رداً على مقال الزميل عبدالله الربيعان، المنشور الجمعة 29 تموز يوليو 2011، بعنوان ب"مدننا الاقتصادية أين وصلنا؟"، ومقال الزميل جمال بنون، المنشور الاثنين 8 آب أغسطس 2011، بعنوان:"بيضة إعمار ... القشرة الهشة". نود الإشارة إلى ما كتبه عبدالله الربيعان وجمال بنون، وتطرقا فيه إلى التأخر الذي صاحب تنفيذ مشاريع المدن الاقتصادية. والإيضاح بأن المقالين تضمنا عدداً من النقاط والتساؤلات حول مدينتي الملك عبدالله الاقتصادية برابغ، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل. بادئ ذي بدء، نحن نتفق مع الأخوين الكريمين على أن هناك تأخراً صاحب تنفيذ عدد من المشاريع الأساسية في المدن الاقتصادية، الأمر الذي حال دون تمكن مطوري هذه المدن من إنهاء المراحل الرئيسة بناءً على الجداول الزمنية المحددة. كما نقدر لهما في الوقت نفسه اهتمامهما ومتابعتهما لمشاريع المدن الاقتصادية. ويسرنا من خلال ردنا هذا إطلاعهما وقراء صحيفة"الحياة"الأعزاء على آخر التطورات والمستجدات التي تمت في مشاريع المدن الاقتصادية، وكذلك على أبرز التحديات التي أدت إلى تأخر البدء في تنفيذ بعض المشاريع فيها، وعلى الجهود التي بذلت لتجاوز تلك التحديات. ولكننا قبل ذلك نود تصحيح بعض المعلومات التي وردت في مقاليهما عن مشاريع المدن الاقتصادية بشكل عام"وذلك على النحو الآتي: أولاً: ذكر الكاتب جمال بنون في مقاله:"أن مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية لا يختلف عن أي مشروع حكومي متعثر". والصحيح هو أن مشاريع المدن الاقتصادية ليست مشاريع حكومية، ولا تخصص لها أي مبالغ من الموازنة العامة للدولة كغيرها من المشاريع الحكومية. بل هي مشاريع يمولها القطاع الخاص وينفذها ويحصل مقابلها على المزايا التي يحصل عليها القطاع الخاص. وقد احتضنتها في البداية، الهيئة العامة للاستثمار، منذ إطلاقها أفكاراً ومبادرات مروراً بتسهيل إجراءات إصدار التراخيص وموافقات الجهات الحكومية المعنية على إقامتها وتحولها إلى مشاريع استثمارية يجري تنفيذها على أرض الواقع، وانتهاء بإنشاء هيئة المدن الاقتصادية بصفتها كياناً مستقلاً ومتخصصاً بالإشراف عليها ومتابعتها. ويأتي الاهتمام بمشاريع المدن الاقتصادية في سياق توجه الدولة لإيجاد مزيد من القنوات الاستثمارية لاستيعاب استثمارات القطاع الخاص بشقيه المحلي والأجنبي في المملكة، وتوسيع دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص التنمية الإقليمية المتوازنة. وقد وجهت هذه المشاريع إلى مناطق غابت عنها طيلة السنوات الماضية استثمارات القطاع الخاص الذي لم يكن له دور رئيس في ضخ استثمارات كبيرة للإسهام مع جهود الدولة في تنمية مناطق مثل منطقة جازان، ومنطقة حائل، ومحافظة رابغ، ومنطقة المدينةالمنورة. ثانياً: ورد في مقال الكاتب جمال بنون تساؤل عن مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، إذ يقول:"كيف نعتبر شركة حصلت على أرض من الدولة لإقامة مشاريع استثمارية أنه يجوز لها بيع أراضٍ واحتساب عوائدها ضمن الأرباح؟". ومع إيماننا بأن الحديث عن التقارير المالية والخوض في التفاصيل التجارية المتعلقة بشركة إعمار المدينة الاقتصادية هو من شأن القائمين على الشركة ومسؤوليها، إذ نؤكد احترامنا وتقديرنا لذلك، إلا أن التساؤل الذي طرحه الكاتب هو في غير محله، كون أرض مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ليست هبة أو منحة من الدولة وقامت الشركة المطورة للمشروع بشرائها بمقابل. ثالثاً: في مقال الربيعان ورد تساؤل عن أسباب انتقال أعمال تطوير مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية من شركة ركيزة إلى مجموعة الخرافي الكويتية، وأنه لم يعلن عن ذلك من قبل. ونود التوضيح أن شركة ركيزة قامت باستكمال المرحلة التمهيدية، وأنهت الخطوات اللازمة لتأسيس المشروع والبدء في تنفيذه، بينما يتولى المطور الحالي متابعة تنفيذ المراحل اللاحقة والمتعلقة بأعمال التطوير والاستثمار، وقد سبق الإعلان عن ذلك في حينه في مختلف وسائل الإعلام. ويأتي