سجلت قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي انعقدت في أبو ظبي أخيراً، محطة جديدة في مسيرة التطور العربي الخليجي، وهي القمة الحادية والثلاثون في عمر مجلس التعاون التي تسلم أمانتها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، من الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت التي كانت صاحبة الدور السابق لانعقاد القمة الخليجية، بحيث يكون للعاصمة أبو ظبي دور رعاية القمة وشؤونها، طوال العام المقبل بانتظار دورة الانعقاد الجديدة عام 2011 في الرياض. والحرص الذي أبداه القادة الخليجيون على عقد القمة خلال الأسبوع الأول من الشهر الثاني عشر، للعام 2010، بينما كانت تنعقد عادة خلال الأيام العشرة الأخيرة من العام، يعود بالطبع الى الظروف الإقليمية والدولية التي رافقت الانعقاد، كما يعود الى اعتبارات داخلية. المشاورات التمهيدية على صعيد مؤتمر وزراء الخارجية وزملائهم في المالية والدفاع، جاءت غنيّة بالدراسات والاقتراحات التي رفعت الى القمة، بتحضير من قبل الأمانة العامة للمجلس ممثلة بالأمين العام الدكتور عبدالرحمن بن حمد العطية الذي انتهت ولايته الناجحة على غرار زميليه السابقين الدكتور عبدالله بشارة والشيخ جميل الحجيلان، بانتظار أن يتسلم الأمين العام الجديد لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف راشد الزياني مهامه رسمياً في أوائل شهر نيسان إبريل المقبل. لقد نشأ"مجلس التعاون لدول الخليج العربية"عام 1981 إثر مبادرة سعودية تمثلت في جولة للمغفور له الملك خالد بن عبدالعزيز مع وليّ عهده آنذاك المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز، على العواصم الخليجية مسقطوالكويت والدوحة والمنامة وأبو ظبي، حيث بحث مع قادتها أهمية بلورة العمل الخليجي المشترك للدفاع عن البلدان الست، لا سيما بعد التغيرات التي حصلت في إيران مع سقوط نظام الشاه، وقيام الجمهورية الإسلامية. أما صيغة العمل التعاونية، فكانت قريبة من المطامح المصيرية المشتركة، ولا تتناقض مع شعارات الاتحاد والوحدة التي يطمح اليها العرب تاريخياً، وهي صيغة مرنة أمكن التركيز فيها على مراعاة حساسيات في المنطقة، سواء تجاه إيران وأهدافها البعيدة، أو تجاه الدول الغربية والشرقية على السواء، حيث يمثل الخليج نقطة اهتمام كبرى في مخططاتها الاستراتيجية، الدفاعية والتجارية والاستثمارية، بمعزل عن أيّ توقف أجنبي مهمّ عند الثقافة العربية والحضارة القديمة التي يملكها العرب قبل أن يمتلكوا النفط والغاز والمعادن، في موازاة التعامل بين الأممالمتحدة ومجلس الأمن على الأخص، والعالم العربي والإسلامي، على قواعد معنوية تجمع بين البشر، وتتسم بإيجاد الحلول السلمية المشرفة في الشرق الأوسط، أو في بقية مناطق العالم. المتابعة المتأنية لمسيرة مجلس التعاون الخليجي منذ العام 1981 وحتى اليوم، لا تنطوي على تعقيدات وإشكالات بالغة الصعوبة، مع الجهود التي بذلتها الدول الخليجية لمحو آثار الحكم الأجنبي ونفوذه، في رسم الحدود أحياناً بطريقة"مشبوهة". لكن الأهم، في النظر الى القمم الخليجية ومقرراتها، هو التوقف عند بعض الأسئلة والمعطيات، ومنها: أولاً: أين صارت العلاقات الخليجية ? الخليجية في مجالات التملّك المتبادل بين دولة خليجية وأخرى، أو توحيد العملة، أو جوازات السفر للتنقل الطبيعي دون قيود ضرائبية أو إدارية، أو الدفاع المشترك، من خلال تقوية مشروع درع الجزيرة، أو الخطوات الحاصلة عملياً لحل العوائق التي تحول دون بلوغ هذه الأهداف التي حقق مجلس التعاون الكثير منها، ومهّد أيضاً لتحقيق ما تبقى. ثانياً: ان التركيز على مقررات قمة أبو ظبي، وفقاً لما ورد في بيان القمة