سنوات طويلة مضت على يوم دخولي الجنادرية، اذكر في احد صباحات الرياض البعيدة دلفت أنا ومجموعة من الزملاء، جابر القرني، يحيى زريقان، علي الصغير، شينان الدوسري، ومحمد أبو عمير وآخرون إلى المركز الإعلامي بالقرية الشعبية. الذي كان عبارة عن غرفة واحدة كانت تضيق بصخبنا وأوراقنا لكنها مشرعة بآمالنا وأحلامنا التي لا حدود لها قبل أن تروضنا الحياة وتسرق السنون أحلى سنوات عمرنا. نأتي للدوام مبكرين نتحلق حول فطور الصباح وهو فطور بلدي غير مستورد، عبارة عن طبق فول ورأس بصل وشيء من الخبز، كان احد الزملاء يضرب رأس البصل بيده القوية فينشطر نصفين نصف يبقى بيده والنصف الآخر يتدحرج هناك نتسابق عليه. وهكذا كانت أياماً مفعمة بالفرح ربما لأن أحلامنا كانت بسيطة، ورغباتنا لا تتجاوز الحصول على ثوب جديد أو ساعة أنيقة، كانت المادة آخر همنا لأن إيقاع الحياة المادي لم يضغط بهذا الشكل الساحق. كانت أياماً لا تنسى على رغم التعب والعمل، ربما لأن الشباب لم يغادرنا بعد ولأن السنين لم تهدمنا هذا الهدم الفاضح. وقتها كنت شمالياً حتى العظم وفوضوياً حد الجنون كنت قادماً من الشمال لتوي حيث رائحة الشيح مواويل الرعاة وبساطة الأحلام. والآن وبعد مضي كل تلك السنوات غادر من الزملاء من غادر وبقي من بقي. أما القسم الآخر فقد وزعتهم الحياة إلى أماكن ومحطات أخرى. وتمر الأيام والسنون ويبقى في الذاكرة بعض المواقف والذكريات عن الجنادرية. أذكر ان الأمير متعب بن عبدالله يزورنا بين فترة وأخرى كان يقف أمام المركز الإعلامي والقرية الشعبية كان يحدق بهما طويلاً فكأنه يعدها لتحولات قادمة وتمضي الأيام ويتغير شكل الجنادرية عما كانت عليه تغيراً جذرياً، وذلك بمواكبة فارس التطوير الأمير متعب بن عبدالله الذي حمل على عاتقة متابعة كل صغيرة وكبيرة تخص تطوير التراث والثقافة للحرس الوطني مدعوماً بإرادة وتوجيه وتصميم ملك التغيير والانفتاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وفعلاً يتغير المركز الإعلامي من غرفة واحدة إلى مبنى فخم مجهز بأحدث تقنيات العصر من إرسال واستقبال وبث وشبكة معلومات تضاهي أرقى تقنيات العصر أما القرية الشعبية الصغيرة والبسيطة آنذاك فقد تحولت إلى مبانٍ وصالات وأجنحة غاية في الجمال والأناقة هكذا كانت الجنادرية وهكذا أصبحت كانت حلما تطور عاماً بعد عام إلى كرنفال ثقافي عالمي استقطب كبار المثقفين والمفكرين والسياسيين من جميع أصقاع العالم ليأخذهم في رحلة عبر الزمن ليشاهدوا قصة الكفاح الخالدة لابن الصحراء، وهو يجسد ملحمة البناء الضخمة. عبدالهادي السعدي - صحافي سعودي