كانت القاهرة - ولا تزال - محطة انطلاق نحو الشهرة العريضة لكثير من الفنانين العرب الذين ينظرون اليها على انها "هوليوود الشرق"، حيث لمعت عبرها اسماء عربية كثيرة ابتداء من النصف الأول من القرن الحالي منها فريد الاطرش وأسمهان وفايزة احمد وصباح ووردة وبشارة واكيم ونجاح سلام وابراهيم خان وفهد بلان. ويلاحظ ان غالبيتهم تنتمي الى المشرق العربي وتحديداً سورية ولبنان. وفي السنوات الاخيرة تألقت اسماء كثيرة منها سميرة سعيد ولطيفة وعزيزة جلال وأركان فؤاد وإيمان ليز سركيسيان وعائشة الوعد وليلى غفران وفاطميا ورغدة وميرنا. وعلى عكس الاوائل يواجه الاخيرون، اتهاماً مؤداه انهم "يدفعون الكثير من المال" ليضمنوا استمرار وجودهم في الوسط الفني المصري، كما يتهمهم البعض بأن اعمالهم "هامشية" ولا تساهم في إثراء الحركة الفنية. "الوسط" التقت مجموعة من الفنانين العرب في القاهرة للتعرف على رأيهم بالنسبة لهذه الاتهامات. في البداية تقول المطربة المغربية سميرة سعيد: "عندما حضرت الى القاهرة في أواخر العام 1978، كان هناك من يقول ان الفنانين العرب يشترون بأموالهم كُتّاب الاغاني والملحنين، وان هذا يضيع الكثير من الفرص على المطربات والمطربين المصريين، وأحب أن أؤكد ان هذا الامر ليس صحيحاً على الأقل بالنسبة لي فأنا اعتمدت على موهبتي وثقتي بنفسي وإيماني بأن الفنان الجيد لا بد ان يصل للجمهور، والكلام عن مطربات عربيات يشترين وجودهم في الوسط الغنائي المصري لا يمكن تعميمه، لأن المطربة عندما تأتي الى القاهرة تحتاج ان تعرف نفسها للجمهور، وهذا ما حدث معي، فأول اغنية قدمتها في القاهرة عام 1979 كانت من انتاجي وهي اغنية "الحب اللي انا عيشاه"، وبعدها لم انتج لنفسي أي اغنية حيث اصبحت هناك شركات تتولى انتاج اعمالي، اما من يحاول ان يشتري وجوده وهو لا يملك الموهبة فانه لم يجن من وراء ذلك الا خيبة الامل وضياع امواله لأن الفن لا يعرف الوساطة والمطرب الجيد يصل بفنه وموهبته لجمهوره وليس بفلوسه". وعن مكانتها في الوسط الغنائي تقول سميرة: "انا لا استطيع ان اتحدث عن مكانتي في الساحة الغنائية فهذه مهمة النقاد والجمهور وكل ما استطيع قوله هو انني احاول ان أكون متجددة ولا أحب النمطية في العمل ولذلك فانني مقلة في اعمالي وذلك بدافع الحرص على ان يكون ما اقدمه جيداً، ويكفي انني صنعت اسلوباً جديداً في الغناء هو مزيج من العصرية والكلاسيكية. وأحب ان أقول لمن يردد ان الفنانين العرب يشترون وجودهم في الوسط الفني في مصر انه حتى اذا كان ذلك يحدث، فان احدا لا يستطيع الاستمرار الا اذا كان موهوباً بالفعل ويمتلك القدرة على تقديم كل ما هو جديد". الجديد يفرض نفسه اما الممثلة اللبنانية إيمان ليز سركيسيان فتقول: "عندما حضرت الى القاهرة لم يكن لي معرفة شخصية بأي منتج أو مخرج باستثناء المخرج سعيد مرزوق، ومع ذلك لم اجد صعوبة تذكر في المشاركة في فيلمين، الاول هو "الحب قبل