أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك عبدالله اطلق اضخم حملة ابتعاث ... والحراك الطلابي السعودي الرابع عالميا : 100 ألف سعودي وسعودية يطلبون العلم في 25 دولة ... وينهلون من 14 تخصصاً "تنموياً"
نشر في الحياة يوم 23 - 09 - 2010

بابتسامة عريضة ودّع الشاب السعودي عبدالرحمن التميمي أخواته الثلاث ووالده ووالدته، إلا أن الأخيرة راحت تجهش بالبكاء بعد أن حزم ابنها ذو ال24 عاماً حقائبه راحلاً من منزلهم في العاصمة الرياض، إلى ولاية كنتاكي الأميركية لإكمال دراساته العليا. كان ذلك المشهد قبل ثلاثة أعوام. الآن والدة التميمي، تستمع لأخبار ابنها، بنهم وفرح شديدين، وهو يقترب من الحصول على شهادة الماجستير في تخصص دقيق في مجال الحاسب الآلي، بعد أن نال فرصة الابتعاث في أميركا ضمن برنامج"خادم الحرمين الشريفين للابعاث الخارجي"، الذي خصص لابتعاث الطلاب والطالبات السعوديين المؤهلين للدراسة في أفضل الجامعات الدولية في مختلف دول العالم.
الشاب عبدالرحمن واحد من 100 ألف طالب وطالبة سعوديين بمجموع 170 ألفاً بأسرهم، تم ابتعاثهم إلى 25 دولة حول العالم، بعد أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في 10 -8-1430، مبادرته باستحداث"برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي"، الذي انتهت منه المرحلة الأولى خمسة أعوام، وبدأت المرحلة الثانية تستمر أيضاً خمسة أعوام أخرى، هدفت السعودية منه إلى"تنمية وإعداد الموارد البشرية السعودية وتأهيلها بشكل فاعل لكي تصبح منافساً عالمياً في سوق العمل ومجالات البحث العلمي، ورافداً أساسياً في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المميزة".
لا يكاد يخلو مجلس واحد في السعودية، التي تشغل مساحتها الجغرافية أربعة أخماس شبه جزيرة العرب بمساحة تقدر ب 790.149.2 كيلومتر مربع، من تبادل وتناقل أخبار أبنائهم وبناتهم المبتعثين في أقاصي الأرض، من الصين واليابان وسنغافورة والهند وماليزيا، مروراً بأستراليا ونيوزيلندا وصولاً إلى أميركا وكندا وليس انتهاءً ببريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا لمواصلة دراساتهم في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ومرحلة الزمالة الطبية، إذ يستبشر السعوديون بنهضة حضارية في مختلف المجالات نتيجة ذلك البرنامج التعليمي العملاق، الذي أتاح للمبتعثين والمبتعثات فرصة الدراسة واكتساب المعارف والمهارات وتحقيق الامتداد الثقافي بين السعودية والحضارات الأخرى.
ويحتفل السعوديون بين الحين والآخر بقرارات يصدرها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تتعلق بالابتعاث الخارجي، فمنذ أن فتح باب الابتعاث من جديد بعد توقف دام ثلاثة عقود، وهو يلحقها بقرارات أخرى سواءً بتمديد برنامج الابتعاث إلى خمسة أعوام، أم صدور توجيهاته العديدة بإلحاق الطلاب والطالبات الدارسين والمنتظمين بدراستهم على حسابهم الخاص في المعاهد والجامعات بعضوية الابتعاث، كان آخرها في أيار مايو الجاري، لطلاب وطالبات دول الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا بإلحاقهم بعضوية البعثة، وهو الأمر الذي اعتبره كثيرون في السعودية"مزيداً من التحفيز والدعم للأجيال السعودية للانطلاق نحو العلم والمعرفة".
