خلافاً لما يمكن أن يتصور القارئ العادي، فالكاتبة الأسترالية جيرالدين بروكس لم تقع في حب منطقة الشرق الأوسط بسبب عملها الصحافي في السعودية حيث كانت مراسلة عام 1987، وإنما أوقعها في في ذلك الحب الإسلام ونبيه، وهي تحكي ذلك في كتابها الصادر عن دار جداول للنشر والتوزيع في عنوان «الأنوثة الإسلامية... العالم المخفي للمرأة المسلمة». تقول: «في العمل كان من العسير عليَّ أن أجد الشرق الأوسط الذي كنت أتصوره، وجدت نفسي في مكاتب موظفين عرب كذبابة عالقة على ورق لقتل الذباب، جالسةً في الصالونات الأنيقة لمساعدي نواب وزراء الإعلام، أرتشف فنجان قهوة صغيراً معطراً بالهال، وهؤلاء الرجال المدنيون ذوو الثقافة الغربية ليست لديهم مشكلة في التحدث مع امرأة غربية، لكن في الخارج، في الشوارع، بين الناس العاديين حيث رغبت فعلاً في أن ألتقيهم، لا يتكلم معظم الرجال إلا مع نساءٍ تربطهم بهن قرابة، وإذا ما دنت منهم امرأة وحيدة، فالأمر إما موقف محرج، أو مناسبة لاختبار الافتراض الواسع الانتشار القائل إن كل النساء الغربيات مومسات، كنت أكره نوع التقارير التي فُرض عليَّ أن أكتبها، والمقابلات الصحافية مع رؤساء الدول، والتخرصات المتطايرة حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وقّعت على أن أصبح مراسلة في الشرق الأوسط بحثاً عن المغامرة، لكن بدا لي أن الخطر الأكبر الذي أواجهه هو الضجر القاتل. أما زوجي طوني الذي تخلّى عن عمله الصحافي ليأتي معي بصفته طليقاً لم تكن لديه مشكلة بعدما وصلنا ببضعة أسابيع». وتتناول بروكس بدايات ارتباطها الروحي بالإسلام: «كان من المستحيل أن أعيش عاماً في الشرق الأوسط، ولا أشعر بصخب الإحياء الديني، ففي بقاع جزيرة العرب كافة وشمال أفريقيا يتزايد عدد النسوة اللائي يغطين شعرهن، والرجال الذين يطيلون لحاهم ويتجهون إلى المساجد». لكنها من خلال كتابها تبدو مبشرة وليس قارئة متعلمة، إذ تحمل تصوراً مسبقاً عن بعض أحكام الأحوال الشخصية التي لا جدال حولها في الإسلام، كما تقدم قراءة نقديّة للتشريعات الإسلامية، من خلال سلوكيات فرديّة منتقاة بشدّة من حياة أناس مختلفين داخل السعودية، مركزة على نقد الحجاب، وتصوير المسلمات على أنهن متململات من الحجاب ويعانين منه، وتستغرب نزعة ارتداء الحجاب لدى المصريات المقيمات في السعودية. وتطرح ذلك بأسلوب لافت، فهي على سبيل المثال، تتخذ من النزعة التغريبية لدى صديقتها المصرية الصحافية سحر، التي عملت مساعدة مدير مكتب صحيفة «وول ستريت»، حجة على غرابة تحوّل نساء الشرق الأوسط المتحررات من خلع الحجاب إلى ارتدائه، خصوصاً في شهر رمضان، تقول: «في الصباح الرمضاني وقفت بالباب أحدق بها مذهولة، فالنساء المصريات كن أولى نساء الشرق الأوسط اللواتي يرمين الحجاب جانباً، ففي عام 1923، ولدى العودة من مؤتمر نسوي في روما، قامت المرأتان العربيتان الرائدتان هدى شعراوي وسيزا نبراوي برمي أغطيتهما في محطة سكة حديد القاهرة، والكثيرات اللائي جئن لاستقبالهن فعلن الشيء نفسه. أما سحر التي ترعرعت متأثرة بهدى شعراوي وأنصارها فلم تتحجب قط، وها إن اللباس الإسلامي - الحجاب - الذي اختارت سحر أن ترتديه في حرارة مصر الرهيبة يبرهن على قبولها تطلبات الشرع، الذي يعتبر شهادتها مساويةً لنصف قيمة شهادة الرجل ويعطيها في الوراثة نصف حصة أخيها». وتصف الكاتبة تحوّل صديقتها سحر من شخصيتها التحررية: كنت أمضي الساعات