القذافى وبراون والمقراحى رغم الموقف المتعنت للحكومة الاسكتلندية تجاه الإفراج عن عبد الباسط المقراحي المدان في قضية لوكيربي ، إلا أن التقارير الصحفية الواردة من لندن تعطي مؤشرات قوية على أن شهر رمضان الكريم سيأتي هذا العام ليس فقط بخيراته ونفحاته الإيمانية العطرة وإنما أيضا بإعادة الابتسامة لأسرة هذا المواطن الليبي الذي يثق كثيرون ببراءته. ففي 12 أغسطس / آب ، كشف تليفزيون "سكاي نيوز" البريطاني أن منفذ اعتداء لوكيربي الليبي عبد الباسط علي محمد المقراحي المصاب بسرطان البروستاتا سيطلق سراحه قريبا لأسباب صحية. وأضاف أن المقراحي البالغ من العمر 57 عاما والعضو السابق في المخابرات الليبية سيعود إلى بلاده بعد قرار من المقرر أن يصدر خلال أيام عن وزير العدل الاسكتلندي ماك اسكيل. وبجانب ما سبق ، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 13 أغسطس / آب أنه سيتم الإفراج خلال أيام عن المقراحي، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في اسكتلندا، وذلك لأسباب صحية ، حيث يعاني من سرطان البروتستاتا في مرحلة متقدمة. وكانت "بي بي سي" أكثر وضوحا في تحديد موعد إطلاق سراحه ، حيث أكدت أن الجانبين البريطاني والليبي عقدا مؤخرا مباحثات حول وضع المقراحي وأنه من المنتظر أن يعود إلى ليبيا مع حلول شهر رمضان. أدلة وبراهين وهناك بعض الأمور التي ترجح مصداقية التقارير السابقة ، فهى جاءت بعد ساعات من الزيارة التي قام بها وزير العدل الاسكتلندي كني ماكاسكيل للمقراحي في سجنه والتي أثارت تكهنات قوية بإمكانية نقله إلى ليبيا ، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من السلطات في اسكتلندا بالإفراج عنه. وحسب الصلاحيات التي تتمتع بها السلطات الاسكتلندية والتي تضمن لها قدرا كبيرا من الاستقلالية عن الحكومة البريطانية المركزية ، فإن قرار الإفراج عن المقراحي بيد وزير العدل الاسكتلندي ، وفي ضوء تلك الحقيقة فإن زيارة ماكاسكيل للمقراحي تؤكد أن هناك أمرا ما يجري الإعداد له . أسرة المقراحي تطالب بإطلاق سراحه أيضا فإن طرابلس كانت قدمت طلبا إلى لندن لنقل المقرحي إلى ليبيا في شهر مايو/آيار الماضي وذلك بعد أسبوع واحد من اتفاق البلدين على تبادل السجناء. وبناء على هذا الاتفاق يمكن لأي من الدولتين التقدم بطلب مبادلة السجناء، ويجب على الدولة الأخرى تقديم الرد خلال 90 يوما ، غير أن وزير العدل الاسكتلندي قال إنه ربما يتأخر في الرد على الطلب بعد يوم 3 أغسطس/آب 2009، وهو تاريخ مرور 90 يوما على تقديمه، لأنه بحاجة لمزيد من المعلومات ويبدو أن زيارته للمقراحي في 12 أغسطس جاءت بعد توصله لقرار بالفعل . ويبدو أن إعلان إليكس سالموند رئيس الوزراء الاسكتلندي هو الآخر أن بريطانيا وقعت اتفاقية مع ليبيا يتم بموجبها تسليم المقراحي ، لم يكن بعيدا عن تحركات وزير العدل ، خاصة وأنه اتهم لندن بالتراجع عن وعد قطعته باستثناء المقراحي من الاتفاقية واحترام خصوصية القضاء الاسكتلندي المحلي وعدم خضوعه للاعتبارات السياسية للحكومة المركزية في لندن. ورغم أن السلطات البريطانية رفضت طلبا للإفراج عن المقراحي لأسباب صحية عام 2008، وذلك على أساس أن حالته الصحية قد تمكنه من الاستمرار في الحياة لعدة سنوات ، إلا أن الأطباء أعلنوا مؤخرا أنه مصاب بسرطان البروستاتا وأن السرطان تفشى