وإن كان ابتعاث الطلاب السعوديين للدراسة في الجامعات العالمية سياسة تعليمية لها تاريخ قديم، بدأت في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، عام 1347ه، إذ وجّه بابتعاث أول 14 طالباً إلى الخارج لحاجة البلد في ذلك الوقت، ووصل عدد الطلبة المبتعثين عام 1950 إلى 200 طالب، وتوالت البعثات التعليمية بتوجيهات من ملوك السعودية، بيد أن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي، شهد في السنوات الخمس الماضية توسعاً كمياً ونوعياً في شؤون الابتعاث"لم يشهده تاريخ المملكة على مدى العقود الماضية، من حيث أعداد المبتعثين وتنويع دول ومؤسسات التعليم المبتعث لها، وتنوع التخصصات التي تتوافق وحاجات سوق العمل وخطط التنمية الوطنية"، كما يؤكد وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون الابتعاث الدكتور عبدالله الموسى.
وإذا ما تمت المقارنة بين الذكور والإناث في حق الابتعاث، يلفت الموسى، إلى أن ذلك الحق"متاح للذكور والإناث على حد سواء، وليست هناك قيود على ابتعاث الفتاة، بل الشروط واحدة، إلا أنه يضاف للمرأة وجود محرم يرافقها في السفر". ويشير تقرير صادر عن وكالة الوزارة للتخطيط والمعلومات في وزارة التعليم العالي لعام 2010، إلى ارتفاع عدد الطالبات المبتعثات إلى الخارج لدراسة مرحلتي الدكتوراه والماجستير على عدد الطلاب المبتعثين، فيما تفوق الطلاب الدارسون في مرحلة البكالوريوس عددياً على الطالبات.
وتبتعث السعودية طلابها وطالباتها في مجالات: الطب، طب الأسنان، الزمالة، والصيدلة، والتمريض، والعلوم الطبية الأشعة، المختبرات الطبية، التقنية الطبية والعلاج الطبيعي، والعلوم الصحية والتغذية والهندسة المدنية، المعمارية، الكهربائية، الميكانيكية، الصناعية، الكيماوية، البيئية، الاتصالات والآلات والمعدات الثقيلة، والحاسب الآلي هندسة الحاسب، علوم الحاسب، الشبكات وغيرها والعلوم الأساسية الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، وتخصصات أخرى كالقانون والمحاسبة والتجارة الإلكترونية والتمويل والتأمين والتسويق.
ويتم تحديد التخصصات المطلوبة وأعداد المبتعثين بناءً على حاجة الوزارات والمؤسسات الوطنية والقطاع الخاص بما يتوافق مع سوق العمل وحاجات المناطق والمحافظات والجامعات والمدن الصناعية، غير أن أخبار تفوق الطلاب والطالبات السعوديين في الخارج لا تتوقف خصوصاً أولئك الذين حصلوا على عدد من الجوائز العلمية وبراءات الاختراع وشهادات التفوق العلمي وتمثيل البعض منهم في المجالس الطلابية في الجامعات، فيما تؤكد وزارة التعليم العالي السعودية أن نتائج الإخفاق الطلابي جاءت"متدنية بنسب لم تتعد 3 في المئة، من مجموع الطلاب المبتعثين".
وفي الشهرين الأخيرين فقط، تداولت أخبار نيل عدد من الطلاب والطالبات جوائز تقديرية، منها حصول الطالب السعودي عبدالعزيز التركي على جائزة أفضل طالب مثالي للعام الحالي في جامعة ميرلاند، بعد امتيازه في الحفاظ على المعدل العام 4 من أصل 4 في تخصصه بكالوريوس هندسة كهربائية، فيما نال الطالب المبتعث منصور الحماد، براءة اختراع في الرياضيات تغيير العقل البشري من جديد، بعد أن أوجد حل المعادلات التكعيبية ذات الحل الوحيد المتكرر وحل المعادلات ذات الدرجة الرابعة التي لها حل وحيد متكرر وتعميم الفكرة لحل كثيرات الحدود جميع المعادلات ذات الحل المتكرر.
فيما احتفل الطالب علي آل جمعان بتسجيل اسمه في"السجل الذهبي"لجامعة انديانا ستيت في ولاية انديانا الأميركية، بعد أن أثبت تفوقه الدراسي على أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة، يدرسون في الجامعة ذاتها، إذ حصل على جائزة"رانكن"للتفوق العلمي، فيما حقق زميله المبتعث ممدوح الطاشكندي، جائزة القولدن كي"Golden Key"العالمية لهذا العام 2010، للتميز والتفوق العلمي والبحثي والتي تمنح سنوياً للطلاب المميزين في المجالين الأكاديمي والتميز العلمي على مستوى الجامعات الأميركية.
