خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 كنا نسمع أغنية بعنوان"ارفع رأسك أنت عربي"، بعدها تفرعت هذه العبارة، ففي حربي الخليج الأولى والثانية كنا نسمع عبارات، مثل"ارفع رأسك أنت عراقي"، و"ارفع رأسك أنت كويتي"، ثم انسحبت هذه العبارة على معظم الجنسيات العربية، إذ أصبحنا نسمع عبارات، مثل"ارفع رأسك أنت مصري"، و"ارفع رأسك أنت إماراتي"، و"ارفع رأسك أنت سعودي"، ثم تشعبت هذه العبارة إلى أجزاء الدول، فخلال الغزو الإسرائيلي الأخير للبنان كنا نسمع أغنية بعنوان"ارفع رأسك أنت جنوبي"، أي من جنوبلبنان، ثم تشعبت العبارة إلى المدن، فأصبحنا نسمع عبارة مثل"ارفع رأسك أنت غزاوي"، ثم أخذت هذه العبارة تتشعب أكثر، فوصلت إلى الأحزاب والنوادي والقبائل، فأخذنا نسمع عبارات مثل"ارفع رأسك أنت حمساوي"، نسبة إلى حماس"و"ارفع رأسك أنت زملكاوي"، و"ارفع رأسك أنت من القبيلة الفلانية"، ثم تشعبت هذه العبارة أكثر فأكثر فوصلت إلى المهن، فقد قرأت في صحيفة سعودية مقالاً بعنوان"ارفع رأسك فأنت قاضٍ سعودي"، ولم أفهم ماذا يقصد الكاتب في مقاله، هل التميز لأنه قاضٍ، أم لأنه سعودي؟ وفي البحرين لوحة معلقة في داخل إحدى وكالات السيارات، مكتوب فيها"ارفع رأسك لأنك تقود مايباخ"، إلى أن وصلت هذه العبارة إلى لوحة معلقة في أحد المطاعم في سورية، دُوّن فيها عبارة"ارفع رأسك فأنت تأكل في المطعم الفلاني""لأنه مميز بأسعاره الباهظة، ولا يدخله إلا علية القوم. لقد نهى الله تعالى عن الكِبر والغرور والخيلاء والعُجب، كما نهى رسوله، صلى الله عليه وسلم، عن التفاخر بالأحساب والأنساب، فالغرور دليل فساد النفس، ويؤدي إلى الطغيان، وفيه جرأة عظيمة على الله سبحانه وتعالى، ويتنافى مع العبودية الحقة لله تعالى، ففي"فتح الباري"عن أبان، رضي الله عنه، قال النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا تغتروا". وفي"الدر المنثور"عن أبي حازم قال:"لما حضرت عبدالعزيز بن مروان الوفاة، قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه، أنظر إليه. فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي كثير ما أخلف من الدنيا إلا هذا، ثم ولى ظهره وبكى، وقال: أُفٍ لك من دار إن كان كثيرك لقليل، وإن كان قليلك لكثير، وإن كنا منك لفي غرور". الكِبْر اسم كالكبرياء بمعنى العظمة والتجبر، وهي عبارة عن كمال الذات ولا يوصف بها إلا الله تعالى، في الآية الكريمة سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، قال المفسرون في معنى يتكبرون: أي أنهم يرون أنهم أفضل الخلق، وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة لا تكون إلا لله خاصة. يقول حجة الإسلام، الإمام أبو حامد الغزالي في"إحياء علوم الدين":"المتكبر هو الذي يرى الكل حقيراً إضافة لذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه. والكبر هو استعظام النفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير، وهو دليل سُفول النفس وانحطاطها". لقد نهى تعالى عن الكبر والافتخار في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، منها قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور، وأمرنا الله تعالى بالتواضع في مشينا وكلامنا وجميع تصرفاتنا، وبيّن لنا تعالى أن التفاخر لا يكون إلا بالتقوى، في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. ولا يجوز بأي حال من الأحوال التفاخر بالمال، والجاه، والقوة، والعلم، والجنسية، والبلد، والقبيلة، والنسب ونحوها"لأن الله وحده هو العزيز الجبار المتكبر، وهو تعالى الذي خصّ هذه الصفة لنفسه في قوله: وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم. أما العُجب في اللغة فهو الزهو والكبر. ورجل معجب: مزهو بما يكون منه حسناً أو قبيحاً. والمُعجَب: هو الإنسان المزهو بنفسه، أو بالشيء. وفي"لسان العرب":"العُجب فضلة من الحمق". قال أبو هلال العسكري في"الفروق اللغوية":"العجب بالشيء شدة السرور به، فيقال: هو معجب بنفسه إذا كان مسروراً بخصالها". يقول الغزالي في"إحياء علوم الدين":"علة العجب الجهل المحض". لقد ضرب الله تعالى لنا مثلاً في تجنب العجب بالنفس حين قال: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا. في المعاجم اللغوية، الغرور مشتق من مادة"غرر"التي تدل على النقصان، والمراد نقصان الفطنة. والغرور ما اغتر به الإنسان من متاع الدنيا لقوله تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور. والغرور من صفات الكفار والمستكبرين، فقد ضرب الله لنا مثلاً في القرآن الكريم على هذا الغرور: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُون. إن الكِبْر والعُجب والتفاخر والتباهي، كلها تؤدي، والعياذ بالله، إلى الاستكبار. يقول الحق تعالى عن نفسه: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ. كما نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الكبر. فعن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"من كان في قلبه حبة من خردل من كِبْر، كبَّه الله لوجهه في النار". وفي"صحيح البخاري"عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"بينما رجل يتبختر. يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض. فهو يتجلجل بها إلى يوم القيامة". ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:"إن الرجل إذا تواضع رفعه الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس كبير. وإذا تكبر، رهصه الله في الأرض، وقال: اخسأ خسأك الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير". * باحث في الشؤون الإسلامية.