خلال الاشهر القليلة الماضية، وبالتحديد بعد انفجار ازمة جزيرة ابو موسى بين ايران ودولة الامارات العربية المتحدة وما صار يعرف بأزمة الجزر الثلاث ابو موسى وطنب الصغرى والكبرى بدأ الحرس الثوري الايراني يستعيد بريقه الذي اكتسبه خلال سنوات الحرب العراقية - الايرانية يوم كانت فصائله تشن العمليات العسكرية الكبيرة وبأساليب اثارت انتباه الخبراء والمسؤولين العسكريين في دول عدة. ومنذ ايلول سبتمبر الماضي بدأت الانباء المتعلقة بالحرس الثوري باسداران انقلاب تبرز على الواجهة السياسية والاعلامية الايرانية من خلال حجم المناورات العسكرية التي تجريها قواته في البر والبحر، خصوصاً في المنطقة التي تقع قبالة الخليج وبحر عمان حيث شهدت تلك المنطقة مناورات "خيبر" و"ظفر" و"نصر" و"الشهامة" على مراحل مختلفة، وهي مناورات هدفت الى ابراز القوة العسكرية لقوات الحرس الثوري واعادة الجاهزية له "والبقاء على اهبة الاستعداد امام اي طارئ" تتوقعه ايران، كما ورد في البيانات التي صدرت حول المناورات. وكما اشار تقرير خاص حصلت عليه "الوسط" ونشرته في العدد الرقم 38 حول التحديات والاخطار التي تواجهها ايران، فقد جاء في تصريحات وردت على لسان قائد الحرس الثوري اللواء باسدار محسن رضائي، ان لقوات التعبئة - وهي جزء من الحرس الثوري - دوراً كبيراً واساسياً في صد الاخطار التي تواجهها الثورة في ايران على غرار ما فعلت عامي 1979 - 1980، وهي الفترة الحرجة التي شهدت نشاطات مسلحة داخلية قبل ان يشن العراق حربه في ايلول سبتمبر 1980، ضمن مخطط قالت ايران انه "كان يستهدف القضاء على ثورتها الفتية او اقلمتها". وبعد توقف الحرب مع العراق تضاءل دور الحرس الثوري في اطار مساعي الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني لتعديل الطابع "الثوري" الحاد للنظام ورغبته في التعايش مع النظام الدولي. لكن في الفترة الاخيرة بدأ الحرس الثوري الايراني يستعيد دوره ونشاطه وها هو يدخل مرحلة جديدة في مساره عبر الخريطة السياسية والعسكرية الايرانية. في كانون الثاني يناير الماضي خاطب الرئيس رفسنجاني، الذي كان يمني نفسه بالانسجام مع مفردات النظام الدولي الجديد، قادة الحرس الثوري الذين عقدوا مؤتمراً لبحث دور المؤسسة العسكرية الثورية في مرحلة الاعمار واعادة البناء بقوله ان الحرس الثوري يدخل، في تلك الايام، "مرحلة ثالثة" من عمره سماها رفسنجاني "مرحلة الاعمار" او "المرحلة الاقتصادية". ووفقاً لرفسنجاني تشكل "المقاومة امام الاخطار الداخلية" المرحلة الاولى من عمر الحرس الثوري بينما شكلت الحرب مع العراق المرحلة الثانية. اما مرحلة اعادة البناء والاعمار، وهي الثالثة، فتوجب على قوات الحرس القيام "بوظائف كبيرة تعكس مشاركتها في البرامج الاقتصادية ومشاريع الاعمار الرئيسية" على حد قول الرئيس الايراني. لذلك عهد الحكم الى الحرس الثوري بمهمة انشاء السدود الضخمة، وعلى رأسها مشروع "سد كارون" الذي من المتوقع ان يساهم بشكل بارز في تحسين الاوضاع الاقتصادية اضافة الى مشروع سكة الحديد "سرخس" وهو من المشاريع الضخمة لربط ايران بجمهوريات آسيا الوسطى وبمياه الخليج عبر شبكة مواصلات تعجل في تطوير البرامج الاقتصادية. ومنذ ذلك التاريخ اخذت طهران والمدن الرئيسية تعرف شركات هندسية تابعة لمؤسسة الحرس الثوري، واخذ الهمس