* الذين يعرفون جازان قبل تاريخ المتصدع، هم يعرفون كل ماضيها وحكاياتها، وأزقتها الملتوية وفوانيسها الليلية، وشوارعها المتعرجة ومبانيها الهشة، وقراها ومحافظاتها المحاصرة باليأس والفقر، وأعرفها أنا منذ كنت طفلًا أحضر وفي فمي ملح البحر، وعلى جسدي تضاريس الشقاء، وكان حضوري الأول لأداء امتحان الشهادة الابتدائية، تصوروا كيف كانت مآسي التعليم في تلك الأيام، التي لم تفرق بين طفل المدينة وطفل القرية؛ حين أصرّت أنظمته على أن أغادر (فرسان) طفلًا إلى جازان عبر أحد المراكب الشراعية، لأصل وكلي مُهشّم، ومن هناك كانت اللقطة الأولى المدهشة لأرى جازان، والتي كنت أظنها مدينة متطورة، والسبب في ذلك قرويتي وبساطتي التي قيدتني بين اثنتين، بين فرسان وجازان، وحين غادرت جازان إلى جدة كانت المفاجأة أنني اكتشفت الفرق الكبير بين مدينة ومدينة، ومن هناك بدأت حكاياتنا تكبر مع الأيام؛ التي كانت مُعبّأة بآمالنا في أن نرى جازان منطقة الحلم الأول وجنة الوطن، وظلّت أحلامنا تموت حينًا وتحيا في أحايين كثيرة، وبالبركة وعلى الخير عاش أهلها البسطاء يحملون في صدورهم أهم الأماني، وينثرون أحلامهم فوق أشرعة الليالي وأنفاس النوارس، وبقيت جازان هكذا تعيش عزلتها ومأساتها بحزن، لتأتي اللحظة المباركة، رفق أبو متعب هذا الملك الصالح الذي زار جازان ليقف على مأساتها مع الوادي المتصدع بنفسه، ليرى كل ما فيها، وقبل مغادرته كان وعده بأن تكون جازان في عينيه، ومن ثم أمر بتعيين سمو الأمير محمد بن ناصر أميرًا لها، ومن هنا بدأت رحلة النمو التي غيّرت ملامحها، لتبدو جازان الحاضر وجهًا مشرقًا لعروس تلبس الحسن والخفر وتعشق الجمال..!!! * ومن إخلاص أميرها ومن نبوغ أبنائها وبناتها، ها هي جازان تمضي، والأمل يزفها للأيام التي نريدها أن تمنح العالم منها فتنتها، وعذوبتها وأريجها وعطرها، وليت أبناءها وبناتها يقفون كلهم معها لكي تكون جازان النمو، وجازان الشموخ وجازان الفرح، وجازان الجنة وجازان التاريخ، وجازان الحكايات الخالدة، وجازان التي نحبها سهلًا وجبلًا وقرية ومدينة، وجازان المنطقة التي نعشقها ونحيا بها ونموت دونها، واليوم يا سادتي اسمحوا لي أن أنقل لكم فرح الفقراء الذين ينتظرون استلام منازلهم، والتي سوف يُقدّمها لهم مشروع إسكان الملك عبدالله التنموي لإسكان النازحين بمنطقة جازان، هذا المشروع الضخم والذي يُشرف عليه ويتابعه سمو أمير المنطقة لحظة بلحظة، هذا الأمير المُنصف وهذا الوالد الكبير في حبه وفي أسلوبه، والحريص جدًا على أن تكون جازان المنطقة الأجمل في كل شيء..!!! * (خاتمة الهمزة).. اضحكي جازان كثيرًا وافرحي كثيرًا.. فغدًا تتحول كل الطرق التي كانت للجمال وللحمير؛ للقطار وللمترو، وغدًا تصبح كل الصور الداكنة ليست سوى ذكرى لزمن فائت، وأيامًا كانت هي الأقسى علينا في التاريخ.. جازان: هذه تحيتي لك مني ومن كل الشرفاء.. وهي خاتمتي ودمتم.