لا يتوقف الحديث في مصر عن حالة الأغنية العربية، في حين يتحدث البعض عن أزمة شديدة يعاني منها الغناء العربي والموسيقى العربية. وهناك آراء أخرى تطرح وجهة نظر ترى أن الأغنية العربية نجحت أخيرا في الخروج من أزمتها، وان ما يقدمه جيل الشباب من موسيقى وغناء جذب أذن المستمع العربي الذي كان تحول قبل عشر سنين إلى تفضيل الغناء الغربي على الغناء العربي. "الوسط" نظمت في القاهرة ندوة للبحث في أوضاع الموسيقى العربية حضرها الملحن كمال الطويل، ومؤلف الأغاني عادل عمر، والمطرب والملحن حميد الشاعري، والمطرب إيهاب توفيق، والمطربة حنان، والمنتج كمال علمة صاحب إحدى الشركات الكبرى للأشرطة المسجلة، وشارك فيها من مكتب "الوسط" محمد صلاح الدين وأحمد رأفت. وعلى الرغم من أن هدف الندوة كان الوصول إلى تحديد سليم للمرحلة التي تمر بها الموسيقى العربية، والاتفاق على الشكل والمضمون الأمثل لأغنية المستقبل العربية، إلا أن الندوة تحولت إلى مواجهة "حامية" بين الملحن كمال الطويل الذي يعتبر من جيل الرواد وبين باقي المشاركين الذين ينتمون جميعا إلى جيل الشباب، ويتبنون "موجة جديدة" يرون أنها تجربة حققت الكثير من النجاح، وجاءت في وقت احتاج فيه الشباب العربي إلى تغيير كبير في ما يستمع إليه من موسيقى وغناء. و"الوسط" تنشر على حلقتين تفاصيل الحوار الساخن الذي جاء في الندوة. في بداية الندوة طرحت "الوسط" على المشاركين السؤال الجامع التالي: - بماذا نفسر هذا الجدل الكبير الذي يدور حول الموسيقى العربية التي تقدم في الوقت الحالي؟... ماذا حدث للمستمع، وأي نوع من الغناء أصبح يفضله؟ ولماذا سيطر الشريط الكاسيت على الساحة الموسيقية والغنائية وفرض نفسه في مواجهة الإذاعة والتلفزيون؟ وكيف أصبح المستمع لا يتلقى إلا لونا واحدا من الغناء يعتمد على الإيقاع السريع الراقص؟ وأين باقي الألوان، وأين الديموقراطية الغنائية؟ الإحباط وفقدان الأمل كمال الطويل: أعتقد أن ما حدث للأغنيتين المصرية والعربية بشكل عام خلال السنوات الأخيرة هو نوع من التبسيط وليس تطويرا. أصبح التركيز الآن على الإيقاع الواحد المتكرر في كل الأغاني، وهذا الأمر يمثل موجة ليس لها مثيل في العالم. وهذا ليس هجوما على أغاني وموسيقى الشباب، فلكل زمن إيقاعه وكل عصر مرتبط بنوعية الأشياء المحيطة به. وفي رأيي أن الشباب في مصر والعالم العربي أصيب بإحباط شديد جدا وبالتالي فانه فقد الأمل. في الماضي كانت هناك الرومانسية والحلم والأحاسيس وآمال عريضة في الغد، كل هذا انعكس على الحركة الفنية وصار الناس يستمتعون بما يقدم لهم من فن، وبقدر ما كان طه حسين عميقا كان الناس يتذوقون أعماله، ونفهم توفيق الحكيم ونشعر بعظمة العقاد، ونقدر إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ونجيب محفوظ، وأيضا أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ. المتلقي في ذلك كان يملك "المزاج" الذي يتيح له أن يجلس ويقرأ ويستمع، وجيلنا