سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" تنشر على حلقات كتاب باتريك سيل عن ابو نضال - كيف استخدمت سورية ابو نضال لمحاربة الاخوان المسلمين والاردن وعرفات . طرده العراقيون فطالبهم بخمسين مليون دولار كتعويضات الأسد رفض استقباله وأبو إياد ارسل 25 رجلا لاغتياله 4
هذه الحلقة الرابعة من كتاب باتريك سيل "ابو نضال: بندقية للايجار" تكشف، بشكل خاص، قصة الخلاف بين العراق وابو نضال وكيف انتقل هذا الاخير للاقامة في سورية، وكيف استخدمه السوريون في حربهم ضد الاخوان المسلمين والملك حسين وياسر عرفات. وقد حصلت مجلة "الوسط" من المؤلف على حقوق النشر المسلسل لكتاب ابو نضال باللغة العربية في العالم اجمع، وهذه هي الحلقة الرابعة منه: طوال 17 عاماً من 1974 الى 1991 أعطى العراق فسورية ثم ليبيا أبو نضال المأوى، والدعم التعبوي، والهدية الانفس من كل شيء: الأمن. استمر إشراف العراق اكثر من ثمانية اعوام، من 1974 الى 1983، وسورية ستة اعوام من 1981 الى 1987. اما اشراف ليبيا فهو مستمر الى هذا اليوم على رغم النفي الليبي الرسمي. وكان هناك تداخل غريب في اوائل الثمانينات عندما قامت منظمة ابو نضال، بنقل قاعدة عملياتها تدريجياً من بغداد الى دمشق، وتجنّبت من الناحية الفعلية سيطرة اي من الراعيين. وكان ما جعل الوضع اكثر غرابة ان العراق وسورية كانا خصمين لدودين ما عدا فترة بضعة اشهر في 1978 - 1979 وكل منهما منشغل بالتهجم على الآخر ومحاربته. غير ان لدى ابو نضال موهبة متفوقة في حشر نفسه في الفجوة الضيقة بين خصمين متنافسين. فهو ينتعش بصراعات الشرق الاوسط، ليس فقط بين اسرائيل والفلسطينيين، بل بين الدول العربية وفتح، بين العراق وسورية، بين ليبيا ومصر، بين العرب والغرب … ازدهر ابو نضال بادئ الأمر في ظل النظام البعثي في العراق، وكان البعث استولى على السلطة في بغداد في شباط فبراير 1963، عندما ابرز نفسه، بدعم سري صامت من اميركا، بالمجازر الجماعية لأعضاء الحزب الشيوعي العراقي. وكما توحي ماريون وبيتر سلاغيت في كتابهما: "العراق عام 1958" ربما كانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية هي التي زوّدت البعثيين بقوائم اسماء اعدائهم الشيوعيين. فهما يذكران في كتابهما: "ان الأكيد هو ان بعض قادة البعث كانوا على اتصال بشبكات المخابرات الاميركية". وعندما انتهى البعثيون من تصفية اعدائهم بدأوا يتشاجرون فيما بينهم، مما مكّن مجموعة من ضباط الجيش القوميين من الاطاحة بهم بدورهم في تشرين الثاني نوفمبر 1963. وعندئذ عاد الحزب الى الغوص تحت الأرض حيث بقي خمسة اعوام، من 1963 الى 1968. وفي هذه الاثناء تمّ تطهيره واعادة بنائه على يد شاب لا رحمة عنده ولا هوادة يدعى صدّام حسين. وفي تموز يوليو 1968، تسلّق حزب البعث عائداً الى السلطة في انقلاب دبّره احد اعضائه العسكريين، اللواء احمد حسن البكر، وهو ضابط معروف كان شارك في الاطاحة بالنظام عام 1958. وكان