خلافاً لما يمكن أن يتصوره القارئ العادي، فإن الكاتبة الأسترالية جرالدين بروكس لم تقع في حب منطقة الشرق الأوسط بسبب آبار النفط، ولا بسبب الاختلاط بجو العمل الصحافي في السعودية، إذ وصلت كمراسلة تعيش من أجل الأخبار اليومية عام 1987. كل ذلك لم يوقع بروكس في حب الشرق الأوسط، وإنما أوقعها في حبه"الإسلام"و"محمد"، وهي تحكي عن ذلك في كتابها الصادر عن دار جداول للنشر والتوزيع بعنوان"الأنوثة الإسلامية.. العالم المخفي للمرأة المسلمة"، وتحاول أن تنقل الصورة إلى قارئها بطريقة مباشرة وصادمة وغير مثقلة بالمقدمات الطويلة. تقول بروكس:"في العمل كان من العسير عليَّ أن أجد الشرق الأوسط الذي كنت أتصوره، وجدت نفسي عالقة في مكاتب موظفين عرب كذبابة عالقة على ورق لقتل الذباب، جالسةً في الصالونات الأنيقة لمساعدي نواب وزراء الإعلام، أرتشف فنجان قهوة صغيراً معطراً بالهال، أستمع للأكاذيب، وهؤلاء الرجال المدنيون ذوو الثقافة الغربية ليست لديهم مشكلة في التحدث مع امرأة غربية، لكن في الخارج، في الشوارع، بين الناس العاديين الذين رغبت فعلاً في أن ألتقي بهم، لا يتكلم معظم الرجال إلا مع نساءٍ تربطهم بهن قرابة، وإذا ما دنت منهم امرأة وحيدة، فالأمر إما موقف محرجٍ، أو مناسبة لاختبار الافتراض الواسع الانتشار القائل إن كل النساء الغربيات مومسات، كنت أكره نوع التقارير التي فُرض عليَّ أن أكتبها، والمقابلات الصحافية مع رؤساء الدول، والتخرصات المتطايرة حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وقّعت على أن أصبح مراسلة في الشرق الأوسط بحثاً عن المغامرة، لكن بدا لي أن الخطر الأكبر الذي أواجهه هو الضجر القاتل، أما زوجي طوني الذي تخلى عن عمله الصحافي ليأتي معي بوصفه طليقاً لم تكن لديه مشكلة بعدما وصلنا ببضعة أسابيع". اعتبرت خديجة بنت خويلد"رأس الهرم" في البيت النبوي! كاتبة أسترالية تتكيف مع"عالم الحريم"الإسلامي وتروي شهادات"ساخنة" تروي الكاتبة الأسترالية جرالدين بروكس حكاية في كتابها"الأنوثة الإسلامية.. العالم المخفي للمرأة المسلمة"، بدايات ارتباطها الروحي بالإسلام:"ذات صباح، في بداية رمضان، الشهر المقدس الذي يصوم فيه المسلمون من الفجر حتى الغسق..."، إلى أن تقول:"كان من المستحيل أن أعيش عاماً في الشرق الأوسط، ولا أشعر بصخب الإحياء الديني، ففي بقاع جزيرة العرب كافة وشمال أفريقيا يتزايد عدد النسوة اللائي يغطين شعورهن، والرجال الذين يطيلون لحاهم ويتجهون إلى المساجد". لكن الكاتبة الأسترالية مع ذلك يبدو من تقليب صفحات كتابها أنها قدمت إلى الشرق الأوسط قدوم المبشّرة، لا قدوم القارئة المتعلمة، وهي تحمل في داخلها تصوراً مسبقاً عن بعض أحكام الأحوال الشخصية التي لا جدال حولها في الإسلام، كما أنها تقدم قراءة نقديّة للتشريعات الإسلامية، من خلال سلوكيات فرديّة منتقاة بشدّة من حياة أناس مختلفين داخل السعودية، وكثير منهم ليسوا من مواطنيها. وتركز