تربى على تلك الأشياء وفي تلك الظروف، ولكن تربى على تلك الأشياء وفي تلك الظروف، ولكن كل فرد من جيلنا كان يبحث لنفسه عن طريق مختلف عن الآخر وعم سبقونا وليس مجرد الجري وراء أغان كل ما فيها كلام بسيط وإيقاع واحد مستمر. الشباب الآن محبط ويحتاج إلى نوعية من الأغاني التي تبعده عن همومه ولا تجعله يفكر في أي شيء، والإيقاع الواحد المستمر يلغي تفكير أي شخص، ولهذا فأنا أرى أن أغاني الشباب المنتشرة الآن لا تسمع بالأذن ولكن بالوسط والقدم والأكتاف. وعلى العموم أنا أرفض الهجوم على موسيقى الشباب وعلى صانعيها فلنتركهم يخطئوا و"يلخبطو" ويكرروا أنفسهم مرة ومرات، وفي النهاية سينتج من هذه التجربة فن له قواعده وأصوله. - "الوسط": وماذا عن تجربتك مع الشباب، وبخاصة الأغنيتين اللتين لحنتهما للمطرب محمد منير؟ كمال الطويل: بصراحة، أنا لم أكن مهتما بهذه النوعية من الموسيقى والغناء، وعندما طلب محمد منير التعاون معي لم أتحمس ولكن بناء على طلب من عبد الرحمن الأبنودي الذي كتب كلمات الأغنيتين رضخت للأمر وجلست على "البيانو" في بيت الأبنودي. وخلال أقل من ربع ساعة انتهيت من تلحين الأغنيتين، وبعد ذلك أعطي اللحنان لعماد الشاروني وطارق مدكور لتوزيعهما موسيقيا، ثم استمعت إليهما بعد ذلك. وبصراحة لم أضع نفسي داخل التجربة وكنت أعتبر نفسي "باعمل أي كلام" أو أني لحنت لحنا عبثيا من دون شكل محدد، وإذا أتيحت لي الفرصة مرة أخرى بالتأكيد ستأتي النتيجة مختلفة. - "الوسط": إذا ماذا يمكن أن يقدمه جيلك الذي تعتبره جيل الرواد لهؤلاء الشباب؟ وما هي الجهود التي بذلتموها للسيطرة على الموقف أو تصحيحه؟ كمال الطويل: الجيل الذي سبقنا لم يقدم لنا شيئا ولكننا تربينا على إنجازاته، وأنا مثلا لم أتتلمذ على يد عبد الوهاب أو السنباطي أو القصبجي، لكني كنت أستمع إليهم وأستمتع بأعمالهم وأحترمها ولذلك حدث تواصل بين هذا الجيل وبين جيلنا، أما الجيل الحالي فهو متأثر أكثر بالموسيقى الغربية بصفة عامة واليونانية بصفة خاصة، أصبح يعتمد على إيقاع عصري بلا مضمون حقيقي. هناك محاولات لتقديم أغنية عصرية ذات مضمون ولكنها ناقصة، وإذا حدث ان وجدت أغنية تحمل المضمون وتؤدي بإيقاع العصر فسنكون وصلنا إلى حل للمشكلة. حميد الشاعري: الجيل الحالي هم تلامذة كمال الطويل وبليغ حمدي ومحمد الموجي، ولكن هذا لا يعني أن يخرج من الجيل الحالي نسخ مكررة عن الجيل القديم، والصحيح أن يكون لنا طريق مختلف لأن الموسيقى ألوان تماما مثل المسرح. وكما نجحت أغنية "مصطفى يا مصطفى" في الستينات في ظل سيادة الأغنية الكلاسيكية والطويلة فلا بد أن توجد الآن ألوان مختلفة من الأشكال الغنائية. كمال الطويل: هذه الأغنية أغنية "كباريهات" يمكن أن تسمعها في الملاهي الليلية وليست أغنية شاعر غنائي يمكن أن تسمعها في بيتك. يجب أن تفرق بين أغنية الملهى الليلي وبين الأغنية الحقيقية التي يستمع إليها الناس في البيوت ويتذوقونها. نحن لا نطلب منكم أن تقدموا لنا أوبرا أو أبريتا أو تمبو أو كنسيرتيو أو بشرف أو سماعي، أو أي نوع من الموسيقى المتعارف عليها، ولكن في الوقت نفسه نرفض أن يتحول غناؤنا إلى لون واحد، وإلا ما الفرق بين ما تقدمه حنان أو منى عبد الغني أو أنوشكا؟ أنا أطالب فقط بالتنوع والتعددية، أي بالديموقراطية الغنائية. حميد الشاعري: ما يقدم الآن ليس مجرد إيقاع واحد وإنما لون غنائي وموسيقي، وحتى الإيقاع يمكن أن يتغير خلال الأغنية الواحدة، وهو ما يحدث بالفعل في أغاني الشباب التي تقدم الآن، ومعظم صانعي أغاني الشباب تأثروا بأغاني عبد الحليم القصيرة التي كانت تتبع الخط نفسها الذي نسير عليه الآن. يجب ألا نظلمهم كمال علمة: يجب ألا نظلم الشباب، علينا أن نفكر كيف جاء هذا التحول في مسار الأغنية. أذكر أنني بدأت نشاطي في إنتاج وتسويق أشرطة التسجيل قبل 17 عاما، في ذلك الوقت - يا للأسف - كان 90 في المئة من الشباب يستمعون إلى أغان أجنبية، وأنا كمنتج كنت أخرج في الأسواق أشرطة لأغان وموسيقى غربية ولكني بعد فترة شعرت أنني أسير في طريق في غير صالحي أو صالح الناس. وتزامن ذلك مع ظهور مجموعة من الموسيقيين الشباب مثل حميد الشاعري ومحمد نوح وهاني شنودة وعزيز الناصر، ونجحت هذه المجموعة في أن تجعل الشباب العربي يستمع إلى الموسيقى العربية مرة أخرى، وأعتبر أن هذا نجاح خارق يحسب لهم. إيهاب توفيق: هذا كلام حقيقي والدليل أن مصر شهدت في السبعينات حفلات عدة لمطربين أجانب مثل ديميس روسوس وخوليو ايغليسياس وغيرهما، وأيضا كانت حفلات الفرق الموسيقية التي تقدم أغان وموسيقى غربية في الجامعات والمعاهد تحقق نجاحا كبيرا، كان هناك سر وراء رفض الشباب للأغاني العربية وإقبالهم على الأغاني الغربية، إلى أن جاءت تجربة الشباب واستطاعوا اجتذاب أذن المستمع إلى موسيقى جديدة مختلفة تحمل إيقاع العصر، ولكنها في الوقت نفسه تحافظ على تراثنا الموسيقي. كمال الطويل: تفسير ذلك واضح، الشباب الآن ليس له علاقة بأغاني أم كلثوم وربما يستمعون إليها من باب "الترف الثقافي"، واحتياجاته اليومية أصبحت مختلفة وصار في حاجة إلى موسيقى حديثة. ولكن يجب أن نتساءل: أي موسيقى يحتاج إليها الشباب؟ وما هو الشكل الذي يجب أن تقدم به؟ وماذا تحمل من مضمون؟ - "الوسط": وكيف نصل إلى الشكل الأمثل للأغنية التي تحوي مضمونا راقيا يرضى عنه الجميع؟ حميد الشعري: الفن بصفة عامة يخرج تعبيرا عن المجتمع والناس، ويجب ألا ننسى أن نسبة عالية من شعبنا أميون ولا يجيدون القراءة والكتابة ولا نستطيع أن نقدم لهم قصائد باللغة العربية الفصحى ونقول لهم تذوقوها واستمتعوا بها، ولهذا فان أعمال أحمد عدوية وحسن الأسمر مثلا تحقق رواجا كبيرا، وصار لهما مستمعون وجمهور. كمال الطويل: لأن الهرم انقلب واصبح من يملكون القدرة الشرائية على امتلاك الأشرطة هم "السمكرية" و"المنجدين" و"الميكانيكية". حنان: كلام كمال الطويل صريح ومحايد تماما، وأنا معه في أن يترك الشباب