وفي الإطار ذاته، أشاد عدد من المسؤولين في الجامعات الغربية بجدية وتفوق الفتاة السعودية، إذ كان من آخر الإنجازات لهن، ما حققته الباحثة المبتعثة السعودية في جامعة بوسطن في أميركا الدكتورة مي الحبيب، بعد أن قدمت بحثها في عزل الخلايا الجذعية من الأنسجة واستخدامها في تطوير علاج جذور الأسنان، إذ فاز مشروعها البحثي بتقدير الجامعة ودعمها الكامل لهذا المشروع، واختيرت الباحثة السعودية ضمن عدد من الطالبات وبمنافسة عالية، فيما تلفت الحبيب، إلى أن هذا الاكتشاف"سيحدث ثورة وتطوراً في مجال طب الأسنان وفي القريب العاجل، وبمجرد اكتماله قد يحل مكان العلاج التقليدي لأعصاب الأسنان... ومن الآن وصاعداً لن نتجاهل ضروس العقل وأسنان الأطفال بعد الخلع، وسنقوم بالتأكيد على الحفاظ عليها لنستخدمها لاحقاً في علاج الأسنان ومختلف الأمراض المستعصية".
وفي الناحية الأخرى حصلت زميلتها المبتعثة هند الجعيد المبتعثة من جامعة الطائف لإكمال الدراسات العليا في أستراليا على عضوية جمعية المفتاح الذهبي للشرف العالمي التي تمنح للطلبة المتفوقين في شتى المجالات الأكاديمية، إذ حصلت الجعيد على هذه العضوية بعد تفوقها في مجال اللغويات التطبيقية في جامعة جريفث الأسترالية، وإدراج اسمها ضمن قائمة ال10 الأوائل على مستوى الجامعة. ويعد المفتاح الذهبي من أهم الجمعيات الأكاديمية على مستوى العالم لتكريم وتشجيع التحصيل الدراسي المميز لطلاب الجامعات.
حياة الشبان والشابات السعوديين لم تخلُ من الخطر في بعض البلدان المبتعثين إليها، لأسباب مختلفة، أولها الانعكاسات السلبية التي أفرزتها الأحداث الإرهابية المتكررة حول العالم خلال الأعوام الأخيرة، وما نتج منها من عدائية واضحة للعرب والمسلمين، أو لأسباب عنصرية، أو لأخطاء قد يقع فيها المبتعثون نتيجة عدم معرفة وإدراك لقوانين أو ثقافة تلك البلدان، كما يؤكد كثير من الطلبة المبتعثين والمبتعثات.
وعلى رغم أن وزارة التعليم العالي السعودية تقيم ملتقى سنوياً للطلاب المقبولين ليتم تزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة التي تساعدهم في مواجهة مشكلات الحياة اليومية في دول الابتعاث، يشارك فيه نخبة من المختصين في تلك مجالات وخريجون سعوديون من بلدان الابتعاث بمشاركة أعضاء من سفارات بلدان الابتعاث، إلا أن سفير السعودية السابق لدى بريطانيا الأمير تركي الفيصل، دعا الوزارة ذاتها إلى أن"تعتمد برنامجاً تأهيلياً شاملاً لطلاب الابتعاث لا تقل مدته عن عام لتخفيف المشكلات كافة التي تواجههم في الدول الأجنبية والتأهيل للسفر، والاندماج بالمجتمعات الأخرى".