يرتفع من داخل المؤسسة الثورية عن خطة ترمي الى تطبيع الحرس الثوري مع الجيش من خلال منح رجالاته الرتب العسكرية على غرار ما هو معمول به في الجيش النظامي. الاحتفال الكبير لكن خلال الاشهر الثلاثة الماضية اخذ الحرس الثوري يستعيد دوره السابق فقامت قواته بمناورات عسكرية برية وبحرية وأجرت عروضاً عسكرية كبيرة في طهران والمدن الايرانية الرئيسية. ويوم 26 تشرين الثاني نوفمبر الماضي اقام الحرس الثوري - الذي يسميه البعض "جيش الشعب" - احتفالاً لا سابق له في ملعب كرة القدم الرئيسي في طهران حضره نحو 100 الف من افراده واطلقت خلاله هتافات مؤيدة لمرشد الثورة علي خامنئي. وجاء افراد الحرس الثوري الى مكان الاحتفال في مئات الحافلات باللباس العسكري او المدني وهم يلفون جباههم بالعصابة التقليدية الحمراء او الخضراء وشارك هؤلاء في سلسلة من الاستعراضات العسكرية و الرياضية. وكانت تلك المرة الاولى منذ نهاية الحرب التي يجتمع فيها مثل هذا الحشد من الحرس الثوري في العاصمة الايرانية. ويقول المراقبون انها ايضاً المرة الاولى التي يقام فيها حفل بهذه الضخامة على رغم سياسة التقشف التي اتبعتها ايران منذ انتهاء الحرب مع العراق. وشكل هذا التجمع ذروة الاحتفالات التي استمرت اسبوعاً على شكل تدريبات قام بها افراد الحرس الثوري في المدن الرئيسية وشارك فيها مليون ونصف مليون من المتطوعين وهدفت الى اختبار قدرات الحراس على الانتشار في شوارع المدن في حال قيام تظاهرات او حدوث ازمة تهدد النظام. والقى رفسنجاني في المناسبة كلمة مقتضبة اعلن فيها "ان الحرس الثوري سيعيدون تنظيم صفوفهم ليصبحوا جيش الاحتياط في زمن الحرب كما في زمن السلم". اما قائد قوات الحرس محسن رضائي فقال ان اعادة التنظيم هذه يجب ان تجعل من الحرس "جيشاً مستقلاً تماماً" يضاف الى الجيش النظامي والى قوات الامن. ورأى المحللون ان هذه القوة الجديدة القادرة عملياً على تحريك مئات الآلاف من المتطوعين الملتفين حول نواة صلبة من "المحترفين" من شأنها ان تشكل الحاجز الرئيسي الذي يحمي النظام في حال وقوع اضطرابات اجتماعية او سياسية، كما حصل في اضطرابات مشهد شمال شرقي البلاد في ايار مايو الماضي التي لم يكن بالامكان قمعها لولا تدخل حراس الثورة. وقد فتح مجلس الشورى الايراني الشهر الماضي الطريق امام انشاء هذا الجيش الجديد حين منح الحرس الثوري الحصانة نفسها التي تتمتع بها قوات الامن. وقد لفت انتباه المراقبين الكلام الذي قاله رفسنجاني خلال هذا الاحتفال الكبير، اذ بدا وكأن الرئيس الايراني يتبنى، مجدداً، "الشعارات الثورية" التي يشكل الحرس ابرز تجسيد لها. والواقع ان رفسنجاني يسعى، منذ بضع سنوات، الى انهاء "استقلالية" الحرس الثوري ودمجه بالجيش النظامي، وتعيين جنرالات عسكريين من الجيش في مواقع قيادية عليا في الحرس وتوزيع الرتب على افراده واشراك المؤسسة الثورية في مشاريع اقتصادية. لكن قادة الحرس الثوري ردوا على محاولات رفسنجاني هذه بأن لجأوا في مطلع الصيف الماضي الى مرشد الثورة خامنئي وطلبوا منه ان يعيد اليهم "دورهم الثوري". وهذا ما حدث، مما دفع رفسنجاني الى "الانسجام والتكيف" معپالدور المتجدد للحرس فخاطب قادتهم خلال الاحتفال الكبير في طهران قائلاً: "الايديولوجية التعبوية تضمن بقاء واستمرار الثورة الاسلامية". ودعا رفسنجاني الى