الختامي، وهو بيان شامل، واسع النظرة في التطلع الى المستقبل، هذا التركيز يدل على الاهتمام بقضايا المنطقة والعالم، من خلال التركيز على الأمن ومكافحة الإرهاب، ودعم السلطة الفلسطينية لإقامة الدولة المستقلة، ورفض تهويد القدس، ومطالبة المجتمع الدولي بمزيد من التحرك لدعم قضية السلام. وعلى الصعيد العملي، فمن الضروري التوقف عند إشادة المجلس بتنظيم البحرين الدورة الأولمبية للألعاب الرياضية لدول مجلس التعاون في 16 نيسان إبريل عام 2011. وعلى الصعيد الرياضي كذلك، حرصت القمة على تهنئة قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. لكن التهنئة الكبيرة من القمة جاءت لسلطنة عمان بعيدها الوطني الأربعين لتسلم السلطان قابوس مقاليد الحكم، لا سيما من ناحية الإنجازات التي تحققت في عهده، والتي أهّلت السلطنة للحصول على المركز الأول على مستوى العالم في سرعة معدل التنمية البشرية بين 135 دولة. ثالثاً: وإذا كانت هذه الإنجازات تبدو طبيعية على ضوء طموحات القادة وإمكانات بلدانهم، فقد جاءت المقترحات السعودية حول تسريع الأداء وإزالة العقبات من أمام مسيرة العمل المشترك، وكذلك ورقة الكويت لتؤكد أن الدول الخليجية"لا تكتفي"بإنجازاتها بل تصر على مواصلتها. لكن عبر هذه الرؤيا تطل بواعث القلق الأمني والتعاون العسكري، سعياً لتقوية درع الجزيرة، مع تطوير المشاريع العسكرية المتعلقة بالاتصالات وحزام التعاون. ولأن كل إصلاح مجدّ ينطلق من مبادرات قوية لا يستطيع المرء تحقيقها إذا لم يتمتع بحقوقه كافة، جاء إنشاء مكتب حقوق الإنسان لمجلس التعاون ضمن جهاز الأمانة العامة تنفيذاً لما ورد في رؤية البحرين، مؤشراً على ما حققته دول المجلس من إنجازات على هذا الصعيد من دون إغفال مشروع استراتيجية العمل الإعلامي المشترك لدول المجلس للسنوات العشر المقبلة، إضافة الى توصيات بتوحيد جهود الدول الأعضاء في مجال الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية، وهذه مواضيع مصيرية كبرى على المجلس الاهتمام بها وتظهيرها على أسس إبداعية. وعلى رغم التفاؤل الذي طبع القمة الخليجية الأخيرة بشكل عام، ظلت العلاقات بين دول المجلس وإيران، تشكل الهاجس الحقيقي لضرورة إقامة علاقات حسن الجوار والتعاون بين الجانبين. وفي هذا السياق تبقى أزمة الجزر الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، عقبة صعبة الحل، ما دامت إيران تتجاهل المطالب العربية المتعلقة بها وهي حق السيادة للإمارات على هذه الجزر وعلى مياهها الإقليمية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد عبرت القمة عن الأسف لعدم إحراز الاتصالات مع إيران أي نتائج إيجابية لحل قضية الجزر، ودعت إيران للاستجابة لمساعي الإمارات لحلّ القضية من طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء الى محكمة العدل الدولية. والمؤكد، في ما لم تعلنه القمة، ان احتمال وقوع أيّ نزاع عسكري بين الولاياتالمتحدةوإيران، بسبب الموضوع النووي الإيراني سيكون للجزر العربية وزن فيه نظراً الى موقعها في الخليج. ولعل المفهوم الحضاري العربي الذي لا يغيب عن سياسة مجلس التعاون، يسمح بوثبة متجددة خارجياً، لتذكير العالم، أو إعلامه، بأن العروبة تراث إنساني يشتمل على أهم القيم والمبادئ التي يدافع عنها العالم، ومن خلال هذا التراث انطلقت المقاييس اللاطائفية واللاعنصرية، القادرة على جمع أهل النيّات الحسنة والوعي السليم والمصير الإنساني الأفضل، شرط أن تدرك الدول الكبرى ذلك، من خلال الإمكانات المتوافرة لدى العرب خصوصاً لدى دول مجلس التعاون القائمة على أرض الجزيرة العربية وما قدمته تاريخياً للإنسانية. * كاتب لبناني مقيم في باريس