للبكر دعم بين صفوف هيئة الضباط، غير ان الدعم الأساسي الحقيقي جاء من جناح صدّام المدني في البعث. وطوال اكثر من عقد، من 1968 الى 1979 حكم العراق معاً كل من البكر وصدّام حسين، اي الجندي ومسيّر الجهاز الحزبي، فقمعا فيه كل معارضة، وشحنا الجيش بالموالين لهما، وسيطرا عليه بالمفوضين السياسيين، وفرضا حكم البعث في كل زاوية من البلاد بواسطة جهاز امن قاس يرى كل شيء، وهو صنيعة صدام ومن عمل يديه. كان صدام منذ البداية هو "الرجل القوي في النظام"، وقد حمل لقب نائب رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة، متمتعاً بسلطات على كل شيء، وعلى كل شخص. وعندما كان ابو نضال يعيش في العراق منذ عام 1970 فصاعداً، رأى عن كثب تنامي القوة البعثية والدولة العراقية نفسها، تموّلها عائدات النفط المتصاعدة منذ تأميم شركة نفط العراق في عام 1972 وارتفاع اسعار النفط في العام التالي. وكان الدعم الذي لقيه ابو نضال نابعاً في الأساس من البكر وليس من صدام حسين. وكان مقرباً لدى وزير خارجية العراق طارق عزيز، ولدى سعدون شاكر ابن خال صدام، الذي كان يومها مديراً عاماً للمخابرات، ولدى نائبه برزان التكريتي، الأخ الأصغر غير الشقيق لصدام. غير ان صدام حسين كان يميل الى الاستخفاف بأبو نضال. ولما كان ابو نضال سيء الخلق سريع الغضب فانه لم ينس اهانات صدام. ولم يكن الرجلان على علاقة طيبة ولا سهلة. وكان النصف الثاني من السبعينات وحتى اواخرها هو اوج مرحلة ابو نضال العراقية. وفي ذلك الحين كان العراق هو مصدر الاثارة والشقاق في العالم العربي. فقد راح يزرع خلايا بعثية في طول المنطقة وعرضها للتحريض على الثورة ويتقرب الى موسكو بشكل حميم، ويعلن اكثر الآراء تطرفاً في الاشتراكية العربية، والوحدة العربية، والنزاع العربي - الاسرائيلي، في محاولة لانتزاع زعامة التشدد الراديكالي العربي من منافسته سورية. وبعد حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 انتقدت بغداد محاولة ياسر عرفات للميل الى الاعتدال واعتبرتها خيانة، واستنكرت اتفاقية سورية لفصل القوات مع اسرائيل في الجولان عام 1974، وكذلك تدخل الاسد في لبنان بعد ذلك بعامين، وشجعت ابو نضال على اطلاق ارهابييه ضد سورية ومنظمة التحرير. ولكن عام 1978 - 1979، في اعقاب تغير مناخ العراق السياسي، فقد ابو نضال فجأة حظوته. كانت المناسبة المباشرة لذلك توقيع اتفاقات كامب دايفيد في ايلول سبتمبر 1978، التي لعب فيها الرئيس جيمي كارتر دور العراب بين بيغن والسادات. ولم تكن اتيحت لصدام قبل ذلك فرصة بسط نفوذ يتجاوز حدوده، فاستغل فرصة "خيانة" السادات ليثبت وجوده في ميدان السياسة العربية، فعقد مؤتمر قمة في بغداد في تشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام وهو مؤتمر اتخذ قرارات المقاطعة ضد مصر. غير ان العقبة الكؤود امام طموحات صدام حسين كانت رعايته للإرهاب. وكانت واشنطن حثته على التخلي عن دعم الارهاب. وهكذا اصبح جهاز ابو نضال القاتل مصدر حرج لصدام في دوره الجديد كرجل دولة وسياسي عربي ودولي. وحتى على الساحة الفلسطينية صار من مصحلة صدام تماماً ان يتعامل مع ياسر عرفات وخطه الوسطي السائد. وبينما كانت قمة بغداد منعقدة استدعى صدام عرفات وأبو اياد الى مكتبه ليوضح لهما خطوط سياسته الجديدة. وقد روى لي ابو اياد ما حدث: "تساءل صدام: ما هي خلافاتنا؟ الا تزالون منزعجين لأننا لم نتدخل لمساعدتكم في الاردن عام 1970؟ اشارة الى عدم تحرك القوات العراقية بينما كان الفدائيون يواجهون جيش الملك حسين لقد انتقدنا انفسنا منذ زمن على تلك الواقعة المحزنة المشؤومة، ونحن نعتبرها تاريخاً مضى. هل يغضبكم دعمنا لأبو نضال؟ استطيع ان اخبركم حالاً اننا لن نوافق على اية عمليات اخرى تشن ضدكم من بغداد. ولن نكون مسؤولين عن اعماله بعد الآن. وقد قلنا له ذلك. "ولكن لا تتوقعوا مني ان اسلمه اليكم"! 25 رجلاً لاغتيال ابو نضال ومنذ ان أزاح صدام البكر المريض وتسلّم الرئاسة عام 1979، ادرك ابو نضال ان أيام منظمته في بغداد باتت معدودة. وبما انه لم يرغب ان يكون رهين اي نظام واحد، فقد بدأ يتقرب من سورية وليبيا سراً باتصالات تمهيدية. لكن، في الوقت الذي كان يتوقع الطرد من بغداد، انقذه موقتاً اندلاع الحرب الايرانية - العراقية في ايلول سبتمبر 1980. وكانت الحرب تعني ان العراق يحتاج دعماً اكثر من اي وقت مضى، ولا سيما من الغرب ومن الدول العربية. وبناء على ذلك كان ينبغي عليه ان يتخلص من ابو نضال، الا انه كان رجلاً ثميناً للعمل في خدمة بلد يخوض حرباً. كان العراقيون بحاجة الى اسلحة ومعلومات سرية. وكانوا يحتاجون الى ذراع خارجية. وكان ابو نضال مستعداً لأن يجعل من نفسه عنصراً مفيداً لمجهودهم الحربي. فعرض عليهم اغتيال بعض أعضاء المعارضة العراقية في الخارج. وقدّم نفسه كقناة سرية للاتصال مع سورية. اما في الداخل فقد راح يراقب الاعداء المخربين المحتملين، ثم ادخل نفسه كوسيط في تجارة الاسلحة التي امل ان يحقق منها ارباحاً شخصية. وكان احد مساعدي ابو نضال رجل يدعى عبدالرحمن عيسى. وقد ابلغ عيسى منظمة التحرير الفلسطينية التي هرب اليها في تشرين الاول /اكتوبر 1989 "ان ابو نضال في ذلك الحين وعد العراقيين بأنه قادر على الحصول على دبابات "تي - 72" من بولونيا حيث كانت له اتصالات جيدة. واعتبر صدام ذلك خدمة هائلة، وهي خدمة أخّرت طردنا من بغداد في الواقع عامين او ثلاثة!". وقدّم العراقيون دفعة اولى من 11 مليون دولار اودعها ابو نضال في حساب سويسري خاص. لكن العراقيين غيّروا رأيهم بعد ذلك، فلم يعودوا يريدون دبابات، بل مدافع. ولم يكن ابو نضال قادراً على المساعدة في هذا المجال، ولكنه - على ذمة عيسى - لم يُعد اليهم الاموال ابداً. فكان ذلك احد اسباب طرده من بغداد في نهاية الامر … انهمك ابو اياد وابو نضال في محاولات متبادلة ليغتال الواحد منهما الآخر. ففي نيسان ابريل 1980 القيت قنبلة على سيارة كان