الخبز احياناً" مع ميرفت امين ورشدي اباظة وإخراج سعد عرفة، و"الصعود الى الهاوية" مع مديحة كامل ومحمود ياسين وإخراج كمال الشيخ". وعن طبيعة الادوار التي يؤديها الممثلون العرب في السينما المصرية تقول إيمان: "كل فنان يؤدي الدور الذي يتناسب مع موهبته والمسألة ليست لها علاقة بكون هذا الممثل مصرياً أو غير مصري. وبالنسبة لي فانني قمت ببطولة العديد من الاعمال سواء في السينما او في المسرح وحصلت على جوائز عن بعض ادواري ومنها دوري في فيلم "الشريدة"، والفنان العربي لكي ينجح في السينما المصرية يجب ان يكون متميزاً ويقدم شكلاً جديداً لكي يفرض نفسه على الوسط الفني. وبالنسبة لمن يشترون وجودهم في السينما من الفنانين العرب فلا استطيع ان أحكم على غيري لأن هذا لم يحدث لي وعموماً الفنان القدير لا يحتاج الا لموهبته ليثبت ذاته". هوليوود العرب اما المطربة المغربية ليلى غفران فتقول: "حضرت الى القاهرة لأن أي فنانة عربية تنظر الىها على انها "هوليوود العرب" ولأن وسائل الاعلام المصرية تنشر اخبار الفن في الدول العربية وهذا غير موجود في أي دولة عربية اخرى، حضوري الى مصر بدأ عام 1986 ولكني وجدت الظروف الفنية مختلفة عما توقعت فانتظرت لمدة عامين لكي احدد ما اذا كنت استطيع ان أقدم أعمالاً جيدة أم لا، وأخيراً حددت لنفسي لوناً جديداً هو "الغناء الدرامي" اي أن كل اغنية تقوم على موقف درامي معين". وتضيف ليلى غفران: "لا أشغل نفسي كثيراً بما حققته في الوسط الغنائي المصري، لأن اهتمامي ينصب دائماً على ما أطمع الى تقديمه مستقبلاً لأن طموحي كبير وأبحث دائماً عن الجديد أما لمسألة تقويم صوتي، وأدائي فأتركها للجمهور لأنه هو الذي يحدد مكانة كل فنان". وتقول ليلى غفران: "الفن لا يُشترى ولا يُباع فهو شيء راق وليس له علاقة بالماديات، والفنان الجيد يثبت وجوده بفنه، واعترف ان هناك من يحاول فرض وجوده بالمال ولكن هؤلاء لا وجود لهم الا في أضيق الحدود، ومع ذلك فانني أرى انه لا عيب على الاطلاق في فنان يمتلك الموهبة وينفق من ماله الخاص من أجل تقديم كل ما هو جديد ومتميز". اتقان اللهجة المصرية وتلتقط المطربة المغربية عائشة الوعد الخيط فتؤكد انها عندما جاءت الى مصر قبل 5 سنوات لم تجد في البداية من يمد لها يد المساعدة، وتقول: "بدأت بمحاولة إتقان اللهجة المصرية، وبعد ذلك كنت أتردد على الملحنين ليستمعوا الى صوتي، وفي بداية مشوار اي فنان الكل يكون متخوفاً من مساعدته لأن الملحنين يحبون الشيء الجاهز وعموماً لا توجد نتيجة من دون تعب وجهد. وكلما قابلت الفنان في بداية مشواره مصاعب زاد ذلك من ثقته في نفسه، وأنا لا اتفق مع من يقول ان الفنان يمكن ان يشتري وجوده بالمال فكما ان الموهبة لا تورث فان المال كذلك لا يشتريها، والمكانة الفنية لأي فنان يحددها الجمهور، وبالنسبة لي فأنا يكفيني حب الناس وتجاوبهم معي في حفلاتي فهذا يعطيني زاداً لأكمل رحلتي مع الفن الذي