في التحدث مع سحر في شأن قرارها، كانت تتفوه بشعار الجهاد الإسلامي والأخوة الإسلامية قائلة: «الإسلام هو الحل»، وكانت القضية بالفعل شائكة، إذ كيف ستستمر بلادها اليائسة الفقيرة في تحصيل الغذاء والتعليم وتوظيف السكان الذين يزدادون مليوناً كل تسعة أشهر! لقد أخفقت مغازلة الاشتراكية والرأسمالية في إيقاف تدهور الاقتصاد المصري، الحركة الإسلامية تريد أن تتخلى عن الأيديولوجيات التي استُوردت حديثاً وتسير وفق النظام الذي أقره القرآن منذ زمن بعيد، هذا ما تقوله سحر. وتضيف: انضمت سحر إلى حلقة دراسة نسائية في المسجد المحلي، وقد تأثرت بالواعظة الشابة المحجبة، كانت تقول: «كنت أجلس هناك وأقرأ في القرآن الكريم أن على النساء أن يتحجبن، ثم أمشي في الشارع عارية الزندين، بدا لي أنني أرتدي هذا اللباس لأنه غربي، فلِمَ نقلد كل شيء غربي؟ لمَ لا نجرب شيئاً يخصنا؟ ذلك الشيء يتخذ أشكالاً عدة، فالمتطرفون يجوبون طريق الأهرامات هائجين موجهين أضواء مشاعلهم الكهربائية إلى النوادي التي تقدم الكحول، وفي الريف، ألح أحد الشيوخ على تحريم بيع الباذنجان والقرع واليقطين، لأن ملامسة هذه الخضراوات الطويلة الزغباء قد تؤدي إلى إثارة الأفكار الفاسقة عند النساء، وفي القاهرة أطلقت النار على كاتب سخِر من هذا الإعلان، فأردي قتيلاً خارج مكتبه، وحين هز زلزال المدينة أقام الأصوليون الخيام للنجدة، ومطابخ لإعداد الحساء، واعتنوا بالمنكوبين بأقصى سرعة وتعاطف، ما أتاح للحكومة أن تتملص من مسؤوليتها. أسئلة الصديقة كانت سحر تسأل مرتابةً ناظرةً إلى لائحة المحتويات على علبة الشوكولاتة (ما هو كرز المرشينو، أنا لا أستطيع أن آكل أي شيء يحتوي على الكحول)، تدريجاً تآلفت مع إيقاعات حياتها الجديدة ومحظوراتها، وبدأت أسماء أعيادها المثيرة للذكريات تخط طريقها إلى تقويمنا: «ليلة القدر، وعيد الأضحى والحج». الآن وقد ارتدت سحر الحجاب، قالت إنه منحها الأمان في شوارع القاهرة المزدحمة، «لا يمكن أن تسمعي باغتصاب فتاة محجبة». وفي الواقع لم يكن أمراً عادياً اغتصاب أحد في القاهرة، لكن التربيت على القفا والتلطيش يحدثان في الأحياء المزدحمة وللنساء اللائي يرتدين ملابس غربية. قالت سحر إن اللباس هو البداية فقط، فمعدل الجريمة المؤلم في الغرب والأسرة ذات الوالد الواحد والشيوخ المهجورون، كل ذلك يؤكد لسحر إفلاس حياتنا اللادينية. وفي جذر هذه المسألة من وجهة نظرها إصرار الأنوثة الغربية على المساواة الجنسية التي تشعر بأنها تتجاهل الطبيعة الجوهرية للمرأة «لا يقضي الإسلام أن النساء أدنى مرتبة من الرجال بل يقول إنهن مختلفات»، هكذا كانت تجادلني محاولة أن تشرح تحريم سلك القضاء على النساء في بعض البلدان الإسلامية. «النساء أكثر انفعالاً من الرجال، لأن الله خلقهن للعناية بالأطفال، لذا فالمرأة في المحكمة قد تظهر الرحمة، حيث يتطلب المنطق القسوة». وتشبه جيرادلين بروكس النساء المحجبات بالراهبات المسيحيّات، فتقول: «أعادني حديثي مع سحر إلى شعور ليس جديداً، عندما كنت في ال14 من عمري، تلميذةً في دير الراهبات الكاثوليكي في سيدني، دعتنا رئيسة الراهبات إلى اجتماع، فشاهدت بعضنا يرتدين ملابس من دون سترة فضفاضة فدعتنا إلى الاحتشام، فإذا غامرت أي منا وخرجت إلى الساحة من دون أن تكون مرتدية السترة، ستعرف في الحال أي نوع من البنات هي، وأصرت الراهبة على أن نرتدي قبعات في الكنيسة مستشهدة بالقديس