لا يخفي المسؤولون المصريون قلقهم على الوضع السياحي في مصر حالياً، مع استمرار الاعتداءات على السياح الاجانب، على رغم محدوديتها. وتعكس التطمينات التي يطلقها الوزراء وقادة الامن، في جزء كبير منها خوفاً من ان تؤدي اعمال التعرض للأجانب الى تراجع كبير في الحركة السياحية الى مصر. واظهرت التدابير الامنية التي لجأت اليها الحكومة المصرية حتى الآن قراراً سياسياً وامنياً كبيراً بمنع الاصوليين والجهات المعادية للحكومة من تنفيذ خططها المعلنة، الا ان المعادلة الصعبة التي تجد اجهزة الامن نفسها فيها تكمن في نقطتين اساسيتين: الاولى، الجمع بين امرين يبدوان متناقضين: امن السياح وحريتهم، اذ ان كل زيادة او توسع في الاجراءات الامنية ستؤدي حكماً الى زيادة في تخوف الاجانب من احتمالات وقوعهم ضحايا اعتداءات يمكن ان تحصل، في حين ان اي تراخ تظهره الدولة قد يستغله اخصامها لتسديد المزيد من الضربات وتوسيع نطاق العمليات الى خارج المناطق التي تشكل المسرح الحالي للاعتداءات. اما النقطة الثانية، فهي ان اي توسيع لدائرة العمليات الامنية سيساهم في تضخيم اطار الصورة التي تسعى الحكومة الى تقليصها، واظهار مصر وكأنها بلد غير آمن، على ابواب "شيء ما" داخلي، على غرار الوضع الجزائري مثلا. وما يزيد من صعوبة المهمة التي تواجهها السلطة الامنية في مصر هو ان اجهزة الامن لا يمكن ان تكتفي بضمان امن مناطق محددة، وانما يتوجب عليها ان توفر الامن الكافي لعشرات آلاف الاهداف المحتملة لتوجيه الاعتداءات ضدها، وهذه الاهداف هي الافواج السياحية التي تنتقل من منطقة الى اخرى، وخارج نظام القوافل والفنادق والمناطق السياحية المعروفة. لقد استعملت اجهزة الامن المصرية حتى الآن سلاح الطيران في مطاردة منفذي الاعتداءات اثناء لجوئهم الى حقول القصب ومزارع القطن والشمندر، والى الجبال، كما تنوي اعتماد اجراءات اكثر صرامة، كما حصل لمنفذي عملية الاعتداء على الباص السياحي التي ادت الى اصابة ثلاثة من السائحات الالمانيات، الا ان الحوادث التي تحصل منذ اكثر من ثلاثة اشهر اخذت تظهر ان ما يحصل هو اكثر بكثير من مجرد اعتداءات فردية ينفذها افراد، وهو يكاد ان يكون خطة محكمة الاعداد، تخطيطاً وتنفيذاً، لتسديد ضربة كبيرة الى ما يسميه الاصوليون احد اهم اسباب القوة للنظام في مصر. وما يؤكد على وجود مثل هذه الخطة هو اولاً البيانات التي تصدرها الجماعات الاصولية المتطرفة ويتم تسريبها الى وسائل الاعلام المحلية والعربية، واخيراً بدأ تسريبها الى وسائل الاعلام الاجنبية بقصد احداث اكبر بلبلة ممكنة في الرأي العام الاجنبي، والتشكيك بالصورة التي نجحت القاهرة في تكوينها على امتداد السنوات العشر الاخيرة لدى الرأي العام العالمي حول استقرار الاوضاع في مصر. كما يؤكد على وجودها تركز الاعتداءات على جنسيات محددة من السياح الاوروبيين والاميركيين بهدف احداث اكبر بلبلة ممكنة. وتقوم الحكومة المصرية حالياً بحملة دعائية كبرى في الخارج، ولا يوفر مسؤول مصري مناسبة الا ويستفيد منها لتأكيد محدودية الحوادث التي تحصل في مصر. كما اجرت وزارة الخارجية المصرية اتصالات ديبلوماسية بالعديد من الدول الاوروبية لطمأنتها الى سلامة الوضع الامني في البلاد، وقطع الطريق على اية تعليمات يمكن ان تلجأ الى اصدارها احدى الحكومات لحماية رعاياها من احتمالات التعرض للاعتداء. وبالفعل، وباستثناء ما لا يزيد عن 40 رحلة، تم الغاؤها، فان معظم الحجوزات السياحية الى مصر ما زالت قائمة، ويقدر وزير السياحة فؤاد سلطان حجم الرحلات المتوقعة لموسم الشتاء المقبل ورأس السنة بما لا يقل عن 1800 رحلة، مع وجود عشرات الرحلات المسجلة على لوائح الانتظار منذ اكثر من شهرين. وتخطط الحكومة المصرية