يتفق المراقبون المطلعون في أبو ظبي على القول ان القمة الثالثة عشرة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت اعمالها يوم 21 كانون الأول ديسمبر الجاري، تشكل محطة مهمة لمراجعة شاملة لمسيرة مجلس التعاون الخليجي وتطوير الأداء داخل المجلس لمواجهة المتغيرات الاقليمية والدولية بالشكل الذي يؤكد وحدة المجلس وتماسكه على رغم الخلافات الثانوية بين بعض دوله وعدم تأثيرها على روح التعاون القائمة والتي يجب ان تكون مستمرة تحت كل الظروف. وتقول مصادر مطلعة ان القمة الخليجية لن تبحث في مسألة الخلاف الطارئ بين السعودية وقطر بشكل رسمي سواء حضرت قطر هذه القمة او غابت عنها، وأن هذه المسألة ستترك للحل في اتصالات مباشرة بين المسؤولين في البلدين، وذلك استناداً الى اجواء الانفراج النسبي في هذه الازمة الطارئة واللقاءات التي تمت في الفترة الاخيرة وكان آخرها استقبال الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر للأمير فيصل بن فهد الذي نقل اليه رسالة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. وتضيف المصادر ان تصوراً يسود دول المجلس بأن أية خلافات ثانوية وطارئة يجب ألا تنعكس على مسيرة المجلس. وذكرت مصادر خليجية لپ"الوسط" ان قطر "موجودة في القمة" سواء حضرت اعمالها رسمياً أو لم تحضرها. وأوضحت أن القمة الخليجية والقضايا التي تبحثها والنتائج التي سيتم التوصل اليها هي "نتاج تراكمي وكمي ونوعي للمؤتمرات السابقة ومسيرة المجلس التي مضى عليها حتى الآن 12 عاماً، والتي كان لدولة قطر مساهمات فعّالة وغنية فيها، وأن أية نتائج ستصدر عن هذه القمة ستكون ذات تأثير مهم على قطر باعتبارها جزءاً مهماً من مجلس التعاون، وأن غيابها عنه لن يدوم طويلاً". وأضافت المصادر ان قمة دول مجلس التعاون "بمن حضر" ستركز البحث على القضايا الاقليمية في ضوء التطورات التي تشهدها منطقة الخليج، وسيكون الموضوع القديم - الجديد هو الموقف من النظام العراقي الذي لا زال يشكل تهديداً خطيراً للمنطقة بعدم تنفيذه لقرارات مجلس الامن الدولي. وسيكون أمام القمة في هذا الصدد بالذات الرؤية التي توصل اليها وزراء الداخلية في الدول الأعضاء وهي استمرار العراق في تهديد الامن والاستقرار في المنطقة، من خلال تجديد ادعاءاته في الكويت. وينتظر في هذا الصدد ان تؤكد القمة وقوفها مع دولة الكويت في الاجراءات التي تتخذها للحفاظ على أمنها واستقرارها انطلاقاً من وحدة الأمن الخليجي وتعبيراً عن أن أمن الكويت مرتبط أساساً بالأمن الخليجي الموحد. وتقول مصادر ديبلوماسية ان القمة الخليجية ستؤكد في هذا الاطار مفهوم الامن الجماعي من خلال تعزيز التعاون بين الاجهزة الامنية في الدول الاعضاء وتكثيف الاتصالات وتمرير المعلومات الأساسية بشكل منتظم بين دول المجلس. وكان وزراء الداخلية أعربوا، في ختام اجتماعاتهم في 22 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في الكويت، عن قلقهم لتزايد التهديدات، وأكدوا ان المرحلة الراهنة تتطلب المزيد من التشاور بين دول المجلس تحسباً لأي طارئ. وتشير المصادر الى أن المخاطر في المنطقة بدأت بالتزايد بعد سلوك ايران في استعراض قوتها من خلال امتلاكها لأسلحة متطورة من بينها غواصة روسية من نوع "كيلو"، واستكمال احتلالها فعلياً لجزيرة أبو موسى في دولة الامارات. ولذلك يرى المراقبون ان العلاقات بين دول المجلس وإيران ستكون بين أبرز المواضيع امام القمة الخليجية. وتتوقع المصادر ان تتبنى القمة توصية بدعوة ايران الى انهاء احتلالها لجزيرتي طنب الكبرى والصغرى اللتين احتلتهما عام 1971 والالتزام بمذكرة التفاهم الخاصة بجزيرة أبو موسى لعام 1971، وحل الخلاف حول الجزر بالطرق السلمية، استناداً الى القانون الدولي أو الاحتكام الى محكمة العدل الدولية. وقالت المصادر ان قرار القمة الخليجية بشأن الجزر سيكون تجديداً وتأكيداً لقرارات وزراء الدفاع والداخلية والمجلس الوزاري في اجتماعاتهم السابقة التي اكدوا فيها دعم مجلس التعاون لمطالب دولة الامارات بشأن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى. ونددوا فيها بالاجراءات التي اتخذتها السلطات الايرانية في جزيرة أبو موسى. وأوضحت المصادر ان هذا الموقف الذي ستتبناه قمة مجلس التعاون في أبو ظبي لن يغلق الباب في وجه التعاون مع ايران باعتبارها دولة ذات تأثير مهم في المنطقة، ودائماً ستحدد شروط وأجواء هذا التعاون والتي لخصها راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية دولة الامارات رئيس المجلس الوزاري لمجلس التعاون عقب انتهاء الاجتماع الوزاري في أبو ظبي بقوله: "نحن نريد علاقات حسن جوار مع ايران مبنية على الرغبة الصادقة بالاحترام المتبادل لسيادة واستقلال دول