري معروف بخبرته الطويلة في التعامل مع الجبهة القومية الاسلامية، وعودته الى الخرطوم تضمن لمجلس قيادة ثورة السودان مشروعية اضافية داخل القوات المسلحة، حيث يشكل انصار نميري شريحة لا يستهان بها. في الوقت نفسه تساعد عودة نميري - لو حصلت - شبه هدنة بين الخرطوموالقاهرة.