الحفاظ على نهج الفكر التعبوي، وقبل 3 اسابيع من هذا الخطاب تحدث رفسنجاني عن اهمية الاستعداد للحرب اذ دعا في 3 تشرين الثاني نوفمبر الماضي قواته المسلحة وقوات تعبئة الحرس الثوري الى الاستعداد ولزوم الحيطة في جميع الاحوال. وقال في حشد من مقاتلي التعبئة ان حكومته تسعى الى تجنب وقوع حرب جديدة "لكن ذلك يجب الا يمنع من الاستعداد الكافي والتهيؤ للحرب اذا وقعت". ويسود القيادات الايرانية المختلفة اعتقاد بأن ايران تواجه مرحلة شبيهة بتلك الايام التي مرت على الثورة الاسلامية بعد انتصارها. وقد ذهب القائد العام للحرس محسن رضائي الى اكثر من ذلك حين قال "ان انهيار الحركة الدستورية المشروطة عام 1906 وفشل حركة مصدق لتأميم النفط عام 1953 كانا بسبب فقدان القوة الشعبية المساندة". قوات الحرس الثوري الحرس الثوري انشأه الخميني بعد اسابيع قليلة من عودته الى طهران في شباط فبراير 1979. وكانت نواة الحرس تشكلت بالفعل في الايام الاولى لانتصار الثورة يوم كانت اللجان الثورية تنتشر في شوارع العاصمة والمدن لضبط الأمن والقبض على رؤوس النظام السابق. ويقدر حجم القوة العسكرية للحرس الثوري اليوم بأكثر من نصف مليون بينهم عدد من المتطوعين الذين تتوقع بعض الاوساط وصول عددهم الى نصف مليون ايضاً، في ضوء الخطة الجديدة التي ستنفذها قيادة الحرس. وتتكون قوات الحرس الثوري من الآتي: 1 - القوات البرية بقيادة العميد مصطفى إيزدي، وتتألف هذه من اربعة فيالق اهمها فيلق خوزستان الذي "انجب" كبار قادة الحرس وهو يضم اربع فرق وكتائب خاصة مزودة بأحدث الاسلحة و8 الوية دروع ولواء صاروخياً مزوداً بصواريخ سام 6 وصواريخ ارض - ارض وسطح - سطح وأرض - جو اخرى. 2 - القوات الجوية وهي لم تكن فعالة بسبب النقص في الطائرات، لكنها تمكنت من تدريب اكثر من الفين من الطيارين والفنيين وعناصر الدفاع الجوي، وقد تم تزويدها اخيراً بطائرات من طراز ميغ 29 وسوخوي الروسية، اضافة الى طائرات ميغ 23 وثلاثة اسراب من طائرات من نوع شينانيغ اف 6 الصينية وبلاتوز السويسرية وطائرات عمودية من طراز سيكو رسكي وبيل 212 و214 وكوبرا. وشاركت القوات الجوية في مناورات ظفر وخيبر. وتفيد بعض المعلومات ان العميد ستاري قائد القوة الجوية الايرانية توصل، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي الى عقد اتفاق مع موسكو يقضي بتزويد الحرس الثوري بپ300 طائرة حربية على مدى خمس سنوات. وتمتلك القوة الجوية للحرس صلاحيات واسعة في شراء التكنولوجيا العسكرية اللازمة لتطويرها. القواعد البحرية 3 - القوات البحرية للحرس الثوري يقودها الاميرال العربي علي شمخاني الذي كان واحداً من مجموعة صغيرة تضم القائد العام للحرس الثوري محسن رضائي وتعمل في منطقة خوزستان ضد نظام الشاه. ويحظى شمخاني باهتمام كبير من خامنئي نظراً الى ماضيه ومشاركته الفعالة مع محسن رضائي في الحرب ضد العراق. وقد اهتم شمخاني ونائبه الاميرال عباس محتاج بتطوير القدرات العسكرية للبحرية الايرانية التي دمجت معها بحرية الحرس الثوري في خطة التطبيع التي شملت ايضاً القوات الجوية. كما تمكن شمخاني من اعادة العديد من كبار الضباط الى الخدمة كمستشارين، الامر الذي مكّنه من اجراء مناورات حملت اسم "الصاعقة - 2" في مضيق هرمز. واضافة الى الغواصة الروسية كيلو المثيرة للجدل والتي حصلت