أكد الناقد الدكتور معجب العدواني أن الأدب العربي يمر بمرحلة تطور ورقي بجميع أجناسه في العالم العربي، باستثناء بعض البلدان التي تعاني بعض الأزمات، ما أسهم بخروج أدب مختلف خارج المناطق المشتعلة بالفتن والحروب، لافتاً إلى أن هناك أنماطاً أدبية جديدة بدأت تشق العباب لتعلن عن نفسها مثل القصة القصيرة جداً أو ما يعرف ب"القصة التويترية". ويرى رئيس وحدة السرد بكلية الآداب جامعة الملك سعود أنه في المستقبل القريب سيكون هناك ضغط من"تويتر"كوعاء نشر للشباب الراغبين بكتابة القصة القصيرة جداً، والذين سيخضعون لشروط هذا الموقع، ومن ثم سيكون عليهم التفاعل مع هذه الشروط وقبولها بحلوها ومرها، مشيراً إلى أهمية فتح المجال والمساحة لأشكال أدبية تتشكل وتتوضّع وتتخلق في الثقافة العربية. يعرِّف العدواني القصة القصيرة جداً، والتي يصرّ على وصفها ب"القصة التوتيرية"، بأنها نص إلكتروني لا يمكن أن يتشابه مع بقية الأجناس لاختلاف نمطه واختلاف شروط الحرية فيه، واختلاف قواعد كتابته واختلاف إعداد المتلقين. وقال:"لا يعنى هذا أن ما ينتج ليس من أدب القصة، فهو من أدب القصة ولكنه ينسب إلى وعاء نشر يختلف عن غيره من الأوعية مثل"فيسبوك"والمنتديات والمدونات الإلكترونية. وحول رفضه إطلاق اسم القصة القصيرة جداً على"القصة التويترية"، أوضح أستاذ النقد والنظرية المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود، أنه لا يجب إلصاق هذا الأدب بفن القصة القصيرة جداً والذي يسهل الأمر على كثير من المتعاطين لهذا الفن، ما يؤدي لانتهاك صارخ جداً لحدود الأشكال الأدبية. وأشار إلى أنهم لا يطمحون"لإقامة الحدود بين الأجناس، لكن في حال القصة القصيرة جداً نحتاج لكي نفصّل هذا الشكل، والذي يعد فتيّاً جداً ولا يقوى أن نخلط بينه وبين الأنساق الأدبية الأخرى المواجهة له أو المتداخلة معه، لذلك لا بد من أن نطلق على هذا النوع من الأدب قصة تويترية". وأوضح أن ما ينشر في المدونات"لا ينتمي للقصة القصيرة جداً، لكنها كلمات لا معنى لها، فنحن أمام تكوين جديد بشكل أدبي موجود داخل تويتر أو فيسبوك"، رافضاً أن تكون لهذه المواقع بصمة في الإبداع الأدبي، فغالب ما ينشر يختلف عمّا يطلق عليه قصة قصيرة جداً. جاء ذلك خلال مؤتمر الإسكندرية للسرديات والذي أقيم بعنوان:"الدورة الأولى القصة القصيرة جدًا: دورة الأديب مصطفى نصر"، والذي نظمته مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً في المغرب. وأشار العدواني إلى أن الأدباء العرب بدأوا في الخروج بكتاباتهم الأدبية المتنوعة عن أوعية النشر التقليدية،"إلى أوعية نشر حديثة هيأتها لهم وسائل الاتصال الجديدة، ولما كان أبرز تلك الأوعية مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدًا"تويتر"، فإن نصوصهم نحت إلى التكثيف، استجابة لشيوع وسائل الإعلام الجديد، وتنوع قنواته، ومن ثمّ اختلاف مساحة المكتوب المخصصة للنصوص المكتوبة فيها، وتحديدها اضطراراً في بعض تلك القنوات". وبسؤاله عما أضافته تلك القنوات للكتابة الإبداعية، أوضح الناقد أن اختلاف تلك القنوات كمنابر ميسرة"تشي بحرية المبدع ونصه بعيداً عن سطوة الرقيب، وسلطة أوعية النشر التقليدية، مما هيأ لهؤلاء المبدعين فرصاً ثمينة جديدة، وذلك لكونها تصل إلى جماهير وأعداد من القراء لا يمكن الاستهانة بها، ولا يمكن مقارنتها بغيرها، إلى جانب رفع الجهد والمشقة عن المبدعين، فكان لهذه المواقع دورها وتنامي أثرها في الكتابة الإبداعية، إذ تزايد حجم التأثيرات الفعلية لشبكات التواصل الاجتماعي على الأدب إنتاجاً ووسائط وتلقياً". وعن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي كأوعية للنشر، أوضح العدواني أن حرية الأديب في الإبداع"أصبحت معرضة للتلاشي بسبب القيود التي تفرضها تلك الأوعية، ما يؤدي لإنتاج نصوص يتحقق فيها شرط الأدبية، لكن تبدو مختلفة الملامح لما تمتلكه هذه الوسائل الإلكترونية من قدرة على التأثير في النص، وقدرتها على صياغة النص الإبداعي وتشكيله، وهي قدرة تضاهي تأثيرها على جمهور المتلقين". وقال:"لعلنا لم نتفاعل بعد مع هذه التأثيرات بالصورة الملائمة لها، فالمتأمل سيلحظ أن النص الأدبي في"تويتر"أصبح مبنياً بأسلوب يتلاءم مع المساحة المخصصة، إذ يخرج