يُظن بأن ابو اياد يمتطيها في بلغراد. وعندما فشلت المحاولة، ارسل ابو نضال ثلاثة قتلة ليغتالوا ابو اياد في بيروت. وقد تمركز اثنان منهم، وقد تسلحا بالرشاشات، على سطح عمارة مقابل مكتبه. وكانا ينتظران إشارة من ثالثهم الواقف في الشارع كي يفتحا النار. غير ان هذا الاخير، واسمه نبيل، رُصد وهو متربص في موقعه في دكان حلاق قرب مكتب ابو اياد. وكان هذا الحلاق مأجوراً لدى ابو اياد. وعندما القى رجال امن ابو اياد القبض عليه عُثر معه على مسدس. وجيء به الى ابو اياد الذي صرف الحرس وجلس بمفرده معه. وسأله: "هل حقاً تريد ان تقتلني؟" فأجاب الشاب: "نعم" "لماذا؟" "لأنك خائن! فأنت من زمرة الزعامة التي خانتنا"، وراح نبيل يقذف الكلام المألوف الذي حقن به ابو نضال افراده. ووضع ابو اياد مسدسه الملقّم على الطاولة ليكون بمتناول نبيل وقال له: "إذا كنت مقتنعاً بأنه يجب ان اموت فاطلق الرصاص عليّ" وهنا ازاح نبيل المسدس بعيداً، وانهار. لقد كان شاباً صغيراً مشوشاً تهاوت قناعاته حين وجد نفسه وجهاً لوجه امام الضحية المستهدفة. ولم يلبث ان وشى بشريكيه اللذين كشفا بدورهما عن عناوين بيوت ابو نضال الآمنة في بيروت وعن اسماء الذين يديرونها، فقامت منظمة التحرير الفلسطينية بالاستيلاء على تلك الابنية والقبض على من فيها. وتملك الغضب ابو نضال حين وجد ان هذه الممتلكات التي تقدر قيمتها بحوالي مليون دولار قد وقعت في يد منظمة التحرير. وحين قرر ابو اياد ان يتخلص نهائياً من تهديد ابو نضال ارسل فريق اغتيال مؤلفاً من 25 رجلاً ليقتلوه في بغداد التي هُرّبت اليها رشاشات، وقنابل يدوية، وأجهزة اتصال لاسلكية. وبعد مراقبة تحركات ابو نضال على مدى عدة اسابيع، قرر الفريق نصب كمين لسيارته على احد جسور نهر دجلة الذي يمر عليه كل يوم تقريباً. غير انه، قبل ايام من موعد الهجوم المخطط له، رصدت المخابرات العراقية خمسة من افراد الفريق وهم يتصرفون بشكل مريب على ذلك الجسر، واقتفت اثرهم حتى مكان اقامتهم حيث القت القبض عليهم. اما شركاؤهم الباقون فقد تفرقوا والغيت العملية. وحكم بالاعدام على اولئك الخمسة، غير ان الحكم لم ينفذ ابداً، وتمكّن ابو اياد، بعد خمس سنوات، ان يؤمن الافراج عنهم. وحين سرد عليّ القصة قال لي وهو يبتسم: "ان اثنين منهم هما من حراسي الشخصيين، ولا بد انك لمحتهما وانت داخل". وعند هذا الحد، كانت العلاقات الودية بين الرجلين تحوّلت الى كراهية، ووضع ابو نضال في مجلته عموداً استمر بنشره سنوات طويلة ويشير فيه الى ابو اياد على انه "ابن اليهودية". الاسد رفض مقابلة ابو نضال وفي ذروة صراع الاغتيالات مع ابو اياد، أُصيب ابو نضال بنوبة قلبية استدعت نقله الى السويد لاجراء عملية جراحية. وقد دفع العراقيون الفواتير بسخاء. والى هذا اليوم لا يزال ابو نضال، كلما سعى الى كسب العطف، يبادر الى فك أزرار قميصه ليعرض آثار جراحته …. بعد عملية القلب عام 1979، لم يعد ابو نضال يستطيع ان يتحمل