إسناد مهام التطوير والاستثمار لمجموعة الخرافي الكويتية كخطوة مناسبة لما تمتلكه هذه المجموعة من خبرات وإمكانات مالية وتوافق بين أعمال شركاتها الفرعية وتوجهات المدينة الاقتصادية بما يحقق التكامل لكل المشاريع الاستثمارية التي ستحتضنها المدينة الاقتصادية. رابعاً: في ما يخص العقبات التي واجهت مشاريع المدن الاقتصادية، نود الإشارة إلى أن هذه المشاريع يسري عليها ما يسري على مشاريع القطاع الخاص في المملكة ودول المنطقة، إذ لا تقتصر عوامل النجاح على معطيات السوق من العرض والطلب والجدوى الاقتصادية للمشاريع في ظل الظروف الطبيعية. بل هناك عوامل ومؤثرات خارجية تحدث على مستوى العالم، قد تكون أحد أسباب تعطلها أو تأخرها. ولا يخفى على أحد أن الأزمة المالية العالمية التي ضربت مختلف اقتصاديات العالم بعد إطلاق هذه المشاريع بفترة وجيزة وما سببته من انكماش في الاقتصاد العالمي وتوقف شامل في مجال تمويل المشاريع التطويرية الطويل الأجل قد ألقت بظلالها القاتمة على مشاريع المدن الاقتصادية. ومع أن السياسة الاقتصادية الحكيمة لحكومة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، والنائب الثاني، قد جنبت المملكة عواقب هذه الأزمة السيئة، فإن المدن الاقتصادية بسبب طبيعتها ونموذج الأعمال الذي تتبعه قد عانت بشكل مباشر آثار هذه الأزمة وتم تأجيل كثير من المشاريع التطويرية ومشاريع البنية التحتية حتى استكمال ترتيباتها المالية والتمويلية. وهناك عامل آخر لا يقل أهمية وهو عدم وجود مرجعية محددة وتداخل الاختصاصات بين عدد من الجهات للإشراف على المدن الاقتصادية الأمر الذي تمت معالجته من خلال اعتماد المقام الكريم لتنظيم هيئة المدن الاقتصادية وما تضمنه من تأسيس هيئة المدن الاقتصادية وتحديد صلاحياتها. أما في ما يخص آخر تطورات العمل في المدن الاقتصادية خلال الفترة الماضية فقد تفاوتت درجة التقدم بين مدينة وأخرى، وذلك وفقاً لطبيعة الظروف والتحديات التي واجهت كل مدينة. ففي الوقت الذي تشهد فيه مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومدينة جازان الاقتصادية استقطاب عدد من المشاريع الاستثمارية وتنفيذها، واستكمال التجهيزات الأساسية وأعمال البنية التحتية، يقوم مطور مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية الحالي باستكمال أعمال التنسيق والمتابعة مع الجهات المعنية لإنهاء جميع المخططات الهندسية المتعلقة ببناء المطار، ومحطة قطار الشمال، وغيرها من المشاريع الرئيسة التي تعزز من دور المدينة الاقتصادية في منطقة حائل بصفتها مدينة متخصصة في الخدمات اللوجستية. أما مدينة المعرفة الاقتصادية فقد شهدت إبرام عدد من العقود وترسيتها لتنفيذ مشاريع البنى التحتية لتوفير خدمات المرافق من كهرباء ومياه وتنفيذ للطرق الرئيسة بالمدينة. وفي الختام، نود التأكيد على أن التجارب الدولية في إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة ذات البعد التنموي الكبير التي تتشابه إلى حد كبير مع بناء المدن الاقتصادية في المملكة ليس بالأمر البسيط، إذ يستغرق ذلك فترة طويلة ويرتبط ببرنامج زمني يعتمد على شراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص ولا يمكن إنجازه بين يوم وليلة لما تحتاجه تلك المدن من تجهيزات وبنى تحتية لازمة لتقديم الخدمات الأساسية لمقومات الحياة الاجتماعية والاقتصادية كافة. كما لا يمكن تحقيق ذلك إلا بتضافر الجهود وتكاملها على مدى زمني يستغرق سنوات من أجل اكتمال جميع مكونات أي مدينة اقتصادية وتحقيق جميع الأهداف المرجوة من تأسيسها. وهيئة المدن الاقتصادية انطلاقاً من مهامها ومسؤولياتها، ستواصل العمل عن قرب مع مطوري المدن الاقتصادية ورجال الأعمال السعوديين والأجانب الراغبين في إقامة مشاريعهم فيها لتقديم التسهيلات اللازمة لهم والاستمرار في تذليل التحديات والصعوبات التي يواجهونها بالتنسيق مع أجهزة الدولة المختلفة. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير. عصام بوخمسين نائب مدير هيئة المدن الاقتصادية