بعد شهر من السفر وتغيير فنادق في ست عواصم عربية جلست في الطائرة بانتظار الاقلاع الى لندن. وتأخر الاقلاع عن موعده المحدد، ومضت نصف ساعة ثم سمعنا اعلانا يقول: نعتذر عن التأخير بسبب انتظار ركاب الترانزيت من نيودلهي ونشكركم على تفهمكم. ومضت دقائق طويلة، وعاد الصوت يقول: سيتم الاقلاع خلال ربع ساعة بعد وصول ركاب الترانزيت. نشكركم على تعاونكم. ومر المضيف قربي فأمسكت بتلابيبه، او بنطلونه بلغة العصر، وقلت له: لست متفهما او متعاونا ولا حق لك ان تفترض ذلك. ولكن ماذا استطيع ان افعل؟ *** التأخر في الاقلاع، على إزعاجه، أهون كثيرا من عدم الوصول، ولم تستطع شركة طيران واحدة بعد ان تخترع عبارة لا تذكرنا باليوم الآخر، فهي جميعا تقول شيئا ينتهي بأن الطائرة في طريقها الى محطتها او محطتنا النهائية. واقدر انني سأبلغ يوما "محطتي النهائية" عندما يقضي الله امرا كان مفعولا، فهذه سنة الحياة وكل من عليها فانٍ، غير انني اليوم اريد ان اصل الى لندن فقط لا الى "محطتي النهائية". *** أسافر حوالى مرة كل اسبوعين منذ سنوات، وصبرنا ونلنا مثل ام خشبة واصبحنا نسافر بالدرجة الاولى، غير ان الحقائب كلها تسافر بالدرجة الثانية، وعندما يسعفني الحظ فأخرج من الطائرة اولا، وأنهي معاملات الهجرة قبل غيري، أجد ان الحقيبة تبعتني في آخر الدرجة السياحية، وربما كانت على قائمة الانتظار، وهذا يظل أهون من ان اسافر الى الرياض وتسافر حقيبتي الى برمودا. على كل حال الارجح اذا خرجت من الطائرة اولا وخففت الخطى نحو موظفي الهجرة أن أجد أمامي ركاب طائرة كاملة من الهند او باكستان وكل زائر بحاجة الى معاملة طويلة قبل ختم جوازه، وربما تطلب الامر محاكمة و12 من الشهود العدول. *** كنت غارقا في بعض أوراقي بانتظار إقلاع الطائرة عندما سمعت صوتا حنونا يقول بالانكليزية: هل تريد موعدا؟ ورفعت رأسي فوجدت مضيفة في حجم فيل تقدم الي تمراً، والكلمة بالانكليزية "DATE" وهي تعني موعدا أو تمراً، حسب رغبة السامع وميوله. وقبلت التمر لأن المضيفة لن تحصل على موعد الا اذا وقفت تطلبه أمام مدرسة العميان. *** مضيفة حسناء تسألني: هل ترغب في أن اقدم لك شيئاً يا سيدي؟ وقلت في نفسي إنني أرغب في أشياء كثيرة الا انني أشك في أنها تقبل تقديمها، لذلك طلبت ماء وحبة اسبرين. *** قانون السفر: اذا وصلت الى المطار متأخراً اقلعت الطائرة في موعدها، واذا وصلت مبكرا تأخرت الطائرة. قانون ثانٍ: اذا سافرت الى بلد ترانزيت فتسلسل الاحداث الحتمي هو: اولا تقلع الطائرة الثانية قبل وصولك، وثانيا يحدث ذلك في بلد تحتاج الى تأشيرة لدخوله لذلك ستنام، او تسهر، على مقعد في المطار حتى اليوم التالي او الذي بعده. *** ذلك الذي قال: سافر ففي الأسفار سبع فوائد، كان يجب أن يزيد: واقعد فان مضارّها سبعون.