يخوضون تجربتهم حتى يقفوا على أقدامهم، ولكن إذا كنا نطمح إلى مستقبل أفضل للأغنية فيجب أن يتعاون معنا جيل الرواد، ولا يكتفي بالهجوم على تجربة الشباب، ولا يخفى علينا أن هناك تكثيفا إعلاميا للهجوم على أغاني وموسيقى الشباب، وهذا الأمر جعل الناس يشعرون بالخجل إذا جهروا برغبتهم في الاستماع إلى أغاني الشباب، وهذا بالطبع ضد التجربة، وفي الوقت نفسه فان افتقاد الساحة إلى نقاد موسيقيين بدرجة كافية وظهور نقاد ملأوا أجهزة الإعلام بالهجوم على أغاني الشباب، وطرحوا أفكارا غير علمية، أديا إلى حالة من الشك في ما يقدم للناس من فن وأغان. ويتجاهل هؤلاء أن المجتمع تغير وظروف اليوم غير ظروف الأمس. في الماضي كان الرجل البسيط يسمع أم كلثوم وهي تشدو بقصيدة مثل "أراك عصي الدمع" أو "أغار من نسمة الجنوب"، اليوم يوجد الكثير ممن لا يعرفون معنى هذه الكلمات ولا يفهمون هذه اللغة، والفجوة الكبيرة الموجودة لن نستطيع التغلب عليها في يوم وليلة. إيهاب توفيق: مهمة الشباب أن يطور الأغنية وألا يراوح مكانه، وهذا لن يحدث بسرعة بل يحتاج إلى وقت حتى تتبلور تجربته. وفي الوقت نفسه هناك سوء فهم لتجربة الشباب فليس كل ما يقدم الآن يقوم على الإيقاع السريع المتكرر، فمثلا حميد الشاعري له ألحان مختلفة الإيقاعات وله أغان كلاسيكية هادئة، ولكنها أغان لم تحقق النجاح نفسه الذي حققته ألحانه ذات الإيقاع السريع وهذا ليس ذنبه. لا تعتمد كلها على الإيقاع حنان: بالفعل معظم الشباب من مؤلفين وملحنين ومغنين لهم أغنيات هادئة ولا تعتمد على الإيقاع على الإطلاق، ولكن أجهزة الإعلام تركز على الأغنيات ذات الإيقاع فقط وهذه مسؤوليتها. عادل عمر: توجد أعمال جيدة ولكن لا يستمع أحد إليها، وهناك تطوير يحدث للأغنية ولكن لا ينتبه إليه أحد، وهو تطوير في الشكل والمضمون والتوزيع والتصوير، وعلى الرغم من ذلك فان الأسماء الكبيرة من الأجيال السابقة ما زالت - يا للأسف - تتهجم على ما يقدمه جيل الشباب، وهذا له تأثير ضار على مناخ الأغنية وخلق ازدواجية لدى المتلقي الذي أصبح يتساءل: من نصدق جيل الرواد الذي يهاجم الأجيال الجديدة أو جيل الشباب؟ والنقد وصل إلى حد استخدام ألفاظ خارجة عن وصف الأعمال التي يقدمها الشباب. حميد الشاعري: اختفت المعايير التي يمكن للناقد أن يستند إليها في التعبير عن آرائه يف الأغنية. وبصراحة أنا فوجئت برأي كمال الطويل في تجربة الشباب وأتمنى أن يتعامل باقي الرواد مع تجربة الشباب بالأسلوب نفسه، وأن يسمحوا لنا بأن نجرب ونخطئ ونصحح أخطاءنا. كمال علمة: الفن ليس له حدود ويجب ألا تفرض أي قيود على حرية الفنان. كمال الطويل: ولكن هناك أسسا وقواعد يجب المحافظة عليها، فمثلا مؤلف الأغاني يجب أن يدرس أولا قواعد الشعر والعروض والأوزان، وأن يقرأ لأحمد شوقي والمتنبي وحافظ إبراهيم ومرسي جميل عزيز ومأمون الشناوي وصلاح جاهين، وبعد ذلك يقوم بتأليف الأغاني. إما أن يقال أن المؤلف يكتب بناء على تجربته