حرارة صيف بغداد اللافحة، فاعتاد على قضاء اشهر عدة من السنة في بولونيا حيث نقل عائلته الى دارة واسعة على بعد ستين كيلومتراً خارج وارسو. ولم يكن يزور العالم العربي الا لماماً، وراح يتصل مع زملائه بواسطة مراسل. كانت تلك فترة نقاهة واستجمام واعادة تخندق. وسمى نفسه "الدكتور سعيد"، منتحلاً شخصية رجل اعمال دولي، وفي السنة الاولى من اقامته لم تكن السلطات البولونية تعرف من هو. كان غطاؤه شركة مقرها في وارسو واسمها ساس SAS، ولها فروع في برلينالشرقية وفي لندن، ومن خلالها كان يتاجر مع شركات الدولة البولونية. وكان من بين صفقات شركته هذه شراء 4 آلاف رشاش من طراز العقرب سكوربيون وبما ان البولونيين كانوا يبحثون بيأس عن عملات اجنبية، فقد اختاروا ان لا يدققوا كثيراً في الجهة المرسلة اليها تلك الاسلحة. وتعود علاقة ابو نضال ببولونيا الى اتصالات كان اجراها مع السفارة البولونية في بغداد عام 1974. وعندما اخذ صراعه مع فتح يشتد، شرع باستخدام الرشاوى وتجارة السلاح لتقوية علاقاته مع اوروبا الشرقية. وفي اواخر السبعينات اودع ابو نضال عشرة ملايين دولار في مصرف بولوني فتحسّن مركزه في تلك البلاد. استقر ابو نضال في بولونيا عام 1981 لأنه لم يعد يحس بالامان في العراق. فقد اشعرته السلطات العراقية بتغير موقفها بعدد من التحركات غير الودية. واعلمته بانها لن تصدر جوازات سفر عراقية لاعضاء منظمته اعتباراً من 1 كانون الثاني يناير 1981، وكان من نتيجة ذلك ان 120 من رجاله انتهت مدد جوازات سفرهم وجدوا انفسهم يواجهون المصاعب. وفي الوقت نفسه بدأت المخابرات العراقية تراقب المحادثات في مكاتبه ببغداد، ما ارغمه وزملاءه على الذهاب الى معسكر التدريب في الرمادي بعيداً عن بغداد كلما رغبوا في التخلص من هذه الرقابة التي تضايقهم. وكان في ذلك ازعاج مربك لا يستهان به. ولعل هذه التطورات هي التي جعلته يأمر مساعده المقرب منه، عبدالرحمن عيسى، بجس نبض السوريين مطلع عام 1981، لاستطلاع رأيهم حول امكان الانتقال الى دمشق. وبين كانون الثاني يناير وايار مايو 1981 زار عيسى دمشق خمس مرات على رأس وفد صغير لاجراء محادثات متكتمة مع اللواء علي دوبا، رئيس المخابرات العسكرية، والعميد محمد الخولي رئيس مخابرات القوى الجوية، ووزير الخارجية عبدالحليم خدام. كان السوريون يريدون ايضاحات مفصلة لعمليات ابو نضال المعادية لسورية، بما فيها محاولة اغتيال خدام. وكان لدى سورية في السجون نصف دزينة من جماعته للاشتباه في تورطهم بالتخريب في دمشق في السبعينات. فأخذ عبدالرحمن عيسى من جانبه يلوم السوريين بعنف على تدخلهم ضد الفلسطينيين في لبنان، وعلى سكوتهم بينما كانت ميليشيات الموارنة تحاصر مخيم تل الزعتر ثم تذبح كثيراً من سكانه الفلسطينيين. ولكن الاتفاق تم في آخر الامر على ترك المستقبل يحكم على حسن نيات كل من الجانبين تجاه الآخر، فقد كانت هناك مصالح مباشرة اكثر الحاحاً. كان ابو نضال بحاجة الى راع