بولس، وأخبرتنا أن المرأة التي أرادت سقوط الرجل من جنة عدن، ليس من اللائق أن تظهر سافرة الرأس في بيت الرب. ووفق قراءة أولية للكتاب فإن ما تسميه بروكس «تناقضات صارخة» في القرآن الكريم، إنما تعود إلى القصور اللغوي، وهو ما تصوره شهادتها حين تقول: «بدأت بالعربية، لغة القرآن، فهناك عربي من كل خمسة مسلمين، والعربية هي اللغة التي يستخدمها أكثر من بليون مسلم - خُمسَي سكان العالم - في التحدث إلى الله، اللغة العربية قبلية، مقدار ما هي قبلية الثقافة الصحراوية التي أنتجتها، وكل كلمة تجر وراءها حشداً من المترادفات لها الجذر الثلاثي نفسه المؤلف من ثلاثة حروف ساكنة. استخدم أي كلمة في العربية وسرعان ما تتداعى المعاني التي لم تكن في البال، تعلمت أن إحدى المفردات لكلمة امرأة، «حرمة»، تأتي في الجذر نفسه الذي منه المفردتان «مقدس» و «إثم». والحرف «ميم» هو جذر المفردات: مصدر، أمَّة، رحمة، المبدأ الأول، الغلة الوفيرة، الأمية، الغباء، ضعف الشخصية، في البدء كانت الكلمة، والكلمة في اللغة العربية غامضة على نحو رائع». «إن طبيعة اللغة العربية تعني أنه يستحيل الوصول إلى الترجمة الدقيقة للقرآن، فألفيت نفسي أعود إلى ترجمتين مختلفتين تماماً - ترجمة جورج سال - من أجل اللغة الشاعرية وترجمة محمد مرمدوك بكثالس من أجل المعنى الأوضح عن الزواج والجنس والعمل والجهاد، لكن حتى في الوقت الذي تكون اللغة واضحة فيه، كانت الدلالات تختلط علي. اتخذت لي مقعداً في مدارس النساء الدينية الجديدة التي تنهض في أرجاء المنطقة، وتعلمت الكثير عن عشرات النساء اللائي ساهمن في تشكيل تاريخ الإسلام المبكر، وظهرت الازدواجية مرة أخرى، نساء وراء حجاب العفة، ونساء في طليعة حرب الجهاد المقدس». تحولات دينية وتصف الكاتبة بروكس التحولات والتنقل بين الأديان لديها (انتقالها إلى اليهودية) ولدى صديقتها جانيت (التي انتقلت إلى الإسلام الشيعي)، في قالب قصصي حواري، وتتذكر التفاصيل الخاصة بتلك التحولات قائلة: «اعتنقت جانيت الإسلام لأن زوجها أراد أن يربي أولاده كمسلمين، ولأنها آمنت بأن ذلك دين واحد سيجعل بيتها أكثر انسجاماً، وقد نظرت إلى ذلك الإسلام بطريقة واقعية: «فالله الإسلامي والمسيحي هو نفسه أليس كذلك؟ إن تقرئي القرآن تجدي فيه ماري ويسوع - لا يختلف الأمر إلا باسميهما مريم وعيسى». كان اعتناق جانيت الإسلام مسألة بسيطة، ففي غرفتها في كنساس، وبحضور شاهدين أعلنت إسلامها، وهي ترديد شهادة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». ولأن زوجها شيعي فقد أضافت أيضاً الجملة الاختيارية: «علي صفي الله»، وما إن قالت الصيغة البسيطة هذه حتى أصبحت مسلمة. وكي تكون مسلمة صالحة كان عليها أيضاً أن تعيش وفق أركان الإسلام الأربعة الأخرى، الصلاة خمس مرات في اليوم، صيام رمضان، إعطاء الزكاة للفقراء التي غالباً ما تكون اثنين في المئة من كل ثروة المرء وليس من مجرد دخله كل عام، والحج إلى مكة مرة واحدة في العمر إن استطاعت ذلك. أما في ما يتعلق بعلاقة الكاتبة بروكس مع دينها فتتحدث باستفاضة قائلة: «أثار قرار جانيت اهتمامي، ففي صبيحة أحد أيام شتاء عام 1984 قمت بأمر مماثل، ذهبت إلى غرفة شديدة الرطوبة في ضاحية كليفلاند، أنزلت جسدي في حوض من القرميد مليء بماء المطر، وأخرجته وأنا ألفظ الكلمات الآتية: «اسمع، يا إسرائيل يا ربنا، يا إلهنا، الرب واحد»، لاحقاً أقمت الشعائر مع حَبْري وعريسي