غير أن هناك حالات تعاطف يبديها المسؤولون في البلدان التي أقام فيها السعوديون، كما حدث مع حاكم ولاية مونتانا الأميركية براين سوتشزر، الذي قام بزيارة إلى الطلاب المبتعثين في جامعة مونتانا، للاطمئنان على سلامتهم بعد مجموعة من حوادث الاعتداء العنصرية ضد العرب، كان آخرها لطالب سعودي تقدم بشكوى رسمية للشرطة بعد أن تلقى لكمة في وجهه من دون أسباب عندما كان يبتاع أغراضاً من أحد المحال التجارية، إذ عبّر الحاكم عن أسفه، متمنياً أن"لا تتكرر مثل هذه الحوادث في المستقبل"، ناصحاً الطلاب ب"الابتعاد قدر الإمكان عن الشوارع المعروفة بالخطر".
وفي واحدة من أشهر قصص"الاعتداءات العنصرية"على الطلاب السعوديين، ما تعرض له المبتعث السعودي محمد الحجيلان، على يد 12 شاباً بريطانياً، ركلوه وضربوه بعصي في رأسه، ما أدى إلى كسر أنفه وإصابته في محيط العين، متلفظين بكلمات عنصرية ضده، كما قاموا بنهب هاتفه ونقوده، قبل فرارهم من موقع الاعتداء قرب جامعة ايست انجيليا، في شهر 12 من عام 2007.
التأثير العلمي والمعرفي، لم يطاول السعوديين الذين حصلوا على فرصة ابتعاث، بل امتد ليشمل المرافقين سواءً الزوجة أم الأطفال، أم المحرم الذي يرافق الطالبة. ففي حالات تأثر الأطفال الإيجابي، فقد تميزت الطفلة السعودية لجين أسامة سمرقندي طالبة في السنة الرابعة الابتدائية ترافق والديها المبتعثين لإكمال دراستهم العليا في أميركا، بتفوق دراسي عال حققت خلاله درجات مرتفعة فكانت محط أنظار معلماتها في المدرسة بعد أن حصلت في العام الماضي على شهادة التقدير من إدارة تعليم المقاطعة في ولاية أوهايو الأميركية ضمن أفضل 80 طالبة على مستوى الولاية، متخطية متوسط أعلى نقاط على مستوى مدرستها والمقاطعة والولاية على التوالي. كما اعتبرت أصغر كاتبة من خلال كتابها بعنوان Dr. Martin Luther King Jr، وهو كتاب يسطر حياة المناضل الأميركي الدكتور مارتن لوثر كنغ جونير.
ومن أبرز ما أنتجه برنامج الابتعاث الخارجي، بحسب مراقبين، ظهور المئات من نوادٍ واتحادات الطلاب السعوديين في الجامعات العالمية، إذ يقوم المبتعثون والمبتعثات، بإبراز وجه السعودية الحضاري سواءً في اليوم الوطني أو المناسبات الأخرى كالمعارض والمؤتمرات، بل امتد ذلك إلى المشاركات في الأنشطة المحلية، لدرجة حصول طلاب سعوديين مبتعثين في مدينة أوماها في ولاية نبراسكا، على شهادات من الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكذلك من البيت الأبيض، جراء مشاركتهم في برنامج لتأهيل السجناء في السجون الأميركية بولاية نبراسكا، إذ كانت الفكرة بدأت بتبني جامعة نبراسكا في مدينة أوماها، قيام الطلاب بتدريس السجناء المبادئ الأساسية لتعليم الحاسب الآلي ومهارات استخدامه.
يبقى هناك تحدٍّ ستواجهه السعودية خلال الأعوام القريبة، بحسب عدد من الأكاديميين والكتاب الصحافيين والمواطنين، وهو"توفير وتهيئة وظائف تتلاءم مع شهادات الدارسين في الخارج بعد عودتهم"، في ظل تخريج الجامعات السعودية لآلاف من الطلاب والطالبات سنوياً عبر أكثر من 27 جامعة وعشرات الكليات والمعاهد، بيد أن وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، يؤكد أن وزارته"تعمل على تعريف مجتمع الأعمال بالخريجين وتخصصاتهم العلمية، وكذلك أخذ مرئيات هذه الجهات في التخصصات والبرامج التي يتطلعون لها من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في السنوات الخمس المقبلة، وستستمع الوزارة إلى مقترحات القطاعين العام والخاص عن المهارات التي يحتاجونها من المبتعث". من أبرز ما أحدثه الابتعاث تلك النقلات والتحولات النوعية للمرأة السعودية، بعد أن أتاح البرنامج الفرصة لها لتشارك في الارتقاء بمجتمعها وأسرتها وتكون عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع، كما يؤكد القائمون على التعليم العالي في السعودية.