بروكس في قراءتها على نقد الحجاب، وتصوير النساء المسلمات على أنهن متململات من الحجاب ويعانين منه، وتستغرب من النزعة الجديدة لدى بعض المصريات المقيمات في السعودية، ورغبتهن التي تطرأ عليهن في ارتداء الحجاب، وتطرح هذه الفكرة بأسلوب لافت، فهي على سبيل المثال، تتخذ من النزعة التغريبية لدى صديقتها المصرية الصحافية سحر، التي عملت مساعدة مدير مكتب صحيفة"وول ستريت"، حجة على غرابة تحول نساء الشرق الأوسط المتحررات من خلع الحجاب إلى ارتدائه، خصوصاً في الأزمنة الدينية المقدسة، مثل شهر رمضان، إذ تقول: "في الصباح الرمضاني ذاك، وقفت بالباب أحدق بها مذهولة، كانت النساء المصريات أول نساء في الشرق الأوسط يرمين الحجاب جانباً، ففي عام 1923، ولدى عودتهن من مؤتمر اقتراع نسوي في روما، قامت المرأتان العربيتان الرائدتان هدى شعراوي وسوزا نبراوي برمي أغطيتهما في محطة سكة حديد القاهرة، والكثير من حشد النساء اللائي جئن لاستقبالهن فعلن الشيء نفسه، أما سحر التي ترعرعت متأثرة بهدى شعراوي وأنصارها لم تتحجب قط، إن اللباس الإسلامي - الحجاب - الذي اختارت سحر أن ترتديه في حرارة مصر الرهيبة يبرهن على قبولها لمتطلبات الشرع، الذي يعتبر شهادتها مساويةً لنصف قيمة شهادة الرجل ونظام الوراثة الذي يعطيها نصف حصة أخيها". أما كيف تحولت صديقتها سحر من شخصيتها التحررية، فتصف الكاتبة ذلك بالآتي:"كنت أمضي الساعات في التحدث مع سحر في شأن قرارها، كنت تتفوه بشعار الجهاد الإسلامي والأخوة الإسلامية قائلة:"الإسلام هو الحل"، وكانت القضية بالفعل قضية شائكة، إذ كيف ستستمر بلادها اليائسة الفقيرة في تحصيل الغذاء والتعليم وتوظيف السكان الذين يزدادون مليوناً كل تسعة أشهر! لقد أخفقت مغازلة الاشتراكية والرأسمالية في إيقاف تدهور الاقتصاد المصري، الحركة الإسلامية تريد أن تتخلى عن هذه الأيديولوجيات التي استُوردت حديثاً وتسير وفق النظام الذي أقره القرآن منذ زمن بعيد، فإن يكُن الله قد كلف نفسه عناء الكشف عن منظومة كاملة من القوانين والأخلاق والتنظيم الاجتماعي، فلم لا يتم اتباع هذه المنظومات؟ هذا ما تقوله سحر". وتضيف:"انضمت سحر إلى حلقة دراسة نسائية في المسجد المحلي، وقد تأثرت بالواعظة الشابة المحجبة، كانت تقول:"كنت أجلس هناك وأقرأ في القرآن الكريم أن على النساء أن يتحجبن، ثم أمشي في الشارع عارية الزندين، بدا لي أنني أرتدي هذا اللباس لأنه غربي، فلِم نقلد كل شيء غربي؟ لما لا نجرب شيئاً مما يخصنا؟". ذلك الشيء يتخذ أشكالاً عدة، فالمتطرفون يجوبون طريق الأهرامات هائجين موجهين أضواء مشاعلهم الكهربائية إلى النوادي التي تقدم الكحول، في مصر الريف، ألح أحد الشيوخ على إصدار تحريم بيع الباذنجان والقرع واليقطين، لأن ملامسة هذه الخضراوات الطويلة الزغباء قد تؤدي إلى إثارة الأفكار الفاسقة عند النساء، وفي القاهرة أطلقت النار على كاتب سخِر من هذا الإعلان، فأردوه قتيلاً خارج مكتبه، وحين هز زلزال المدينة أقام الأصوليون الخيام للنجدة، ومطابخ لإعداد الحساء، للعناية بالمنكوبين بأقصى سرعة وتعاطف، ما أتاح للحكومة أن تتملص من مسؤوليتها. وبمرور الأسابيع انجرفت سحر إلى هويتها الجديدة بصورة أعمق، فرحت أكيف حياتي اللادينية لأتلاءم معها، متخليةً عن قهوتي في الصباحات الرمضانية، في حال كانت النكهة تضر باستمرار صيامها، وكنت أخطو بخفة وهي ترف صلواتها عند الظهيرة على سجادة الصلاة المفروشة في غرفتنا، وهناك ألغام في كل مكان، كانت تسأل مرتابةً ناظرةً إلى لائحة المحتويات على علبة الشوكولاتة ما هو كرز المرشينو، أنا لا أستطيع أن آكل أي شيء يحتوي على الكحول، تدريجياً تآلفت مع إيقاعات حياتها الجديدة ومحظوراتها، وبدأت أسماء أعيادها المثيرة للذكريات تخط طريقها إلى تقويمنا: ليلة القدر، وعيد الأضحى والحج". وتتابع شهادتها على صديقتها:"بدت سحر مرتاحة مع ذاتها الجديدة،"أمضيت الليل جلَّه في الخياطة"، قالتها لي ذات صباح حين وصلت إلى العمل زائغة العينين، والآن وقد تحجبت فقد رمت معظم أثوابها الزاهية الألوان، لكنها لم تكن راغبة في التخلي عن محتويات خوانتها برمتها ففي كل شيء خطأ ما، شقٌّ في الظهر، عروة مشدودة عند الخصر، في الواقع اشتغلت كثيراً كي أنقذ بعض الملابس، الآن وقد ارتدت الحجاب، قالت إن الحجاب منحها الأمان في شوارع القاهرة المزدحمة،"لا يمكن أن تسمعي باغتصاب فتاة محجبة". وفي الواقع لم يكن أمراً عادياً اغتصاب أحد في القاهرة، حيث الجئام العنيفة من كل الأنواع نادرة إذا ما قيست بمدن الغرب، لكن الترتيب على القفى والتلطيش كثير جداً، خصوصاً في الأحياء المزدحمة وللنساء اللائي يرتدين الملابس الغربية". وتستطرد:"شعرت سحر أيضاً بأن الحجاب سهّل عليها الوصول إلى نساء غير عاديات، فالمواعيد والتساؤلات خارج الإدارات الحكومية تصبح أسهل إذا ما مضت امرأة محجبة بين البيروقراطيات العاملات هناك، ولرغبتهم في رؤية أخت مسلمة تفلح في عملها، فإنهم سيمنحون طلبها دفعة تفضيلية، وفي الوقت نفسه شعرت بسهولة أكبر في التعامل مع الرجال، تقول:"يفترض بهم أن يتعاملوا مع عقلي وليس مع جسدي"قالت إن اللباس هو البداية فقط، فمعدل الجريمة المؤلم في الغرب والأسرة ذات الوالد الواحد والشيوخ المهجورون، كل ذلك يؤكد لسحر إفلاس حياتنا اللادينية وفي جذر هذه المسألة من وجهة نظرها إصرار الأنوثة الغربية على المساواة الجنسية التي تشعر بأنها تتجاهل الطبيعة الجوهرية للمرأة"لا يقضي الإسلام أن النساء أدنى مرتبة من الرجال بل يقول إنهن مختلفات"، هكذا كانت تجادلني محاولة أن تشرح تحريم سلك القضاء على النساء في بعض البلدان الإسلامية."النساء أكثر انفعالاً من الرجال، لأن الله خلقهن للعناية بالأطفال، لذا فالمرأة في المحكمة قد تظهر الرحمة، حيث يتطلب المنطق القسوة". تصور"تحرري"عن الإسلام.. ومعلومات"مهزوزة" تسعة أعشار الرغبة عند المرأة... وعُشرها عند الرجل! تحمل الكاتبة جيرالدين بروكس تصوراً جميلاً وحالماً تجاه الإسلام وقصص التاريخ الإسلامي، لكنها تُدلي بمعلومات مستقاة من مصادر غير موثقة، وهذا ما يوقعها في الوهم، فهي على سبيل المثال، تتصور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يرى أن تسعة أعشار الرغبة للمرأة وعشر واحد منها للرجل! إضافة إلى معلومات أخرى غير دقيقة، مثل اعتقادها أن الرجل المسلم لا ينظر إلى المرأة بسبب أنه يخشى تدنيس نفسه بالنظر إلى المرأة الأوربية، كما تعتقد أن نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم ارتمى في حضن خديجة رضي الله عنها عندما قال:"زملوني زملوني"راجياً منها أن تحميه من الملك جبريل؟ إلى غير ذلك من معلومات غير دقيقة، مثل تأخر نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في شأن النساء إلى ما بعد تسعة أعوام من وفاة خديجة. ومثل اعتقادها أن خديجة رضي الله عنها لو كانت على قيد الحياة، لكان من المستغرب نزول آية الرجال قوّامون على النساء، وذلك حيث تقول الكاتبة:"إن آية كهذه ستبدو غريبة على شفاه محمد لو أن خديجة على قيد الحياة تدفع مصاريفه". وكقولها في أحد الفصول:"إن جاء القرآن برسالة مشوشة حول الأطفال من الإناث". وكذلك تصورها أن الله منح للرجال فقط التمتع في الجنة بالنساء، ولم يمنح ذلك للنساء. إلى غير ذلك من الأخطاء الناتجة من القراءة التي حال العائق اللّغوي والمعنوي، وحال عدم إلمام الكاتبة بحقيقة التاريخ الإسلامي وفقهه دون إدراكها لها. كما أن بعض الأخطاء راجعة إلى عدم إجادة المترجمة للترجمة، فهو يترجم من الروايات الضعيفة في بعض الأحايين، مثل ترجمته"زملوني زملوني"، إلى"دثروني دثروني". ومثل ذلك ترجمته اسم مارية القبطية والدة إبراهيم رضي الله عنه إلى"مريم"! ومع ذلك، فالكاتبة الأسترالية التي"عجنت"نفسها بالمجتمع الأوسطي، وتشربت قصة الإسلام، لا تُخفي حبها الشديد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ تقول: "أحب نبي الإسلام النساء، تزوج زوجته الأولى عندما كان في ال25 من العمر، أمياً يتيماً فقيراً، لم يكن يطمح بأن يتلقّى عرض زواج من رئيسته خديجة، سيدة الأعمال المكية الثرية التي ائتمنته على تجارتها في الدولة، وفي حين لم يكن مألوفاً في الثقافة العربية أن تعرض النساء الزواج على الرجال، فإن خديجة كانت واحدة من أولئك النسوة اللائي لهن من المكانة ما يسمح لهن بفعل ذلك، منحته المال والمنزلة الرفيعة وأربع بنات، الوحيدات اللاتي بقين على قيد الحياة، آية الله روح الله الخميني والملك حسين ملك الأردن وآلاف من الشيوخ والملالي الذين يرتدون اليوم العمامة السوداء التي تدل على أنهم ينحدروا من نسب الرسول، جميعهم يعود نسبهم إلى واحدة من هؤلاء البنات الأربع". مضى محمد إلى خديجة مرتعشاً حين سمع للمرة الأولى صوت الملاك جبريل يتلفظ بكلمة الله، خائفاً على سلامة عقله، ألفى محمد نفسه يردد كلمات القرآن الأولى التي تعني ببساطة القراءة أو التلاوة. ثم اختط طريقه إلى زوجته حابياً على يديه وركبتيه، وارتمى في حضنها قائلاً:"دثروني! دثروني!"راجياً إياها أن تحميه من الملاك. أكدت له خديجة أنه سليم العقل، وشجعته على الثقة برؤياه وأصبحت أول معتنقة للدين الجديد الذي يعني اسمه الإسلام"التسليم". وتضيف الكاتبة بروكس، في اعتزاز شديد، بموقف الإسلام من المرأة: "جاء الإسلام في القرن السابع إلى الجزيرة العربية، حيث البنات الصغيرات عديمات القيمة في ثقافة الغزو والرعي الخشنة، كن يوأدن، وفي سوق النخاسة في مكة، كان الجنود يبيعون السبايا اللائي أخذوهن على أنهن غنائم حرب، لكن قلةً من النساء، من أمثال خديجة كن يملكن المال والنفوذ، مما يمكنهن من اختيار أزواجهن وتكوين حياتهن الخاصة. ظلت خديجة الزوجة الوحيدة لمحمد مدة 24 عاماً، ولم يبدأ محمد بتلقي الوحي من الله بخصوص وضع النساء إلا بعد موتها، أي بعد تسعة أعوام من رؤياه الأولى". ومع هذا الحب الواضح للإسلام ولرسالته ولقصته وفقاً للفهم الخاص بالكاتبة، على رغم ذلك فإن ذلك لم يحرر الكاتبة من بعض التصورات الموهومة، التي لم تسعفها القراءة، وربما حالت عوائق اللغة بينها وبين إدراكها، أنها تصورت أن حجاب نساء النبي، كان يمثل معاناة لأزواج النبي رضوان الله عليهن، إذ تقول في أحد المقاطع: "لم تضطر خديجة المسلمة الأولى إطلاقاً لأن تضع الحجاب أو تقرّ في بيتها، وما عاشت أبداً لتعاني من كلمة الله التي تعلن بأن الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم". الحجاب الإسلامي"لباس رهباني"! لا تكتفي الكاتبة جيرادلين بروكس بالتعبير عن عدم ارتياحها لانتقال النساء العربيات المنفتحات إلى التدين وارتداء الحجاب، وتتجاوز ذلك إلى تشبيههن بالراهبات المسيحيّات، فتقول:"أعادني حديثي مع سحر إلى شعور ليس جديداً، عندما كنت في ال14 من عمري، تلميذةً في دير الراهبات الكاثوليكي في مدينة سيدني، دعتنا رئيسة الراهبات إلى اجتماع، قرأت علينا حادثة الشغب، فشاهدت بعضنا يرتدين ملابسهن من دون السترة الفضفاضة فوقها في الشارع،"ملابسنا"، تقول:"غير محتشمة"، لأن الأولاد يستطيعون أن يتصوروا، وإذا غامرت أي منا وخرجت إلى الساحة من دون أن تكون مرتدية هذه السترة، ستعرف في الحال أي نوع من البنات نحن، أصرت الراهبة نفسها على أن نرتدي قبعات في الكنيسة مستشهدة بالقديس بول، وأخبرتنا أن المرأة أرادت سقوط الرجل من جنة عدن، ليس من اللائق أن تظهر سافرة الرأس في بيت الرب. ظننت أن الراهبة"مستحاثة"، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة حالما أدركت أن تحريم الكاثوليكية لتحديد النسل والطلاق، قد يدمر حياة النساء. سحر، امرأة من جيلي، لكن كان لها اختيار معاكس تماماً لاختياري، شيء ما كان يعتريها، وقد عزمت على فهمه. حاجز اللغة وقف بين الصحافية الأسترالية واستيعاب معاني القرآن بحسب قراءة أولية للكتاب فإن أي قارئ يجد أن الإشكالات