على حساء فطير الذرة والبطاطا في كنيس يهودي مجاور». وتصف انتقالها إلى الدين اليهودي قائلة: «ارتدادي الديني له صلة بالتاريخ أكثر من صلته بالدين، فلو أردت أن أتزوج بيهودي فالأمر يبدو أنني أرمي بنصيبي ضمن مصير شعبه المهدد دائماً. لم أكن حينها أعلم أنني سأمضي الجزء الأعظم من العقد المقبل في الشرق الأوسط، الأمر الذي جعلني وأنا إلى جانب زوجي عدوة للكثيرين ممن عشت بينهم». لكنها ترى أن انتقالها إلى الدين اليهودي الذي هو دين زوجها لم يكن سوى انتقال شكلاني، بعكس انتقال صديقتها إلى دين الإسلام، الذي كان جوهرياً، تقول: «أما كوني يهودية فقد ظل أمراً مجرداً، حدد نوع العرس، ولم يعد يعني سوى وليمة عائلية في عيد الفصح كل عام وصوم يوم كيبور، وبعض الحرج في أعياد الميلاد، ولافتة غالباً لم تكن ملائمة تقضي بأن عليّ أن أكتبها على طلبات التأشيرة حين أزور بلدان الشرق الأوسط. لكن الدين بالنسبة إلى جانيت شكّل روتين حياتها اليومي». وتتابع: «جانيت أيضاً أرادت أن تكون إلى جانب زوجها، لكن جنسيتها في إيران أواخر السبعينات كانت عقبة لم يستطع دينها الجديد أن يتغلب عليها كليةً. «لم يكن ذلك الوقت جميلاً لعروس مضطربة من كنساس، لكي تقيم في بيت في طهران». وتستطرد: «اضطرت جانيت إلى أن تجلس في الاجتماعات العائلية وتستمع إلى تشهير أقارب زوجها ببلادها. وإذ تطورت لغتها الفارسية بدأت تتحداهم، كانوا يقولون: «يا جانيت نحن نحب الشعب الأميركي وما نكرهه هو الحكومة فقط»، فكانت تقول: «حسناً الحكومة في بلادي هي الشعب». لكن جيرالدين بروكس تحمل إجمالاً تصوراً حالماً تجاه الإسلام وقصص تاريخه، على رغم أنها تُدلي بمعلومات مستقاة من مصادر غير موثقة، فهي على سبيل المثال، تتصور أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يرى أن تسعة أعشار الرغبة للمرأة وعشراً واحداً منها للرجل! إضافة إلى معلومات أخرى غير دقيقة، مثل اعتقادها بأن الرجل المسلم يخشى تدنيس نفسه بالنظر إلى المرأة الأوروبية، كما تعتقد بأن نبي الإسلام محمداً (صلى الله عليه وسلم) ارتمى في حضن خديجة (رضي الله عنها) عندما قال: «زملوني زملوني» راجياً منها أن تحميه من الملك جبريل؟ إلى غير ذلك من معلومات غير دقيقة، كتصورها أن الله منح الرجال فقط التمتع في الجنة بالنساء، ولم يمنح النساء ذلك، وغير ذلك من الأخطاء الناتجة من القراءة التي حال دون دقّتها العائق اللّغوي والمعنوي، وعدم إلمام الكاتبة بحقيقة التاريخ الإسلامي. مع ذلك، فالكاتبة الأسترالية التي «عجنت» نفسها بالمجتمع الشرق أوسطي، وتشربت الإسلام، لا تُخفي حبها الشديد للنبي محمد، إذ تقول: «أحب نبي الإسلام النساء، تزوج زوجته الأولى عندما كان في ال25 من العمر، أمياً يتيماً فقيراً، لم يكن يطمح بأن يتلقّى عرض زواج من رئيسته خديجة، سيدة الأعمال المكية الثرية التي ائتمنته على تجارتها في الدولة، وفي حين لم يكن مألوفاً في الثقافة العربية أن تعرض النساء الزواج على الرجال، فإن خديجة كانت واحدة من أولئك النسوة اللائي لهن من المكانة ما يسمح لهن بفعل ذلك، منحته المال والمنزلة الرفيعة وأربع بنات، الوحيدات اللاتي بقين على قيد الحياة، آية الله روح الله الخميني والملك حسين ملك الأردن وآلاف من الشيوخ والملالي الذين يرتدون اليوم العمامة السوداء التي تدل على أنهم يتحدرون من نسب الرسول، جميعهم يعود نسبهم إلى واحدة من هؤلاء البنات الأربع».