جديد، وكان يأمل في ان يطور مع سورية علاقة حميمة كالتي كان يتمتع بها ذات يوم مع العراق. فأمر عيسى بأن يطلب إذناً لفتح مكاتب في دمشق. اما سورية فكان لها من جانبها غرضان من التعامل مع ابو نضال. فقد رأت فيه اولاً حليفاً محتملاً في الحرب المريرة التي كانت تخوضها ضد الاخوان المسلمين وهي حرب تطورت لتصبح اخطر تحد واجهه نظام الاسد حتى ذلك الحين. فقد بدأ الاخوان المسلمون حملتهم من تفجير القنابل والاغتيالات ومحاولة التمرد عام 1977 وتابعوها بلا هوادة حتى عام 1982، عندما سحقهم النظام في خاتمة دامية مرعبة، ومعهم الوف المدنيين الابرياء في وسط سورية في مدينة حماة التي اتخذها المتمردون معقلاً لهم. اوائل عام 1981، عندما فاتح عبدالرحمن عيسى سورية الامر، كانت حرب النظام ضد اعدائه في الداخل على أشدّها، وكانت علاقات سورية مع جاريها، العراقوالاردن بلغت حضيضاً لم تصل اليه من قبل. لانهما كانا معروفين بتزويد الاخوان المسلمين بالاسلحة والاموال والتدريب والملاذ. وبدا ابو نضال في مركز جيد يستطيع من خلاله تقديم معلومات سرية عن نشطاء الاخوان ومؤيديهم في عمانوبغداد، وكذلك توجيه الضربات لقادتهم، الذين كان بعضهم يعمل من اوروبا. وكان ابو نضال يعلم كثيراً عن الاخوان المسلمين في بغداد. بل كان درّب بعض رجالهم في قاعدته في مدينة هيت، على بعد 300 كيلومتر شمال بغداد. وقد جاء آنذاك يقترح المتاجرة مع السوريين بهذه المعلومات كلها. ورأت سورية في ابو نضال اداة مفيدة لردع الملك حسين وياسر عرفات عن عقد اتفاق منفرد مع اسرائيل. فقد كان الاسد يتنازع مع الرجلين حول هذه القضية طيلة العام. كان يخشى انه اذا تفاوض الاردن ومنظمة التحرير على سلام منفصل مع اسرائيل فستصبح سورية معزولة ويتعرض امنها للتهديد. وكان الاسد يعتقد ان السلام الوحيد الذي يستحق ان يقام مع اسرائيل هو التسوية الشاملة التي تنسحب فيها اسرائيل من جميع المناطق العربية التي استولت عليها عام 1967، وان الطريقة الوحيدة لجلب اسرائيل الى مائدة المفاوضات هي ان يقف الفلسطينيون والاردنولبنان وسورية ويواجهوا اسرائيل كتلة موحدة. وكان تجنيد رجل اغتيالات مشهور مثل ابو نضال طريقة للضغط على زعيم منظمة التحرير والعاهل الاردني معاً للقبول بالقيادة السورية. لكن السوريين كانوا اشد حذراً من العراقيين بكثير في تعاملهم مع ابو نضال. كان احمد حسن البكر احتضنه واقامه على رجليه ليشتغل، ومكنّه من الوصول الى التسهيلات العراقية. اما الاسد فقد رفض مقابلته، وأصر على ان تظل العلاقة ضمن حدود المخابرات بشكل شديد الإحكام، على ان تتم مراجعتها على فترات. وفي هذه الاثناء لم يكن ليسمح لمنظمة ابو نضال بنشاط سياسي مكشوف، ولا بمعسكر للتدريب. وتنحصر العلاقات معها بمخابرات القوى الجوية التابعة لمحمد الخولي، وليس بمخابرات علي دوبا العسكرية التي تتعامل مع جميع الفصائل الفلسطينية الاخرى. ولم يتأثر الاسد برسائل التملق التي بعثها اليه ابو نضال.