المنطقة وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة الخليجية". ويؤكد النعيمي "ان أبواب دولة الامارات مفتوحة دائماً ورغبتها صادقة في حل المشكلة التي تتعلق باحتلال أراضٍ لدولة الامارات بالوسائل المتاحة التي يكفلها القانون الدولي والشرعية الدولية". وذكرت مصادر ديبلوماسية ان تناول القمة للعلاقات مع ايران سيكون على صلة ببحث موضوع اعلان دمشق والتأكيد على العلاقات المتميزة مع مصر وسورية. وأوضحت ان القمة ستتبنى في هذا الصدد نتائج اجتماع الدوحة في ايلول سبتمبر الماضي الذي حضره وزراء خارجية الدول الثماني الموقعة على الاعلان والذي حدد أسس التعاون بين هذه الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وترك مسائل التعاون العسكري بين هذه الدول على أسس ثنائية. وأشار مصدر خليجي الى ان هذه الصيغة للتعاون بين دول اعلان دمشق ستخفف من حساسية إيران تجاه أي دور مصري في المنطقة، ويعطي مرونة واضحة لدول مجلس التعاون في تحقيق امنها والمحافظة على التوازنات القائمة حالياً في المنطقة، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها. وأضافت المصادر ان القمة ستركز في هذا الاطار على بناء قوتها الذاتية وتطوير التعاون العسكري والأمني بين دولها وذلك في ضوء تجربة حرب الخليج الاخيرة. وتفيد المصادر المطلعة ان العلاقات العربية - العربية ستحظى باهتمام خاص في هذه القمة وسيتم دراسة جميع التحركات التي جرت خلال الفترة الماضية لتصحيح هذه العلاقات وانهاء الخلافات التي خلفتها حرب الخليج ومن بينها الجهود التي قام بها الملك الحسن الثاني. وأوضحت مصادر ديبلوماسية مطلعة ان دول المجلس ستؤكد تمسكها بالتضامن العربي الجاد والعمل العربي المشترك المبني على تضامن حقيقي وفاعل يقوم على مطابقة القول بالفعل والشعار بالممارسة الفعلية. وستؤكد القمة الخليجية تأييدها للمفاوض العربي واستمرار محادثات السلام العربية - الاسرائيلية بما يؤدي الى استعادة الحقوق والأراضي العربية المحتلة، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية بما فيها حقه في اقامة دولته المستقلة على أساس قراري مجلس الامن الدولي الرقم 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام. كما ستؤكد دول المجلس ان مساهمتها في المحادثات المتعددة الأطراف تأتي اسهاماً منها في تحقيق تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة تحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وترسي دعائم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة. وتشير المصادر الى ان قادة دول المجلس سيجرون تقييماً شاملاً لمختلف التطورات والتغييرات التي شهدتها الساحة الدولية واتخاذ موقف موحد من النزاعات المتفجرة التي تمس الوضع العربي والاسلامي، خصوصاً الوضع في البوسنة والهرسك، وقالت ان دول مجلس التعاون ستؤكد بشكل جماعي مواقفها المعروفة من هذه القضايا، خصوصاً لجهة تأييد الجهود الدولية لوضع حد للقتال بين الفصائل الصومالية وانقاذ الشعب الصومالي من المجاعة، خصوصاً ان دولتين من دول المجلس هما السعودية والامارات، اعلنتا مشاركتهما بقوات عسكرية في الجهود التي ترعاها الأممالمتحدة في الصومال. كما ستؤكد دول المجلس دعوتها للتدخل العسكري في البوسنة والهرسك، على غرار التدخل في الصومال، لوقف المذبحة التي يتعرض لها الشعب البوسني وعملية التطهير العرقي التي تهدد بفناء الشعب البوسني والقضاء على استقلال هذه الجمهورية الاسلامية. وذكرت المصادر ان القمة الخليجية التي ستعقد قبل شهر تقريباً من تسلم الرئيس الاميركي المنتخب بيل كلينتون لمقاليد السلطة في بلاده سيكون امامها فرصة مهمة لبحث العلاقات الخليجية مع الادارة الاميركية الجديدة وتأكيد التعاون معها بما يحقق استمرار الامن والاستقرار في المنطقة. وأضافت المصادر ان القمة الخليجية سيكون امامها الكثير من القضايا الاقتصادية التي تعزز مسيرة مجلس التعاون التي تشكل قوة اقتصادية مهمة، بما يؤهلها للتعاون مع التكتلات الاقتصادية العالمية. وتتركز القضايا التي تبحثها القمة حول وضع التعرفة الجمركية الموحدة لدول المجلس تجاه العالم الخارجي والتي تشكل المدخل الفعلي للمباحثات التجارية مع الدول الاخرى، ووضع ثبت مشترك للعملات الخليجية والإطلاع على سير تنفيذ احكام الاتفاقية الموحدة لدول المجلس في ضوء البرنامج الزمني الذي حددته القمة الاخيرة لتنفيذ بنود هذه الاتفاقية. ويتوقع ان يصدر عن القمة الخليجية الثالثة عشرة في ختام أعمالها "إعلان أبو ظبي" الذي حدد موقف دول مجلس التعاون من مختلف القضايا الاقليمية والعربية والدولية ويرسي توجهاتها المستقبلية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاستراتيجية.