التقت "الوسط" محاميا أميركيا بارزاً زار ليبيا سراَ في الفترة الأخيرة وأمضى هناك 4 أيام اجتمع خلالها بوزير الخارجية إبراهيم البشاري وبوزير العدل كما اجتمع مطولا بالمواطنين الليبيين عبد الباسط علي المقراحي والأمين خليفة فحيمة المتهمين بتفجير طائرة "البانام" الأميركية فوق لوكربي في سكوتلندا في كانون الأول ديسمبر 1988. هذا المحامي هو بلاتو كاتشيريس، وهو محام مشهور في الولاياتالمتحدة ومن أصل يوناني، كان ولا يزال وكيلا لشخصيات سياسية أميركية مهمة ولبعض الشخصيات العربية، فيما شقيقه قاض. وعلمت "الوسط" أن كاتشيريس "استدعي" إلى ليبيا لمناقشة ما يمكن أن يجري للمتهمين في حال تم تسليمهما إلى السلطات الأميركية وقد عبر المسؤولون الليبيون للمحامي الأميركي عن "عدم ثقتهم" بنزاهة القضاء الأميركي خصوصا بعد تبرئة رجال الشرطة المتهمين بضرب المواطن الأميركي الأسود رودني كينغ والحاق أذى كبير به، وهو ما تسبب باضطرابات لوس أنجليس الدامية الأخيرة. وقد وافق المحامي كاتشيريس على أن يكشف ل"الوسط" بعض جوانب مهمته السرية في ليبيا. الواقع أنه لو قرر الليبيان عبد الباسط علي المقراحي والأمين خليفة فحيمة تسليم نفسيهما لمواجهة المحاكمة في الولاياتالمتحدة، فان المحكمة التي ستنظر في القضية ستكون في واشنطن نفسها. ومن المرجح أن يتولى الدفاع عنهما المحامي بلاتو كاتشيريس. وفي هذا ما يضع حداً للتكهنات التي تقول أن الرجلين ربما يصلان إلى ديترويت حيث جرت العادة على أن يكون حوالي نصف المحلفين في أية قضية من الأميركيين العرب، أو إلى فيرجن ايلاند حيث يرجح أن تكون هيئة المحلفين كلها من السود. وهناك الآن مذكرة اعتقال أميركية ضد الرجلين على أساسا انهما "هاربان". ومن المعروف أن الهارب أو "الفار" في أي قضية اتحادية في الولاياتالمتحدة يحاكم عادة في أول مدينة يصل إليها، إلا أن كاتشيريس أبلغ "الوسط" أن هناك لائحة اتهام موجهة ضد الرجلين وأن متابعتهما أسندت إلى واشنطن. وكان كاتشيريس دافع عن الكثير من المتهمين بقضايا جنائية سياسية بمن في ذلك النائب الأميركي العام السابق جون ميتشل لدوره في فضيحة "ووتر غيت" التي أطاحت بالرئيس نيكسون. وقد أمضى هذا المحامي في الآونة الأخيرة أربعة أيام في طرابلس ليبيا للتشاور مع الرجلين وشرح الإجراءات القضائية الأميركية لهما. وكان محاميهما الليبي ابراهيم الغويل هو الذي وجه الدعوة إليه للمجيء إلى طرابلس. وفي مقابلة خاصة مع "الوسط" أكد كاتشيريس أنه التقى خلال وجوده في طرابلس المتهمين عبد الباسط علي المقراحي والأمين خليفة فحيمة وتباحث معهما في جوانب القضية، لكنه لم يكلف حتى الآن رسميا بالدفاع عنهما، كما انه قال لم يبلغ بأنهما سيحضران إلى الولاياتالمتحدة. وقال: "إنني لم أذهب إلى طرابلس الغرب لكي أنصحهما بتسليم نفسيهما. ولو كنت محاميهما لنصحتهما بعدم المجيء إلى الولاياتالمتحدة". ويستطيع المتهم في الولاياتالمتحدة أن يختار لمحاكمته هيئة من المحلفين أو قاضيا. ونظرا إلى القلق من احتمال تعرض القاضي للضغط الحكومي لكي لا يبرئ ساحة متهم في قضية أعربت فيها الإدارة الأميركية عن رغبة قوية في إدانة المتهم، فان المراقبين يتوقعون في حال قدوم الرجلين أن ينصحهما أي محام أميركي بأن يطلبا المثول أمام هيئة محلفين. وفي واشنطن، حيث يشكل السود نسبة سبعين في المئة من السكان هناك فرصة جيدة في حصولهما على هيئة من المحلفين الواعين، نظرا إلى أن معظم الأميركيين السود يعتبرون العرب "ضحايا" مثلهم "للتحامل والتحيز" الأميركي الأبيض. مخاوف ليبيا كذلك طلب الليبيان المشورة والنصح من محامين بريطانيين عن النظام القضائي في اسكوتلندا، الذي يشبه النظام السائد في إنكلترا والولاياتالمتحدة. والمعروف أن اسكوتلندا والولاياتالمتحدة تطالبان بإجراء المحاكمة، كما أن قرار مجلس الأمن الدولي يطلب من ليبيا تسليم مسؤولين إلى أي من البلدين. وقد أبلغ كاتشيريس "الوسط" أن الحكومة الليبية أعلمته أنها لن تسمح بتسليم الرجلين، ولكن إذا ما أرادا أن يذهبا إلى الخارج لتبرئة أسميهما، طواعية وباختيارهما، فإنها ستسمح لهما بفعل ذلك. وقالت مصادر قانونية في وزارة الخارجية الأميركية ل"الوسط" أن أسبابا عدة تدفع ليبيا إلى عدم تسليمهما إلى الولاياتالمتحدة أو إلى اسكوتلندا: *أولا ليست هناك أي معاهدة لتبادل الأشخاص أو تسليمهم بين ليبيا وأي من الولاياتالمتحدةوبريطانيا. *لقد قطعت كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا علاقاتهما الديبلوماسية مع ليبيا. وهكذا، ونظرا إلى عدم توفر أي حماية أو نصح رسمي لليبيين، فان أحدا "لا يتوقع من أي ليبي الذهاب إلى بريطانيا أو الولاياتالمتحدة أو أي أميركي أو بريطاني الذهاب إلى ليبيا لمواجهة المحاكمة. *يخشى الرجلان من الخضوع لتحقيقات لا نهاية لها وحرمانهما من النوم، أو حتى الخضوع للتعذيب الجسدي لانتزاع "اعتراف" منهما. *ينص القانون الاسكوتلندي على أنه ربما يجب إجراء المحاكمة في المنطقة التي تقع قيها لوكربي، مما يعني أن الحصول على محاكمة "نزيهة عادلة" قد يكون صعبا. لم تطلع ليبيا على الأدلة التي تستند أليها التهم الموجهة إلى الرجلين، مما يعني انه من الصعب على ليبيا قبول تسليمهما. وقد زاد القلق بالنسبة إلى النقطة الثالثة نظرا إلى ما شهدته بريطانيا في الآونة الأخيرة من فضائح قضائية، إذ تبين أن أناساً أدينوا بأنهم "إرهابيون" بعد حجب بعض الأدلة أثناء محاكمتهم أو تغييرها وبعد أن خضعوا لتحقيقات قاسية. أما في الولاياتالمتحدة فان أي شخص يواجه تهما جنائية لديه الحق في أن يكون محام أو محامون برفقته أثناء التحقيق معه، إلا في حالة المحلفين - التي تتم وراء أبواب مغلقة كما هو الحال بالنسبة إلى قضية لوكربي. وقال لنا كاتشيريس انه ابلغ المتهمين الليبيين أنه إذا كان سيدافع عنهما فانهما "لن يخضعا لأي تحقيق من دون إذن منه"، إذ أن محاميهما سيكون حاضرا في كل مرحلة من الإجراءات، منذ اللحظة التي يصلان فيها إلى الولاياتالمتحدة. ويقول مقراحي وفحيمة انهما على استعداد للمثول أمام المحاكمة في مالطا حيث الإجراءات القضائية مماثلة لتلك السائدة في إنكلترا أو سكوتلندا. ويقال أن عملية التفجير بدأت في مالطا، حيث تم وضع القنبلة على متن رحلة تابعة لشركة الطيران المالطي من أجل نقلها إلى طائرة بان أميركان في فرانكفورت. وكانت الحكومة الليبية قالت أن في وسع الرجلين أن يذهبا إلى مالطا إذا ما رغبا في ذلك. كما أن مسؤولا في السفارة المالطية في واشنطن أبلغ "الوسط" أن حكومة بلاده ستوافق على عقد المحاكمة في مالطا إذا قبل مجلس الأمن الدولي ذلك. كذلك يمكن للمحاكم الليبية نفسها أن تنظر في القضية، ففي السابع من حزيران يونيو الجاري نسبت كاريل مورفي مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" إلى ليبي على اطلاع بحيثيات القضية قوله: "أن الرجلين يخشيان الخضوع للتعذيب. فهما غير قلقين إطلاقا من التهم لأنهما يعرفان أنهما بريئان، وهما يعتقدان أن الهدف من القضية برمتها هو إدانة العقيد القذافي نفسه". لكن وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد قال في القاهرة الشهر الماضي أن حكومته ليس لها "أية مصلحة في إزاحة حكومة ليبيا... فهذا ليس هدفنا وليس هدف قرارات مجلس الأمن الدولي". كما أن المراسلة كاريل مورفي قالت في مقالتها من القاهرة أن الولاياتالمتحدة بعثت رسالة إلى القذافي عبر مصر تقول فيها أنها "لا تسعى إلى الإطاحة به". إلا أن هنري شولر أحد كبار مستشاري وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر للشؤون الليبية قال ل"الوسط": "إن هذا مجرد هراء. فالهدف من كل هذه العملية هو إزاحة القذافي. فنحن لسنا مهتمين بشخصين على هذا المستوى المنخفض من المسؤولية. وقد تكون المسألة أنهما مذنبان أو غير مذنبين لتنفيذهما الأوامر". وإذا كان عدد من الزعماء العرب نصحوا القذافي، فعلا، بتسليم المتهمين ألى الولاياتالمتحدة أو بريطانيا، إلا أن مصادر مطلعة في واشنطن أبلغت "الوسط" أن "هناك من نصح القذافي بالانتظار حتى المرحلة الخيرة من الانتخابات الأميركية في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل حين يتحول الاهتمام الأميركي إلى أمور أخرى. وعندها يصبح في وسعه أن يقدم الرجلين إلى المحاكمة في طرابلس الغرب أو أن يسمح لهما بالذهاب إلى مالطا للمثول أمام المحكمة هناك.