التي تسميها بروكس"تناقضات صارخة"في القرآن الكريم، إنما جاءت في غالبها من القصور اللغوي لديها، وهو ما تصوره بشدة شهادتها على نفسها بذلك وهي تقول:"بدأت بالعربية، لغة القرآن، فهناك عربي من كل خمسة مسلمين، والعربية هي اللغة التي يستخدمها أكثر من بليون مسلم خُمسَي سكان العالم في التحدث إلى الله، اللغة العربية قبلية، قدر ما هي قبلية الثقافة الصحراوية التي أنتجتها، وكل كلمة تجر وراءها حشداً من المترادفات لها الجذر الثلاثي نفسه المؤلف من ثلاثة حروف ساكنة، استخدم أي كلمة في العربية وسرعان من تتداعى المعاني التي لم تكن في البال، تعلمت أن أحد المفردات لكلمة امرأة،"حرمة"، تأتي في الجذر نفسه الذي منه المفردتان"مقدس"و"أثيم". وحرف"ميم"هو جذر المفردات: مصدر، أمَّة، رحمة، المبدأ الأول، الغلة الوفيرة، الأمية، الغباء، ضعف الشخصية، في البدء كانت الكلمة، والكلمة في اللغة العربية غامضة على نحو رائع. إن طبيعة اللغة العربية تعني أنه يستحيل الوصول إلى الترجمة الدقيقة للقرآن، ألفيت نفسي أعود إلى ترجمتين مختلفتين تماماً ترجمة جورج سال من أجل اللغة الشاعرية في العمل وترجمة محمد مرمدوك بكثالس من أجل المعنى الأوضح لما قاله النص عن الزواج والجنس والعمل والجهاد، لكن حتى في الوقت الذي تكون اللغة واضحة فيه، كانت الدلالات تختلط علي: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين، أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير، هذا ما يقوله القرآن، لكن إذا كانت الزوجات عاصيات: واهجروهن في المضاجع واضربوهن. وفي محاولتي لحل هذا التناقض الصارخ، اتخذت لي مقعداً في مدارس النساء الدينية الجديدة التي تنهض عبر أرجاء المنطقة كافة، وتعلمت الكثير عن عشرات النساء اللائي ساهمن في تشكيل تاريخ الإسلام المبكر، وظهرت الازدواجية مرة أخرى، نساء وراء حجاب العفة، ونساء في طليعة حرب الجهاد المقدس". المسيحيات والتنقل بين الديانات بروكس إلى اليهودية ... وصديقتها جانيت إلى "التشيع" تصف الكاتبة جيرالدين بروكس التحولات والتنقل بين الأديان لديها انتقالها إلى اليهودية ولدى صديقتها جانيت التي انتقلت إلى الإسلام الشيعي، في قالب قصصي حواري، وتتذكر التفاصيل الخاصة بتلك التحولات قائلة:"اعتنقت جانيت الإسلام لأن زوجها أراد أن يربي أولاده كمسلمين، ولأنها آمنت بأن اعتناق دين واحد سيجعل بيتها أكثر انسجاماً، وقد نظرت إلى اعتنقاها الإسلام بطريقة واقعية:"فالله الإسلامي والمسيحي هو نفسه أليس كذلك؟ إن تقرئي القرآن تجدي فيه ماري ويسوع - لا يختلف الأمر إلا بأسمائهما مريم وعيسى". كان اعتناق جانيت للإسلام مسألة بسيطة، ففي غرفتها في كنساس، وبحضور شاهدين أعلنت إسلامها، وهي ترديد شهادة:"لا إله إلا الله محمد رسول الله". ولأن زوجها شيعي فقد أضافت أيضاً الجملة الاختيارية:"علي صفي الله"، وما إن قالت الصيغة البسيطة هذه حتى أصبحت مسلمة. وكي تكون مسلمة صالحة كان عليها أيضاً أن تعيش وفق أركان الإسلام الأربعة الأخرى، الصلاة خمس مرات في اليوم، صيام رمضان، إعطاء الزكاة للفقراء التي غالباً ما تكون اثنين في المئة من كل ثروة المرء وليس من مجرد دخله كل عام، والحج إلى مكة مرة واحدة في العمر إن استطاعت ذلك. أما في ما يتعلق بعلاقة الكاتبة بروكس مع دينها فتتحدث باستفاضة قائلة: "أثار قرار جانيت اهتمامي، ففي صبيحة أحد أيام شتاء عام 1984 قمت بأمر مماثل، ذهبت إلى غرفة شديدة الرطوبة في ضاحية كليفلاند، نزلت لجسدي في حوض من القرميد مليء بماء المطر، وأخرجته وأنا ألفظ الكلمات التالية:"اسمع، يا إسرائيل يا ربنا، يا إلهنا، الرب واحد"، لاحقاً أقمت الشعائر مع حَبْري وعريسي على حساء فطير الذرة والبطاطا في كنيس يهودي مجاور". وتصف انتقالها إلى الدين اليهودي قائلة:"كان ارتدادي الديني له صلة بالتاريخ أكثر من صلته بالدين، فلو أردت أن أتزوج من يهودي فالأمر يبدو أنني أرمي بنصيبي ضمن مصير شعبه المهدد دائماً. لم أكن حينها أعلم أنني سأمضي الجزء الأعظم من العقد المقبل في الشرق الأوسط، الأمر الذي جعلني وأنا إلى جانب زوجي عدوة للكثيرين ممن عشت بينهم بشكل أوتوماتيكي". لكنها ترى أن انتقالها إلى الدين اليهودي الذي هو دين زوجها لم يكن سوى انتقال شكلاني، بعكس انتقال صديقتها إلى دين الإسلام، الذي كان جوهرياً، تقول:"أما كوني يهودية فقد ظل أمراً مجرداً، حدد نوع العرس، ولم يعد يعني سوى وليمة عائلية في عيد الفصح كل عام وصوم يوم كبور، وبعض الحرج في أعياد الميلاد، ويافطة غالباً لم تكن ملائمة تقضي بأن عليّ أن أكتبها على طلبات التأشيرة حين أزور بلدان الشرق الأوسط. لكن الدين بالنسبة إلى جانيت شكّل روتين حياتها اليومي". وتتابع:"جانيت أيضاً أرادت أن تكون إلى جانب زوجها، لكن جنسيتها في إيران أواخر السبعينات كانت عقبة لم يستطع دينها الجديد أن يتغلب عليها كليةً."لم يكن ذلك الوقت جميلاً لعروس مضطربة من كنساس، لكي تقيم في بيت في طهران". وتستطرد:"اضطرت جانيت أن تجلس في الاجتماعات العائلية وتستمع إلى تشهير أقارب محمد ببلادها. وإذ تطورت لغتها الفارسية بدأت تتحداهم، كانوا يقولون:"يا جانيت نحن نحب الشعب الأمريكي وما نكرهه هو الحكومة فقط"، فكانت تقول:"حسناً الحكومة في بلادي هي الشعب". وتضيف:"وجدت جانيت نفسها وبشكل تدريجي تحب الكثير من مظاهر الحياة الإيرانية. وجدت أن الإيرانيين جادوا بحبهم للأميركيين القلائل الذين بقوا بينهم. بل وبعض الإيرانيين يحتفظون بذكريات طيبة لمدرسين وفنيين أميركيين قدّموا العون لبلادهم، في حين أن أولئك الذين نظروا إلى الأميركيين بوصفهم مستغلين، كانوا يشعرون أن جانيت، انضمت إلى الصف الإيراني، وبدلاً من أن يحيّوها بعدائية وجدت نفسها موضع ترحيب في كل مكان، كانت تعطى الدور الأول في أرتال مشتري المواد الغذائية، تعطى أفضل اللحوم، وتقدم لها المساعدة بكل طريقة ممكنة. قالت:"عاملوني هنا كأنني ملكة".