كثير منهن كان حلم الدراسة في الخارج أشبه بالحلم أو المستحيل. تقول إحدى الطالبات اللاتي ابتعثن إلى بريطانيا مرام مكاوي عبر مدونتها على الإنترنت، التي تكتب فيها مذكراتها، وتعبّر عن رؤاها:"حين حضرت للدراسة في إنكلترا قبل ثلاث سنوات تقريباً، كنت خائفة، مترددة، لأسباب عدة ، فهذه هي المرة الأولى التي أغادر فيها البيت لأعيش وحدي في بلد آخر وقارة أخرى وثقافة مختلفة تماماً، كما أنني سألتحق بنظام دراسي جديد ومختلف، وكنت أخشى أن لا أبلي بلاء حسناً فيه، إضافة إلى أنه كان من سوء حظي أو حسن حظي كما اكتشفتُ لاحقاً أن غادرت بلدي في توقيت صعب، إذ إن العالم كان يغلي على فوهة بركان والحرب تلوح في الأفق، وبريطانيا حليفة أميركا الأولى بلا منازع، وأنا فتاة مسلمة عربية وسعودية في بلد تنوي حكومته شن حرب على دولة جارة شقيقة في منطقتي، كنتُ أعرف أنها ستكون أياماً مليئة بالكثير من كل شيء... ولهذا لم أتردد في أن أسجل يومياتي بانتظام وقد استهلكت الكثير من الكتيبات على غير العادة لأنه غالباً ما كان هناك ما يستحق الكتابة عنه".
وتشير وزارة التعليم العالي السعودية إلى أن من ثمرات هذا البرنامج"التحاق المبتعثين بتخصصات تتفق وحاجات سوق العمل وتتواءم مع خطط التنمية، ونظراً إلى إنشاء المدن الاقتصادية والتوسّع في الأنشطة المالية والاقتصادية، فقد أدرج مجال الاقتصاد والعلوم الإدارية والمالية، ونظراً إلى الفجوة التي أظهرتها إحصاءات وزارة العمل في المهن الهندسية والطبية والاتصال والحاسب الآلي والتي يمارسها غير السعوديين فقد عمد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي إلى سد هذه الفجوة في الكوادر الوطنية، كما أن الجامعات وبخاصة الناشئة تستعد للإفادة من مخرجات هذا البرنامج لسد حاجتها من أعضاء هيئة التدريس".
وأتاح برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي للطلاب والطالبات،"اكتساب الكثير من المهارات والسمات الشخصية، مثل استشعار المسؤولية والثقة بالنفس، والتفاعل مع الثقافات المختلفة واكتساب لغات متعددة وهذه السمات والمهارات تعزز من خلال برنامج الابتعاث الخارجي"، طبقاً لوكيل وزارة التعليم العالي لشؤون الابتعاث، الذي يؤكد أن البرنامج عمد إلى"تحقيق التوازن بين مناطق المملكة، إذ حرصت الوزارة على ابتعاث أبنائنا الطلاب وبناتنا الطالبات من جميع مناطق المملكة، خصوصاً المناطق النائية بهدف تحقيق التنمية الشاملة".
السعودية حققت من خلال برنامج الابتعاث الخارجي، مركزاً متقدماً بين دول العالم في الحراك الطلابي العالمي، إذ كشف تقرير منظمة"اليونيسكو"عن الحراك الطلابي منشور عام 2009 عدد الطلاب المبتعثين حول العالم، إذ تقدمت الدول الصين ب421000، تليها الهند ب153300، ثم كوريا الجنوبية ب105300، ثم السعودية، إذ بلغ عدد الطلاب المبتعثين أكثر من 82 ألفاً، متقدمة بذلك على اليابان والولايات المتحدة الأميركية، كما أنها تحتل المرتبة الأولى بين دول العالم بالنسبة مقارنة بعدد السكان، إذ تبلغ نسبة المبتعثين إلى عدد السكان في المملكة 0.03 في المئة.
