كتبنا في العدد الماضي ان "خبر وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة مواليد 1923 لم يصل بسرعة"، والواقع ان خبر الوفاة وصل خطأ الى كثيرين غيرنا فنشروا المراثي، فيما اكتفينا من المناسبة ولو كانت خبراً كاذباً باضاءة الحضور الشعري والشخصي لنازك الملائكة كواحدة من ابرز رواد الشعر العربي الحديث. والواقع ان الشاعرة كانت مريضة في بغداد ونأمل ان تكون الآن أبلّت من مرضها فشاع خبر الوفاة الكاذب في اوساط اللاجئين العراقيين في دمشق، ثم وصل الى اوساطهم في لندن - وبينهم ادباء وفنانون معروفون - كما ان شقيقها الذي يعمل في اذاعة لندن عاش في اجواء القلق والحزن، وكتب شاعر عراقي معروف مرثية شغلت نصف صفحة في جريدة يومية عربية دولية تصدر في لندن. الى ان علمنا من زوجة الاديب جبرا ابراهيم جبرا المقيمة في بغداد انها كانت في 10 آذار مارس تعود الشاعرة المريضة وتتمنى لها الشفاء. هل نعتذر ام نفرح؟ نفرح لأن الشاعرة لا تزال تتمتع بنعمة الحياة، ونقول ان ما كتبناه في العدد الماضي لم يكن سوى تذكرة بها، خصوصاً انها في حال غياب عن الساحة الشعرية العربية منذ اكثر من عشرين عاماً. *** وفي مجال الاخبار الكاذبة عن وفيات الادباء نذكر ان الشاعر السوري مصطفى بدوي هو غير الدكتور مصطفى بدوي الاستاذ في جامعة اكسفورد، ترك دمشق واعتكف في قرية بعيدة وارسل الى احدى الصحف ما يفيد انه مات. وبدأت المراثي والكتابات النقدية تتوالى، وكان المفكر والروائي السوري المعروف مطاع صفدي يعمل رئيساً للقسم الثقافي في مجلة اسبوعية لبنانية فكتب تحقيقاً مفصلاً عن ذهابه الى القرية السورية ومشاركته في تشييع الشاعر ورؤيته للناس البسطاء الذين احبوا شاعرهم حتى آخر حياته فيما تخلف اصدقاؤه عن واجب المشاركة ونسوه ميتاً بعدما كانوا يحتفون به حياً... وكانت "الفضيحة" عندما ظهر مصطفى بدوي في مقهاه المفضل في دمشق واستمتع بقراءة المراثي وناقش كاتبيها، واستغرب ان يحمّل المفكر والروائي نفسه عناء رحلة شاقة من بيروت الى القرية السورية البعيدة للمشاركة في التشييع... ونصحه بتحويل التحقيق الصحافي الخيالي الى قصة قصيرة ختامها ظهور الشاعر في المقهى. *** واذكر اثناء الحصار الاسرائيلي لبيروت ان قذيفة اصابت سيارة الشاعر الفلسطيني علي فودة فأصيب بجراح. وعلى رغم صغر مساحة المدينة المحاصرة فقد أشيع ان الشاعر مات وبدأت الصحافة تكتب عن مأسوية وفاته في الحصار، كما عمد من تبقى من النقاد في العاصمة الى كتابة دراسات تقويمية حول تجربة علي فودة الشعرية مع تركيز خاص على مجلته "رصيف" التي نشرت اشعاراً ونصوصاً من دون حدود وفي مدى من الحرية مفتوح. وكانت الصحف في متناول علي فودة في احدى غرف مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت. وقال يومها ان قراءته للمراثي والدراسات قوّت من معنوياته وساعدت على التئام جراحه... والمؤسف ان علي فودة توفي بعد اسابيع متأثرا بجراحه، فنشرت الصحف خبر موته بشكل موجز. كان الذين كتبوا قالوا ما يريدون قوله، وأتيح للشاعر ان يقرأ آراء الناس فيه ويستوعبها قبل ان يموت ميتة حقيقية. * * * هل نذكر ايضا الخبر الذي نشر السنة الماضية عن وفاة الاديبة السورية سلمى الحفار الكزبري فاضطرها للمجيء من منزلها في جنيف الى لندن والقاء محاضرة، كأنها تقول: انني لا أزال حية بحمد الله؟ وهل نذكر حادثة تسريب خبر وفاة الروائي اللبناني توفيق يوسف عواد الى احدى الصحف اللبنانية التي نشرته في صفحة داخلية. وفي اليوم التالي اتصل عواد برئيس تحرير الصحيفة معاتبا، فاعتذر رئيس التحرير عن نشر الخبر الكاذب، وهنأ الروائي بالسلامة وتمنى له طول العمر، لكن توفيق يوسف عواد اوضح انه لا يعتب على نشر الخبر وانما على مكان نشره، اذ يستحق كاتب مثله ان ينعى على الصفحة الاولى؟... وقد نعت الصحف اللبنانية عواد على صفحاتها الاولى عندما صرعته قذيفة هو وابنته وصهره السفير الاسباني في بيروت معا في واحدة من اعنف جولات القصف المدفعي في بيروت. * * * أطال الله عمر نازك الملائكة واعادها الى الشعر كي لا نكون في حاجة الى خبر كاذب عن وفاتها لنكتب عن شعرها وعن موقعها في الشعر العراقي والعربي الحديث. وما كتبنا في العدد الماضي لم يكن مرثية بقدر ما كان وصفا لموقع شاعرة تفردت بين زملائها العراقيين باهمالها الحساسية السياسية التي طغت على معظم قصائدهم.