فجأة ومن دون مقدمات وكما تعودنا، هددت هيئة الاتصالات الموقرة بحجب تطبيقات"الواتساب والفايبر والسكايب"ومن على شاكلتها إذا لم تستجب الشركات المطورة لهذه البرامج لفرض الأنظمة المحلية، وعلى رغم دخول مئات تطبيقات الاتصال عن طريق"الإنترنت"تحت مسمى"على شاكلتها"، لكن يبدو اختيار البرامج الثلاثة الآنفة الذكر بسبب شعبيتها ورواجها في السعودية، إذ تأتي السعودية في المرتبة الثانية عالمياً بعد الإمارات في استخدام الهواتف الذكية - 06 في المئة من السكان يملكون هواتف ذكية متصلة ب"الإنترنت"- وعلى رغم ضبابية عبارة"الأنظمة المحلية"المطلوب من الشركات المطورة تطبيقها، لكن الهيئة عادت وفسرت أن سبب الحجب المحتمل عائد لكون التواصل عبر هذه التطبيقات مشفراً ما يمنع مراقبتها. من غير الواضح هنا موقع هيئة الاتصالات من الإعراب، فليس من صلاحياتها مراقبة الاتصالات، فهي كما يعرف الجميع من صلاحيات وزارة الداخلية، إذ تتم مراقبة الأشخاص المشتبه فيهم ولدواعٍ أمنية فقط. المستخدم العادي يرى أن الموضوع، لا أمنياً ولا تنظيمياً، بل هو ربحي بحت، وله الحق في هذا الاعتقاد، ففي العام الماضي فقط، كبدت تطبيقات الرسائل النصية عبر"الإنترنت"، كالواتساب، مزودي خدمة الجوال حول العالم خسائر في الأرباح تفوق 32 بليون دولار من ريع الرسائل النصية التي اصطلح على تسميتها ب cash - cow، أو البقرة الحلوب لمزودي خدمة الاتصالات. فخلال 20 عاماً، هو عمر اختراع الرسائل النصية، ظلت تحتل المركز الثاني كأفضل وسيلة للتواصل بعد المكالمات الصوتية. لكن هذه التطبيقات وسهولة استخدامها من دون الحاجة للدفع على كل رسالة، كما هي الحال في الرسائل النصية التقليدية، جعل شعبيتها تتقدم بشكل كبير، حتى أن رئيس شركة"واتساب"السيد"جان كوم"أعلن في 12 آذار مارس الماضي أن عدد مستخدميهم وصل إلى 031 مليون مستخدم حول العالم يتبادلون 71 بليون رسالة يومياً، بزيادة 006 في المئة على العام الذي قبله. وبالمقارنة نجد أن عدد الرسائل النصية المتبادلة حول العالم هو 12 بليون رسالة يومياً، ما يجعل هذا التقارب الكبير مؤرقاً لشركات الاتصالات حول العالم. أياً يكون السبب لهذا القرار من هيئة الاتصالات، سواء أمنياً أو ربحياً، فالتهديد بالحجب غريب حقاً، يجعلني أعود لبدايات ظهور تقنية الكاميرا المدمجة في الجوال، إذ كانت هذه الجوالات ممنوعة بسبب"الخصوصية"، وكان يتم مصادرة وتدمير أي جوال بكاميرا حال ضبطه، وتمر الأيام ويتم نسف قرار المنع حين تصبح الكاميرا مدمجة في معظم الجوالات وأجهزة الحاسوب النقال والكفي واللوحي. لقد فرضت التقنيات الحديثة نفسها كواقع في القرن ال21، وعلى رغم أننا مازلنا - مع الأسف - مجرد مستخدم للتقنيات الحديثة، ولم نصل لدرجة مطور وصانع لها، فإنه من الصعب جداً أن نقاوم التطور بالمنع والحجب، وسيجد المستخدم مئات البدائل، بل وعشرات السبل لرفع هذا الحجب أو الالتفاف حوله. شركات الاتصالات في الدول الأخرى بدأت في إيجاد بدائل محلية لتطبيقات"الواتساب والفايبر"تبيعها لمستخدم هذه الشبكات وتتلقى رسوماً شهرية رمزية لقاء استخدامها، وفي أماكن أخرى مثل"هونغ كونغ"دخلت شركات الاتصالات في شراكة مع شركة"واتساب"لتقديم هذه الخدمة برسوم شهرية. خلاصة القول إنني آمل أن تقف هيئة الاتصالات وشركات الاتصالات المحلية بجانب التطور لا في وجهه، فهي وإن ربحت بضعة بلايين على حساب المستخدم اليوم ستخسرها حتماً غداً حين يغدقنا عالم التقنيات الحديثة بالمزيد والجديد من وسائل التواصل مع الآخر من دون الحاجة لإفراغ جيوب المستخدم، فعجلة التطور لا تتوقف إذا توقف أحدهم، بل تستمر في الدوران لتتجاوزه. [email protected]