منذ قرابة العقدين، كانت السعودية أول بلد عربي قال: «يا احتراف...»!.. فأتت تجربة ما زالت حتى اليوم تتلمس طريقها في محاولة للوصول بنظم اللعبة ولوائحها ومسابقاتها وعناصرها إلى نظام الاحتراف المعمول به في البلدان المتقدمة كروياً.. حينها كان تحدياً كبيراً في ظل ظروف ومتغيرات اجتماعية واقتصادية وتشريعية تختلف عنها في البلدان التي نحاول اقتفاء أثرها.. أتفهم تماماً الأخطاء الساذجة واللوائح الناقصة غير القادرة على تعبيد الطريقة التي وقعت خلال السنوات الأولى التي بمثابة حقل تجارب! أتذكر جيداً أنني كنت شاهداً على هذه البداية عن كثب، عندما كنت أعمل حينها في صحيفة «المدينة» في جدة... حتى أنني ما زلت أتذكر جيداً أيضاً ذلك العنوان العريض الذي امتد على صفحتين: «سنة أولى احتراف..»!.. مصدراً ملفاً ضخماً ناقش إيجابيات وسلبيات الموسم الاحترافي الأول.. كانت هناك حينها أخطاء ساذجة - بعضها مضحك - سقط فيها إداريو بعض الأندية لعدم الدراية وافتقار الخبرة.. كأن تورط أحدهم في التعاقد مع لاعب أفريقي معتزل منذ 3 سنوات، بل إن آخر ورط أحد السماسرة في التعاقد مع اختصاصي علاج طبيعي على أنه مهاجم من طراز فريد! أخطاء ورغم سذاجتها إلا أننا كنا نتفهما، لطبيعة المرحلة وظروفها.. ورغم كل شيء، مضت التجربة.. من سنة أولى، إلى سنة ثانية، وثالثة وعاشرة وثامنة عشرة.. ما كان مقبولاً من تلميذ في سنة أولى بالمدرسة، لا يكون مقبولاً من طالب آخر يفترض أنه اليوم وبعد كل هذه السنوات، يقوم بالتحضير لنيل درجة الماجستير في الاحتراف. ورغم مرور هذا الفارق الزمني الممتد ما كنا عليه بالأمس البعيد، وبين حالنا اليوم، فإن التجربة السعودية ما زالت غير مكتملة، ولا يمكن تقديمها مثلاً يحتذى به للآخرين وهي التي ما زال بها من النواقص الكثير! وربما كان السبب الرئيسي وراء ذلك، هو أننا ركزنا اهتمامنا على اللاعب، وأهملنا بقية عناصر اللعبة، خصوصاً الإداري الذي يخطط لها ويديرها، فتركناه يتعثر ويعاني على مدار السنوات... منهم من اعتمد على نفسه وتعلم من أخطائه، ومنهم من لا حيلة له إلا «الواسطة» ليبقى ويواصل! ما دفع بهذا الموضوع إلى ذهني وذكرني بعنوان «سنة أولى احتراف» هو عنوان آخر قرأته أمس في صحيفة «الخليج» الإماراتية بعنوان: «لائحة الانضباط تثير الكبار في السعودية»!.. وهو ما جعلني أشعر بأن الزمن وبسنواته العشرين لا يعني لنا شيئاً.. فما زلنا نصدر اللوائح التي لا تحمل مقومات بقائها!.. وكأننا ما زلنا في سنة أولى احتراف! أصابتني الدهشة عندما علمت أن اتحاد الكرة السعودي اعتمدها بكل ما تحويه من نقاط مثيرة للجدل وبعضها يفتقد المنطق.. خصوصاً في بند العقوبات والغرامات والتي تبدأ تسعيرتها من 20 ألف ريال حتى تصل إلى مليون ريال! نعم.. الاتحاد الأوروبي عاقب برشلونة مثلاً بغرامة قدرها 115 ألف يورو لسوء سلوك جماهيره في مباراة السوبر الأوروبي مع بورتو في موناكو.. لكن الاتحاد الأوروبي في ذات الوقت هو الذي منح برشلونة 51 مليون يورو عن مشاركته وفوزه بدوري الأبطال.. فكم مليوناً يمنح الاتحاد السعودي لأنديته حتى يجمع «إتاوات» بالملايين. لا يعقل أن يحصل النادي على مليون ريال من رعاية الشباب ومليونين عن حقوق البث ومثلهما مثلاً من حقوق الرعاية التجارية.. ثم تكون موازنته السنوية بكاملها تساوي ما قيمته خمس مخالفات!!! الكارثة الأكبر التي أعتبرها عاراً على لجنة الانضباط.. أنها تقايض الرشوة بالغرامة المالية.. فالعقوبة المليونية ستطول كل من يقدم أو يعد أو يمنح مصلحة غير مبررة لهيئة في الاتحاد أو مسؤول بالمباراة أو لاعب بنفسه أو بالنيابة عن طرف آخر لحثه على مخالفة لوائح الاتحاد»! يا جماعة تتحدثون عن جريمة رشوة مكانها النيابة العامة وليست لجنة الانضباط... كيف أقابل جريمة أخلاقية من هذا النوع بالمال.. العقاب يجب أن يكون بالشغب والحرمان.. وكأنني أحصل على رشوة لأتغاضى وأتجاوز عن قضية رشوة!! لا أدري من أين ستوفر الأندية هذا الموسم مخصصات دفع رسوم كروت الطرد والإنذار! أمّا من تفتّق ذهنه عن هذه الغرامة المليونية التي لا مثيل لها، فله وحده مليون... سلام! [email protected]