وإحساسه فهذا مرفوض، ونتيجة تجاهل البعض للقواعد والأسس السليمة خرجت إلينا أغنيات مثل "كوز المحبة اتخرم" و"وسطك ولا وسط كمنجة". أنا مقتنع تماما بأنه لا قيد على حرية الفنان لكي يبدع ولكن بشرط أن يكون قد اكتسب الخبرة والعلم. حميد الشاعري: نحن معك في هذا الرأي، وعلى هذا ليس هناك مشكلة. كمال الطويل: لا، هناك مشكلة ويجب ألا تفهموني خطأ، أنا لست ضد هذه الموجة واستمع إلى أغنيات كثيرة منها مثل أغنية حميد الشاعري مع سيمون التي تذاع في التلفزيون وهي أغنية بسيطة جدا، ولكن إلى جانب هذا النوع من الأغاني يجب أن توجد أنواع أخرى، وعلى الإذاعة والتلفزيون أن يعرفا أن هناك ألوانا أخرى من الغناء، وأن هناك أصواتا قادرة على العطاء مثل وردة وميادة وسميرة سعيد وسوزان عطية وعلي الحجار وأحمد إبراهيم، هؤلاء يمكن اعتبارهم مطربين حقيقيين، أما الباقي فهم مجرد مؤدين للغناء. ومن بين الأشياء الجميلة التي قمتم بها كشباب أنكم ألغيتم التفاصيل في الأغنية العربية، بمعنى أن الأغنية الشبابية الجديدة صارت لا تتضمن القفلة أو الحركات الصوتية، والأغنية الحقيقية تحتاج إلى قدرة صوتية عالية. أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم يصعب على الشباب أداؤها، والدليل على ذلك أن المطربين والمطربات من الشباب يتعثرون حينما يتصدون لأي أغنية من الأغاني القديمة. كمال علمة: وهل إلغاء التفاصيل من الأغنية العربية في رأيك عيب أو ميزة؟ كمال الطويل: ميزة لهؤلاء الشباب، لأنهم إذا راعوا القواعد القديمة فلن يستطيع أحد منهم أن يؤدي أغنية واحدة. كمال علمة: سأتكلم عن تجربتي الشخصية مع الأصوات الجديدة، فكل عام نقوم باختبار عدد كبير جدا من الأصوات لنختار الصالحة منها وننتج لها أشرطة. والغريب أن عددا كبيرا من هذه الأصوات يمكنه أداء الأغاني القديمة، بينما يعجز عن أداء الأغاني الحديثة التي تحتاج إلى مهارة عالية. كمال الطويل: أختلف مع هذا الرأي، هؤلاء تربوا على الأغاني القديمة وآذانهم تعودت على سماع الغناء الحقيقي، ولهذا يفشلون في أداء الأغاني البسيطة التي لا يعرفون عنها شيئا ولا يحسون بها. كمال علمة: أعتقد انه يوجد الآن شباب قادر على أداء الأغنية الحديثة التي تحوي الطرب والأصالة في الوقت نفسه. كمال الطويل: مثل من؟ كمال علمة: إيهاب توفيق وحنان مثلا كمال الطويل: أنا استمعت إلى أغاني الاثنين ولا أرى أي إبهار في صوتيهما كما تقول. حنان: أنا وايهاب توفيق بالذات درسنا في معهد الموسيقى العربية وأدينا أثناء الدراسة وبعد التخرج الكثير من الأدوار والموشحات والأغاني القديمة. كمال الطويل: أنا أتذكر صوت حنان جيدا، وعندما حضرت إلى الموسيقار عمار الشريعي ليختبر صوتها قلت له أن هذا الصوت "فيه حاجة"، أما مسألة الإبهار فهذا شيء كبير. نعم هناك أصوات حلوة ولكن موضوع الإبهار غير موجود على الإطلاق، هناك أصوات أخرى قادرة على أداء الأغنية العربية الحقيقية مثل محمد الحلو ومحمد ثروت، لكن