لزيادة حجم الحركة السياحية الى 4 ملايين سائح في نهاية العام المقبل، والى رفع العائدات السياحية المباشرة الى 4 مليارات دولار، والى رقم مماثل للعائدات غير المباشرة، الامر الذي يجعل السياحة في مصر تحتل المرتبة الاولى بين القطاعات الاقتصادية الاكثر انتاجية في البلاد، قبل العائدات المحققة من رسوم العبور في قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج. وطبقا لتقديرات حكومية متطابقة فان خطة الجماعات المتطرفة تستهدف هدم النشاط السياحي في مصر وبالتالي حرمان الاقتصاد المصري من اكثر القطاعات نجاحاً وانتاجية في ظل الظروف الانتقالية الصعبة التي يعيشها هذا الاقتصاد حالياً، وعلى ابواب المرحلة الثانية، والاكثر دقة من برنامج الاصلاح الذي تطبقه القاهرة بالتوافق مع صندوق النقد الدولي، وما زال يحتاج الى 5 سنوات على الاقل، لتجاوز مصاعب التحول من اقتصاد حكومي بالكامل الى اقتصاد تكتفي فيه الدولة بدور الموجه والمشجع. وفي حين يواجه الاصلاح الاقتصادي عقبات تتمثل في عدم توصل الحكومة الى ضبط العجز المالي العام ضمن مستويات مقبولة، وحاجة القطاع الصناعي الى رساميل وتوظيفات هائلة لاعادة الهيكلية والقدرة على المنافسة في الاسواق العالمية، واستمرار حاجة القطاع الزراعي الى مزيد من الاستثمارات، يبدو القطاع السياحي الاكثر نمواً الزاوية في سياسة الحكومة للمحافظة على استقرار سعر الجنيه المصري، وتوفير احتياجات البلاد من العملات الصعبة، والحد من معدلات البطالة التي تصل الى 25 في المئة بحسب تقديرات دولية. لقد نجح القطاع السياحي في مصر في اجتذاب استثمارات عربية ودولية تزيد عن 3 مليارات دولار. وزاد عدد الغرف الفندقية في العام الحالي 66 الف غرفة ليرتفع حجم الطاقة الاستيعابية لهذا القطاع الى 933 الف سرير بنسبة اشغال تزيد عن 701 في المئة كمتوسط سنوي. وينظر الى كل سائح على انه يوفر 4 فرص جديدة، في حين توفر الغرفة الفندقية الواحدة 5.1 فرصة عمل. ويقدر حجم العمالة الفندقية والسياحية في مصر بأكثر من 4 ملايين شخص يحققون ما يزيد على 3 مليارات دولار سنوياً، عائدات غير مباشرة. وتتقاطع الحملة على القطاع السياحي في مصر حالياً مع دخول برنامج الاصلاح الاقتصادي مرحلته الثانية والاخيرة والتي تقوم على بيع المؤسسات والشركات التي تملكها الحكومة الى القطاع الخاص، واحتمالات تفاقم ازمة البطالة نتيجة عدم قدرة البرامج الحكومية على استيعاب العمالة الفائضة وتوفير فرص عمل جديدة لها، اضافة الى استكمال عملية تحرير الاسعار ورفع الدعم عن جميع السلع الاساسية والتعويض عنه بزيادة التقديمات الاساسية في مجالات التعليم والصحة والسكن وتوفير الخدمات الاساسية. ويجمع معظم المراقبين الاقتصاديين على ان الاقتصاد المصري الذي نجح في تجاوز الكثير من العوائق والاختلالات طوال السنوات العشر الماضية، ما زال معرضاً للانتكاس خصوصاً في ظل الاجراءات الجديدة التي تنوي الحكومة اتخاذها. ويستدل من الحملة التي قررتها الحكومة المصرية لمكافحة الاعتداءات وحماية القطاع السياحي من التعرض له، ان الاجراءات الامنية التي تنفذها اجهزة الامن باتت مرتبطة بقرار سياسي كبير اتخذته الدولة على اعلى المستويات، ومن غير المستبعد ان تزيد الدولة من اجراءاتها، في ظل هاجس عدم المسّ بحرية السائح وعدم التعرض للبرامج السياحية، ومن هذه الاجراءات نشر جزء كبير من قوى الامن بثياب مدنية في المناطق السياحية للحد من التأثيرات السلبية التي يمكن ان تؤدي اليها المظاهر العسكرية المباشرة. وكما يقول احد السياسيين المصريين، فان المعركة باتت مكشوفة: الجماعات المتطرفة لضرب الدولة في افضل انجازاتها، والحكومة لاقتلاع التطرف من جذوره بدلاً من مداراته.