أعشقه وضحيت بالكثير من اجله". اما النجمة الصاعدة ميرنا وهي اساساً من لبنان فقد شاركت مع سعاد حسني وأحمد زكي ويسرا في بطولة فيلم "الراعي والنساء" الذي كان أول تجاربها في الوقوف امام الكاميرا. تقول: "لم أجد صعوبة في الانضمام الى الوسط الفني لأن والدتي هي المطربة افتخار، ولم أشعر بانتقالي للحياة الفنية لأنني اعيشها منذ الصغر، اما عن اهميتي في الوسط الفني فهذه الاهمية لم أصنعها وإنما صنعها الجمهور فكل ما فعلته انه عرض عليّ تمثيل دور فقمت بادائه، وبعد ذلك الجمهور هو الذي جعل لي كياناً فنياً، فأنا لم أتخيل هذا النجاح ولا كم المعجبين الذي وجدته بعد هذا الدور الذي نلت عنه ثلاث جوائز، والفيلم حصل على أكثر من 20 جائزة ولكن هذا يحملني مسؤولية اختيار اعمالي بعد هذا النجاح". وتضيف ميرنا: "أسمع من حين لآخر من يردد ان الممثلين غير المصريين يدفعون اموالاً مقابل ظهورهم في اعمال فنية مصرية، وأتساءل هل كل العرب لديهم فلوس: الدول العربية الغنية محدودة ولكن اذا كانت هناك ممثلة تونسية أو مغربية او لبنانية فمن أين لها بالاموال لكي تدفعها الى مخرج او الى وسيلة اعلام الى جانب ان هناك حقيقة غائبة عن اولئك الذين يرددون هذه الشائعات، وهي ان الاموال يمكن ان تصنع افلاماً ولكنها لا تصنع نجماً ولا تستطيع ان تجعل الناس تتقبلها او تحبها وترسل لها خطابات اعجاب، لأن الفنان قبول ولا احد يستطيع شراء هذا القبول. ويجب ان نفرق بين نجمة موهوبة ولديها اموال وبين من يملكون الاموال ولا يملكون الموهبة. فاذا كان الفنان موهوباً ومعه اموال فهذا شيء جيد ويحسب له، اما اذا كان الفنان يملك الاموال فقط فانه يستطيع ان يدفع لأكبر مخرج ولأفضل كاتب ولكنه لن ينجح لأن الامكانات المادية شيء وقبول الجمهور شيء آخر". ويقول المطرب السوري أركان فؤاد عن بداية مشواره في مصر: "حضرت الى الاسكندرية وقابلني هناك الملحن سيد مكاوي وأعجب بصوتي وكان ذلك في العام 1975 وقدم لي أول لحن هو أغنية "أمورة من المعمورة" وشجعني على ان احضر للقاهرة حيث اعتمدتني الاذاعة المصرية كمطرب". ويضيف: مصر هي "أم الغنى" لأن جميع الفنانين العرب تربوا على الفن المصري وأكثر من 80 في المئة ممن يعملون في الفن في كل البلاد العربية تخرجوا في المعاهد الفنية المصرية وحققوا نجوميتهم في مصر، مثل رغدة التي قامت ببطولة عدد كبير من الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات. واذا كان هناك من يقول ان بعض الفنانين العرب يشترون وجودهم في الوسط الفني بأموالهم فهذا شيء قد يحدث، وهذا موجود في كل مهنة وليس في الفن فقط وموجود أيضاً في كل مكان، وفي رأيي ان أي فنان عربي يمتلك موهبة جيدة يستطيع ان يثبت اقدامه في الوسط الفني في مصر ولا يحتاج لأي وسيلة اخرى لاثبات ذاته. وبالنسبة لي فأنا احاول ان اقدم فنا جيدا يعجب الجمهور وابحث دائماً عن الجديد وهذا هو طريق كل فنان لديه موهبة حقيقية".