النص بعدد محدد من الأحرف لا يتجاوز 140 حرفاً، ما يتناقض جزئياً مع عدد الأحرف المرشحة لإخراج قصة قصيرة جداً، وكذلك فهذا النص يتجلى في أمر مختلف، يمكن وصفه بدمج الكتابة في نصٍّ مرئي ينتج مجموعة من المشاهد التصويرية أو"الفيلمية"أو الترابطية النصية وغيرها، ما يجعلنا أمام نصّ مختلف تماماً عن نص القصة القصيرة جداً الورقي، إذ يكون الورق وعاء لذلك النص". وأضاف:"نلحظ أن هذا النص إما أن يكون شديد القصر، أو يجتاز حدود الموقع مستعينًا بآلية"الهايبرتكست"، وهي الآلية التي تعلن عن اجتيازه المساحة المحددة للكتابة، فخروج النص من أعراف الشكل الأدبي المحدد سلفاً، الذي لا يزال يعاني من مبدأ الإيمان به عند بعض الاتجاهات النقدية". وعلى رغم ذلك يرى العدواني أن وجود مثل هذه النصوص حال صحية في الثقافات، لأنه دليل وعي خلاّق للمبدع. وبسؤاله حول شعور الشارع العربي بانفصال المثقف عن قضاياه والذي لا يخاطب إلا النخبة، قال:"لا أعتقد أن الشارع هذه الأيام هو نفسه الشارع القديم، فلم يعد العامة هم العامة نفسهم الذين كنا نعرفهم أو نقرأ عنهم من قبل، فالعامة الآن يتشكلون ليكونوا هم النخبة، والعامة هم من يقودون حركة التغيير، والعامة تمكنوا من امتلاك أدواتهم ولم يعودوا كما كنا نعرفهم بصورتهم في العصر الوسيط، إذ كان يقال إنهم محملون بالجهل، وحينما كان عدد النخبة قليلاً وهم الذين كانوا يمتلكون سلاح العلم والمعرفة، أما الآن فهذه الأدوات أصبحت بيد الناس جميعاً، ومن ثم أصبحت النخبة مصطلحاً يتقلص ويتضاءل دوره، فالجمهور نفسه أصبح النخبة". وأضاف:"أجد هذا الموضوع مهماً جداً، ولدي بحث مهم جداً في هذا الموضوع سيخرج للنور قريباً، فتحولات العامة بالشارع العربي خلقت تغيّرات كثيرة، بينما كانت النخبة يتوارون خلفهم". وعن تقويمه للمثقف العربي عالمياً، ولماذا توقفت جائزة نوبل عند الأديب المصري نجيب محفوظ ولم تطرق باباً عربياً آخر، أكد العدواني أن عدم فوز أي أديب عربي بجائزة نوبل ليس دليلاً على تردي حال الأدب العربي، فالجائزة مؤشر وحيد على قوة الأدب ومدى فعاليته. ويرى أن الأدب العربي وما به من تنوع وثراء دليل على جدارته بأن يحصد العديد من الجوائز. وأرجع العدواني السبب لأن الأديب العربي لا يجد الدعم من المؤسسات الثقافية الكبرى في بلده، والتي تدعم المنجز الثقافي العام، لافتاً إلى أهمية هذا الدعم حتى يستطيع الأدب العربي أن يحظى بحضور في المحافل العالمية. النص الأدبي في مرحلة تشكلات جديدة بسبب شبكات التواصل قال الدكتور معجب العدواني إن النص الأدبي في مرحلة تشكلات جديدة"في إطار شبكات التواصل الاجتماعيّة على الإنترنت، ولقد أنتج الإعلام الجديد تأثيرات مختلفة على الكتابة الإبداعية التي لما نستوعبها بعد، من حيث قدرة شبكات التواصل الاجتماعي عامة و"تويتر"بخاصة، الأمر الذي أنتج"قصة تويترية"نتيجة لما تمتلكه هذه الوسائل الإلكترونية من قدرة على التأثير في النص، وقدرتها على صياغة الخطاب الأدبي أو النص الإبداعي، ولم يستوعب بعض النقاد بعد هذه التأثيرات بالصورة الملائمة لها". ولفت إلى أنه ينبغي على النقد أن يعيد بناء أدواته"بما يتلاءم مع هذه التحولات انطلاقًا من متابعة قراءة النصوص بما تستحقه من الوعي بالمتغيرات المؤثرة في كتابة النص عبر الشبكات الاجتماعية، ولن تؤثر في هذا آراء بعض الاتجاهات النقديّة التي تتعاطى مع تلك النصوص الأدبية من خلال النظرة الماضوية التي تهمل اللحظة الراهنة، وتجعل من الصعب التفاعل مع مستجدات النصوص، وتغيّب بذلك ثقافة النقد ووعيه بما يتطلبه تراكم النصوص الجديدة من أدوات، ما يجعل من الصعب أن تكون دافعاً إلى الأمام لاستيعاب ما يدور في العالم بسرعة، إذ إن الدارج تجاه التجديد لدى تلك الاتجاهات يتمثل في ربطه بالماضي، ولذا كان سكّ مصطلحات تواكب ديناميكية الكتابة الأدبية عبر الشبكات، كما هو الحال في مصطلح"القصة التويترية"مريحاً من أزمة الاتكال إلى الجانب الماضوي، ويدفع إلى استحداث أنماط جديدة في التعامل مع النصوص، وهو أمر يجبُّ ما يقال حول حركة النقد البطيئة لاستيعاب التجارب الإبداعية، وأن النقد لا يزال غير مستوعب كل الاختلافات الكبيرة حول الكتابة الإبداعية في فضاءاتها المتنوعة التي تغيَّر معها موقع الكاتب والمتلقي".