تستقطب دولة الامارات العربية المتحدة هذا الشهر الاهتمام الخليجي والعربي وذلك بداية باحتفالها بالذكرى الحادية والعشرين لانشائها، وانتهاء بانعقاد القمة الخليجية الثالثة عشرة في أبو ظبي يوم 21 كانون الأول ديسمبر الجاري. ففي الثاني من الشهر الجاري احتفلت الامارات بعيدها الوطني، وأكد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة الثوابت الراسخة التي يقوم عليها هذا الاتحاد وتعزيز المكتسبات والانجازات التي تحققت خلال هذه المسيرة. كما أكد أهمية مجلس التعاون في اطار العمل الخليجي المشترك. وأشار الشيخ زايد الى استمرار العمل مع حكام الامارات الآخرين الأعضاء في الاتحاد على تقوية الاتحاد وترسيخ قواعده وتصحيح مسيرته كلما دعت الحاجة. ومن هذا المنطلق كان حرص الامارات على التمسك بكل قطعة من جزر الامارات وأرضها، وممارسة هذا الحرص بقوة وصلابة ومرونة سياسية مع ايران لاستعادة السيادة الكاملة على جزرها طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التي احتلتها ايران عام 1971، واستكملت احتلالها لجزيرة أبو موسى العام الحالي. ويؤكد حمدان بن زايد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الامارات الذي يمسك ملف الجزر ان دولة الامارات لا يمكن ان تتهاون أو تتنازل عن أي حق من حقوق شعبها، لكنها تقبل بأي حكم في قضية الجزر تصدره محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن الدولي استناداً الى القوانين والمواثيق الدولية. وتعرب الامارات عن رغبتها في تحرك الأممالمتحدة لايجاد تسوية سلمية وشاملة للنزاع حول الجزر، وضمن هذا الاتجاه بعث وزير الخارجية راشد عبدالله رسالة الى الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة حول قضية الجزر. ولاحظ المراقبون ان تطورات الوضع مع ايران بشأن الجزر وتطورات أخرى في منطقة الخليج أثرت على احتفالات الامارات بعيدها الوطني الحالي، حيث اختفى من برنامجها بهذه الاحتفالات اقامة عرض عسكري تشارك فيه جميع فروع القوات المسلحة بعد ان كان مثل هذا العرض يشكل العمود الفقري في احتفالاتها السنوية بالعيد الوطني باستثناء أوقات الازمات الاخيرة التي شهدتها المنطقة. وتقول مصادر ديبلوماسية ان الامارات بتخليها هذا العام عن اقامة عرض عسكري هدفت الى تخفيف أجواء التوتر السائدة في المنطقة، خصوصاً مع ايران بشأن الجزر. واستقبلت الامارات عدداً من قادة الجيوش في الدول الغربية، وكان آخر زوارها باسكيل دانيكين قائد القوات الجوية الروسية. وعلى الصعيد المحلي أيضاً تدرك القيادة السياسية في الامارات أن تعزيز المشاركة الشعبية في بناء الاتحاد يشكل الدعامة الأساسية في قوتها وتماسكها، لذلك كان التوجه خلال الأيام الماضية واضحاً وقوياً نحو اعادة مسيرة المجلس الوطني الاتحادي من جديد بعد ان تجمدت لأكثر من عام، وذلك ترسيخاً لدور هذا المجلس الذي انشئ عام 1972 وكان من أبرز المجالس التشريعية أو مجالس الشورى في المنطقة التي تجسدت الآن حقيقة واقعة في معظم دول مجلس التعاون. وتتوقع مصادر سياسية أن يصدر الشيخ زايد في غضون أيام مرسوماً اتحادياً باعادة تشكيل المجلس الوطني ودعوته للانعقاد، بهدف توسيع المشاركة الشعبية في تحمل المسؤوليات. وبمقدار ما تدرك الامارات أهمية تعزيز مسيرتها الاتحادية بمقدار ذلك تدرك ان مسيرة التعاون الخليجي تشكل الحلقة الأوسع في قوتها، ولذلك كانت استضافتها للقمة التأسيسية لمجلس التعاون عام 1981، وهي اليوم تتحمل مسؤولية توفير كل أسباب النجاح للقمة الخليجية الثالثة عشرة. وتبرز في هذا الاطار بشكل واضح أهمية مشاركة دولة قطر في أعمال القمة المقبلة، بعد ان قاطعت جميع الاجتماعات الوزارية التمهيدية لهذه القمة. ويؤكد الشيخ حمدان بن زايد وزير الدولة للشؤون الخارجية حرص الامارات على حضور الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير قطر القمة الخليجية. وأضاف: "استبعد غياب قطر عن هذه القمة". وذكر ان مشاركة قطر في القمة المقبلة "دليل ثابت وبرهان أكيد على تماسك دول مجلس التعاون ووحدتها". وأعرب عن شكه في ان تفكر قطر في تعليق عضويتها في مجلس التعاون أو الخروج منه، مستبعداً ذلك كلياً، ومؤكداً ان ما يربط بين دول المجلس لا يمكن لأي خلاف ان يزعزعه، ولا يمكن لأي جهة "ان تدخل طرفاً بين الأشقاء لتباعد بينهم". وقد وجه الشيخ زايد دعوة رسمية الى أمير قطر لحضور القمة، وحرص الشيخ زايد على أن يحمل هذه الدعوة أحمد خليفة السويدي ممثله الشخصي الذي قام بمهمة وساطة بين المملكة العربية السعودية وقطر لحل الخلاف الطارئ بينهما. ويسود الأوساط السياسية والديبلوماسية في أبو ظبي شعور بالتفاؤل حول مشاركة قطر في القمة الخليجية، وذلك في أعقاب المؤشرات الايجابية التي تركها استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز للسيد حمد بن جابر آل ثاني وزير خارجية قطر اثناء مشاركته في أعمال المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية الدول الاسلامية في جدة أخيراً، وعقب تصريحات لمسؤولين قطريين عن قرب انفراج الازمة. وفي حال المشاركة القطرية في القمة ستعتبر أبو ظبي ذلك انجازاً مهماً وبداية جديدة لمجلس التعاون تترك تأثيرات ايجابية على صعيد العمل الخليجي المشترك. وفي اطار السياسة الواحدة للإمارات يؤكد الشيخ زايد الترابط القوي بين الاوضاع المحلية والوضع العربي العام ويرى ان الاحتفال بالعيد الوطني والانجازات التي حققتها الامارات تدعو الى التمعن في الوضع العربي والاسلامي الراهن الذي "لم يسبق له مثيل من التدني والتردي" على رغم ما تواجهه الأمة العربية والاسلامية من تحديات وأطماع تحيط بها من كل جانب. ويدعو الشيخ زايد الى صحوة عربية واسلامية نظراً الى ما تجتازه الأمة العربية والإسلامية في الظروف الراهنة. ووضع الشيخ زايد يده على سبب العلة وقال انه مما ساهم في تكريس الواقع المؤلم على الساحة العربية والاسلامية والذي يدعو الى القلق ويتطلب مراجعة أمينة للمواقف، هو تلاعب البعض وعبثه بمقدرات الشعوب وإضراره بمصالح أمته.