فيه ووصل إلى مرحلة متقدمة وهو فيما يبدو الأمر الذي عجل بقرار الإفراج ، خاصة وأن الحكومة البريطانية أعلنت في يوليو الماضي أنها تلقت طلبا من طرابلس من أجل إطلاق سراح المقراحي لأسباب صحية ، هذا بجانب أن المقراحي كان تقدم في الأسابيع الأخيرة بطلب استئناف جديد حول إدانته. صفقة سياسية وبالإضافة إلى ما سبق ، فإنه يتردد على نطاق واسع أن هناك صفقة تمت بالفعل بين لندنوطرابلس للإفراج عن المقراحي وأن الأمر لا يرتبط فقط بظروفه الصحية ، بل إن هناك من يربط بين الإفراج عنه وبين إفراج ليبيا قبل حوالي عامين عن الممرضات البلغاريات المتهمات في قضية الإيدز ، هذا بجانب انفتاح ليبيا على الغرب منذ عام 2003 ، وتوقيعها في أغسطس من العام ذاته على اتفاق مع واشنطنولندن اضطرت خلاله لإعلان مسئوليتها عن حادث لوكيربي لتجنب ما حدث مع العراق ، كما وافقت على دفع ما يصل إلى عشرة ملايين دولار لكل أسرة من أسر ضحايا حادث لوكيربي . وأخيرا ، فإن هناك من يربط الأمر باللقاء الذي عقده الزعيم الليبي معمر القذافي مع رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون في 12 يوليو الماضي على هامش قمة الدول الثماني الصناعية الكبري في ايطاليا ، حيث طالب القذافي بإعادة عبد الباسط علي محمد المقراحي المدان بحادث تفجير لوكيربي إلى بلاده ، فيما دعا براون الزعيم الليبي إلى المساعدة في إعادة نادية فيظي البالغة من العمر ست سنوات والتي اختطفها والدها الليبي في العام 2007 ، وتسعى والدتها البريطانية سارة تايلور لإعادتها لبريطانيا . وأيا كانت صحة التفسيرات السابقة التي ترجح صحة تقارير الإفراج عن المقراحي ، فإن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين على أن الزعيم الليبي معمر القذافي بذل جهودا كبيرة جدا لإطلاق سراح المقراحي الذي يعتقد أنه بريء من حادث لوكيربي ويدفع ثمن تحدي ليبيا للغرب في فترة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق ، ويبدو أن تحفظ واشنطن على إطلاق سراحه يأتي في إطار محاولاتها المستمرة لابتزاز ليبيا والحصول على المزيد من التعويضات لأقارب ضحايا حادث لوكيربي . قضية لوكيربي آثار حادث لوكيربي وكان المقراحي حكم عليه في يناير/ كانون الثاني في عام 2001 بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتفجير طائرة الخطوط الجوية الأمريكية (بان أمريكان) فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية في 21 ديسمبر عام 1988 والذي أدى إلى مقتل 270 شخصاً بينهم 11 من سكان البلدة. وجاء الحكم بعد أن وجهت بريطانيا وأمريكا اتهامات للمواطنين الليبيين الأمين فحيمة وعبد الباسط المقراحى بالتورط في التفجير وطالبتا ليبيا بتسليمهما للقضاء في الدولتين ، إلا أن ليبيا رفضت هذا الأمر ، مما دفع مجلس الأمن لفرض عقوبات عليها ، وبعد ضغوط أمريكية وبريطانية وافقت طرابلس في عام 1999 على تسليمهما ولكن للقضاء في البلد الذي شهد التفجير وهو اسكتلندا . وبعد شهور من المحاكمة ، برأ القضاء الاسكتلندى ساحة الأمين فحيمة وعاقب عبد الباسط علي المقراحي بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بالمشاركة في اعتداء لوكيربي ، ويوجد المقراحي في سجن باسكتلندا منذ صدور الحكم عليه عام 2001 . وتقدم المقراحى عام 2003 باستئناف لإعادة النظر فى الحكم الصادر بحقه بالسجن مدى الحياة والذي تم تحديده ب 27 عاما ، حيث أنه وفقاً لقانون أوروبي جديد يجب على القضاة تحديد مدة عقوبة المسجون مدى الحياة وفى حالة المقراحى تم تحديدها ب 27 عاما. ورفض القضاء الاسكتلندى استئناف المقراحي وأعلن أنه لا يمكن خفض الحكم الصادر ضده إلى أقل من السجن 27 عاما. وكان طلب المقراحى لتخفيف الحكم الصادر ضده استند إلى أن فترة السجن الطويلة المحكوم بها عليه تنتهك حقوقه كإنسان حيث أنه وفقا لقوانين حقوق الإنسان الأوروبية فإن المدانين فى القضايا بامكانهم الطعن بعد فترة من تنفيذ الحكم لطلب تخفيض مدة السجن. وفي 2006 ، تأكدت الشكوك حول وجود دوافع سياسية لاتهام المقراحي بالمسئولية عن تفجير لوكيربي ، عندما طالبت لجنة اسكتلندية لمراجعة القضايا الجنائية بإعادة النظر في الاتهامات الموجهة له . قصة المقراحي المقراحى وسط عائلته ولد في العاصمة الليبية طرابلس في الأول من إبريل/ نيسان 1952 ، درس بالولايات المتحدة وتزوج في ثمانينيات القرن الماضي وعاش مع زوجته عيشة -التي أنجبت لهما خمسة أبناء- في بيت والدها المتواضع بضواحي العاصمة الليبية. ومع أنه كان يشغل منصب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الليبي ، إلا أن واشنطن زعمت أن هذه الوظيفة كانت غطاء لكي يمارس نشاطه كمخبر لمصالح الاستخبارات الليبية. وعلى الرغم من نفيه التورط في حادث لوكيربي ، فإن تعيينه قبل الحادث رئيسا للجهاز الأمني لشركة الخطوط العربية الليبية ، استخدم مبررا لإدانته بعد أن استند المحققون لقطع من القماش لفت بها القنبلة ويعتقد أنها تم شراؤها من محل في جزيرة مالطا التي يوجد بها أيضا مكتب لشركة الخطوط العربية الليبية . واتهم المحلفون، الذين نظروا القضية، المقراحي بزرع حقيبة تحمل قنبلة على متن طائرة كانت متوجهة من مالطا إلى ألمانيا، مستغلاً عمله في مطار مالطا، قبل أن تنقل الحقيبة إلى الطائرة الأمريكية التي انفجرت فيها لاحقاً. وأشار القرار الاتهامي إلى أن المقراحي هو عميل للاستخبارات الليبية، وقد شوهد وهو يبتاع بعض الملابس التي عثر عليها لاحقاً داخل الحقيبة المفخخة. ورغم ما سبق ، فقد ذكرت "بي بي سي" أن هذا الرجل الأنيق المتشبث بحياته الأسرية والذي يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، لايعطي أي انطباع بأنه من دبر عملية تفجير لوكيربي . كما أن عائلات الضحايا في اسكتلندا وبريطانيا تشكك بمسئوليته عن التفجير، أما العائلات الأمريكية فتبدو مقتنعة بذنبه ، حيث صرحت الأمريكية كاثرين فلاين، التي فقدت ابنها في الحادث، ل "بي بي سي" أن المقراحي لم يظهر رحمة في التعامل مع ضحاياه ولذا فإنها ترفض الإفراج عنه لأسباب إنسانية. وفي المقابل ، قالت باميلا ديكس، وهي من جمعية ضحايا الحادث في بريطانيا وفقدت شقيقها، إنها لم تقتنع بالكثير من الأدلة التي على أساسها أدين المقرحي ، كما عبر مارتين كادمان، وهو بريطاني فقد ابنه في الحادث، عن موقف مشابه، فقال إنه يعتقد أن المقراحي برئ، وأن المحاكمة كلها "لم تكن مرضية" ، وأن المقراحي لم يكن لوحده، ولكن السلطات الاسكتلندية لم تفعل شيئا للوصل إلى الآخرين. التصريحات السابقة تؤكد بقوة أن الغرب استغل حادث لوكيربي لابتزاز ليبيا ونهب أموالها على حساب العدالة وحقوق الإنسان. إقرأ أيضا : نجل القذافي يكشف المستور حول صفقة المقراحي