وعن المشكلات التي واجهت وزارة التعليم العالي في مراحل الابتعاث السابقة، قال وكيل شؤون الابتعاث الموسى، إن"أي عمل لا بد أن يحتوي على مشكلات، ولكن لا توجد مشكلات جوهرية، فمعظمها يرتبط بقضايا إجرائية، تستوجب فقط اتباع التعليمات والضوابط الموجودة في موقع الوزارة حتى تسير أمور الطالب بانسيابية وعلى أكمل وجه"، موضحاً أنه"كانت هناك إشكالات في السابق في بعض الدول التي تم الابتعاث إليها للمرة الأولى تتمثل في عدم وجود ملحقيات ثقافية، إلا أنه تمت معالجة هذا الأمر بفتح ملحقيات جديدة، إذ ارتفع عدد الملحقيات من 13 عام 1426، إلى 33 ملحقية تساعد وتتابع وتدعم المبتعثين".
ووسط تضارب الحسابات حول كلفة برنامج الابتعاث السعودي خلال السنوات الخمس الماضية، وصلت تقديرات بعض الباحثين إلى أكثر من 40 بليون ريال سعودي، لكن نائب وزير التعليم العالي الدكتور علي العطية، أوضح أن كلفة برنامج الابتعاث للسنوات الخمس الماضية وصلت إلى 15 بليون ريال، من دون إضافة تكاليف إلحاق الزوجات والأبناء.
وقدّر باحثون، أنه في ظل تزايد عدد المبتعثين والمبتعثات الذين يتوقع أن يصلوا إلى أكثر من 130 ألف مبتعث ومبتعثة خلال السنوات الخمس المقبلة، فإن الكلفة ستصل إلى أكثر من 110 بلايين ريال سعودي.
ويفاجئ خادم الحرمين الشريفين"أبناءه وبناته الطلاب المبتعثين"كما يسميهم دوماً، بزيادات في مكافآتهم، إذ وجّه، قبل عامين تقريباً، بزيادة المكافأة الشهرية للمبتعثين في الخارج بنسبة 15 في المئة، وتثبيت سعر صرف الريال في مقابل عملات الدول التي تأثر المبتعثون بتذبذب سعر الصرف فيها، ووافق على تحمل الدولة رسوم تأشيرة المبتعث في الدول التي تفرض رسوماً على تأشيرة الدخول.
كما زاد مكافآت الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الولايات المتحدة الأميركية 50 في المئة، أثناء لقائه بمجموعة منهم، بعد أن عانى المبتعثون في أميركا من ارتفاع تكاليف المعيشة، ومنها التكاليف العالية لرسوم حضانة الأطفال، ووجّه خادم الحرمين الشريفين برفع استحقاق أطفال المبتعثين السعوديين المشمولين بالمكافأة من طفلين إلى أربعة أطفال، بحيث يبلغ ما يصرف لكل من الولدين الثالث والرابع من أولاد المبتعث عشرة آلاف ريال سنوياً لكل طفل.
يقول وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، إن"توجيهات خادم الحرمين الشريفين تقضي بأن توفر كل الظروف المادية والمعنوية لطلابنا في الخارج، وتمت زيادة مكافآتهم وأيضاً البدلات التي تمنح للأبناء والمرافقين للمبتعث"، مؤكداً أن"المسؤولين بالوزارة يراجعون بصفة مستمرة حاجات الطلاب المبتعثين"، لافتاً إلى أنه"ليس هناك حد لإيقاف الابتعاث طالما كنا في حاجة لذلك".
وفيما وافق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تمديد فترة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، لمدة خمسة أعوام مقبلة، اعتباراً من العام المالي 1431 / 1432، سيعود أكثر من خمسة آلاف مبتعث ومبتعثة إلى أرض الوطن بعد الانتهاء من دراستهم قريباً، إذ يشكل المبتعثون العائدون من أميركا ثلاثة آلاف طالب، وألف خريج من أستراليا، ومثلهم من بريطانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.