عليها ايران أخيراً تملك البحرية الايرانية ثلاث فرقاطات صاروخية من طراز فوسبر - 5 البريطانية الصنع والمزودة بنظام صاروخي متطور، ومدمرة تسمى دماوند مسلحة بصواريخ مضادة للطائرات، ومدمرتين صاروخيتين مزودتين بصواريخ سطح - جو و5 غواصات صغيرة انتجت محلياً، وعدداً من سفن الانزال والاسناد، واكثر من 20 حوامة و80 زورقاً تستخدم للاستطلاع و300 زورق سريع من انتاج السويد والصين وبعضها من انتاج ايراني. وتضم البحرية الايرانية اكثر من 70 الفاً من الضباط والجنود والفنيين. وهي مزودة بوحدات جوية خاصة مجهزة بأنظمة صاروخية متطورة اثبتت كفاءة في عملية الاستيلاء على شبه جزيرة الفاو اثناء الحرب مع العراق، وتتخذ من القواعد الآتية مقراً رئيسياً لها: قاعدة بندر عباس وتتولى الدفاع عن مضيق هرمز والجزر الايرانية. قاعدة بوشهر. قاعدة جاه بهار التي استضافت أخيراً الغواصة الروسية كيلو. قاعدة انزلي على بحر قزوين. قاعدة عبادان. قاعدة خرمشهر. قاعدة جزيرة ابو موسى. قاعدة خارك. قاعدة لارك. قاعدة قشم وكيش لاوان وكناوه. قاعدة نوشهر. قاعدة شرف خان. واطلقت ايران اسم "طارق 901" على الغواصة الروسية كيلو التي وصلت الشهر الماضي، وهي واحدة من ثلاث غواصات اشترتها ايران من روسيا. طول الغواصة 73 متراً وعرضها 10 امتار وزنتها نحو 2450 طناً وعدد افراد طاقمها 52 شخصاً وهي مزودة بتجهيزات كاملة واسلحة متطورة لخوض حرب بحرية بحيث يمكنها ضرب الطائرات من تحت سطح الماء. قوات المعارضة العراقية 4 - القوات الخاصة وتشمل وحدات الاستخبارات والعمليات التي تدار خارج ايران وكان يشرف عليها عضو اللجنة القيادية المركزية كريم يور، ومن مهماتها جمع المعلومات عن "نشاطات اعداء الثورة" و"الانظمة المعادية لايران" اضافة الى اغتيال العناصر الخطرة التي تشكل تهديداً للنظام. ويضم الحرس الثوري فيلق 9 بدر العراقي المعارض، ويقوده العميد شمس، ويضم ما يقرب من عشرين الفاً من قوات المعارضة العراقية المسلحة. وتوجد ايضاً قوات القدس التي يقودها العميد وحيدي وهي مرشحة لان تصبح فيلقاً يهتم بدعم الحركات الاسلامية خارج ايران، بعد ان حلت القيادة الايرانية مكتب حركات التحرر الذي أسسه وأشرف عليه سيد مهدي الهاشمي شقيق صهر آية الله منتظري والذي تم اعدامه قبل عزل منتظري من خلافة الخميني. وقد تناوب على قيادة الحرس الثوري، مرتظى رضائي ومن ثم عباس زماني "ابو شريف" الموجود حالياً في باكستان ويعمل مع الحزب الاسلامي الافغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار، واخيراً اللواء باسدار محسن رضائي المعروف بولائه لمرشد الثورة خامنئي وتأييده للرئيس هاشمي رفسنجاني. هل سيلعب الحرس الثوري دوراً داخلياً لحماية النظام أم سيلعب، ايضاً، دوراً خارجياً، كما كان الحال في سنوات الحرب مع العراق عندما كان يسعى الى تصدير الثورة الايرانية الى الخارج؟ المراقبون المطلعون في طهران يقولون ان الحرس الثوري مرشح للعب دور داخلي ودور خارجي، لكن في اطار توجهات وتعليمات القيادة الايرانية، خصوصاً رفسنجاني وخامنئي. والدور الخارجي متوقف على طبيعة العلاقة بين ايران والدول الاخرى، العربية منها وغير العربية، في المرحلة المقبلة. والامر الاكيد الوحيد هو ان الحرس الثوري الايراني اصبح مجدداً، وبقوة، طرفاً اساسياً في اللعبة السياسية الايرانية.