في الوقت نفسه وفي الجيل الحالي لا يوجد صوت واحد يقارن مثلا بصوت محمد قنديل. دور شركات "الكاسيت" - "الوسط": هناك اتهام موجه إلى الشركات المنتجة للأشرطة بأنها كانت السبب وراء أزمة الأغنية العربية وتفشي ظاهرة الغناء الهابط. حميد الشاعري: من المهم أن نحدد أن شركات الأشرطة في العالم كله تابعة للقطاع الخاص، وبالتالي فإن أصحابها يحددون رؤيتهم ويسيرون عليها، والطبيعي انه في وجود منتجين ملتزمين بتقديم فن جيد ويتحملون صعاب وخسائر في مقابل تحقيق هذا الهدف، هناك أيضا من يركبون الموجة ويقدمون فنا هابطا. ولكن في النهاية السوق مفتوح أمام الجميع والمستمع صاحب الرأي الأخير. كمال علمة: وسيلة الشريط المسجل ممتازة جدا ونحمد الله أنها موجودة، وأرى أن الشريط جعل الناس يتخلون بعض الشيء عن الاستماع إلى الإذاعة والتلفزيون. وبصراحة وسائل الإعلام الحكومية أحدثت لدى المستمع نوعا من الانفصال لأنها تركز على مطربين موسيقيين يفضلهم المسؤولون عن هذه الأجهزة ولا يستمع إليهم أحد من الشعب. أما شركات الأشرطة المسجلة الكاسيت فأنتجت كل النوعيات الجيدة والرديئة، والمستمع هو الحكم في النهاية، ولكن بصفة عامة فان الإنتاج الجيد يفرض نفسه، وهناك أكثر من شركة تبنت أصواتا جديدة حققت نجاحا كبيرا واصبح لها جمهورها الخاص. ايهاب توفيق: هناك شركات محترمة جدا ولا تقدم إلا الفن الراقي، وأنا شخصيا بدأت حياتي الفنية من خلال شركة أشرطة، وعلى الرغم من أني معتمد كمطرب في الإذاعة والتلفزيون منذ ست سنوات إلا أن الناس لم يتعرفوا علي إلا من خلال الأشرطة. ولكن المشكلة الحقيقية أننا لا نفرق بين الجيد والرديء، ونحكم على التجربة في بدايتها وقبل اكتمالها، أو حتى الاستماع إلى ما يقدمه الشباب من إنتاج فني. بليغ حمدي: الكبار هربوا من الساحة قال بليغ حمدي: الخلاف الناشىء الآن حول ما يحدث في الوسط الموسيقي نتج عن خطأ في المسميات، بمعنى أن هناك فرقا كبيرا بين الأغنية والمونولوج و"الطقاطيق". ومن الصعب الخلط بين الغناء الكلاسيكي والغناء العادي في وقت لا يتقبل فيه الجمهور بشكل كامل الغناء الكلاسيكي كما كان في الماضي، ولكن في الوقت نفسه فان الأغنية الكلاسيكية ستظل موجودة في الوسط الغنائي، ومن حق الجيل الجديد في ان يعبر عن نفسه وان يجرب حتى لو كان على خطأ، وذلك لأن السكوت في هذه الحالة هو عقوبة إعدام على الغناء والخطأ يمكن إصلاحه وتعديل مساره، وأرى أن سبب انهيار الشكل الكلاسيكي هو انه لم يعد هناك من يتعب نفسه لتطوير هذا النوع من الغناء. والتفسير العلمي للموجة الغنائية الحالية انه لا يوجد البديل حتى الآن ليصدها، وعدم وجود هذا البديل منع المنافسة وحصر الأمر في نطاق ضيق، يضاف الى ذلك ان الكبار هربوا من الساحة كنوع من الكسل أو التأمل او الاستسلام، وأتمنى من زملائي العودة مرة أخرى الى الساحة حتى يمكن تقديم المقابل لهذه الموجة الموسيقية، وهي مسؤوليتنا في التصدي لهذا الوضع الخاطىء.