ينتمي شاعرُ الرِّيف ِالأحسائي الشَّابُّ جاسم محمد عساكر إلى شُعراءِ تيار القصيدة العمودية الكلاسيكيَّة، ذات البناء المعماري التقليدي والنسق التفعيلي المموسق، ففي الوقت الذي تهافت فيه الشعراء الشباب من أبناء جيله على ترجمة مكنوناتهم الشعورية وحالاتهم الوجدانية الفردية والتعبير عن رؤاهم وتجليات أفكارهم عبر اللغة النثرية، ذات الدلالة الرمزية والغموض الفني المبهم في ما أسموه بقصيدة النثر، فابن عساكر الأحسائي يتمسك في مجموعته الشعرية الأولى، التي أصدرها نادي الأحساء الأدبي بعنوان:"شرفة ورد"بالقصيدة الخليلية ولا يكاد يخرج في قصائد مجموعته التي ضمت 24 نصاً من أوزان الخليل الفراهيدي، فنضَّد 13 نصاً من القصيدة العمودية وثمانٍ منها تفعيلة ونصاً واحداً من البحر المشطور. وتتضوع ُ أبياته الشعرية بأرج الأمل وقناديل الأمنيات فقد تردد لفظ"المنى والأماني" في أشعاره ما يقارب 11 مرةً في مختلف قصائده حتى ذات الاتجاه التراجيدي الحزين منها. فمع جراحاته النازفة وأوجاعه الدامية في قصيدته"ربيع بلا ياسمين"، والتي رثى فيها ابنه البكر في رأيي أن الشاعر لم يوفَّقْ في اختيار عنوان الديوان فمع وجود قصيدة"ربيع بلا ياسمين"ضمن قصائد الديوان والتي أبدعها الشاعر، من حيث اللغة والبناء الفني والتراكيب المجازية والعاطفة الساحرة التي بدت متأججة بين إنسانية الشاعر وأبوته وموضوعها الوجداني كان من الجميل لو نُسِب الديوانُ إلى تلك القصيدة القوية. ويتمتعُ عساكر برؤيةٍ آيدولوجيَّةٍ مُشرقة، تترجم فكره الإسلامي الملتزم ورؤاه الإيمانية، حيث يؤكد على مبدأ اليقين وتبديد الظن والأوهام في بيت يصف فيه ذكرى حبيبته بالشمس المشرقة، التي تبدد وحشة الظنون وتزيل الأوهام عن ناظريه فيزداد يقيناً. ويسافر الشاعرُ عساكر بين ردهات الحياة، ويتنقل في طرقات العمر باحثاً عن هوى امرأةٍ تلهمه الشِّعْر وترحل عيناهُ في أوجهِ الخلائق، تُفتِّشُ عن تلك الأُنثى المُلهمة وربما جادت بها يد المجهول لينطق شعراً ويترنما حباً. فكأن الحالة الشعرية لدى عساكر لم تستفق لو لم يجد القدر عليه بملهمة ساحرة بكامل أنوثتها، أسكنت قلبه وسكنته فبدا ساكناً مسكوناً ... والمتأمل في ألفاظ الشاعر ومفرداته الشعرية في بعض الأبيات، يستكشف وبسهولة طفولة عساكر وظمأه للهوى من دون أن يغوص في دلالات المعاني كما في عبارات صدر، أمومة، مرضع، طفولة، طفل، حضن، مضجع، حنين،أحنّ، همسة، لهفتي، وحيد، تشردني، شوق، أسير، غيم، شغف، تولُُع، صبابة . بالنسبة إلى المعجم الشعري للشاعر في مجموعة"شرفة ورد"تهيمن عليه اللغة الرومانسية الشاعرية، الخاصة بالعشق والعشاق"ذكرى، رحيل، عودة، وعد، حلم، عشق، أغنية، خيال، همسة، لهفة، حنين، شوق، حقل". ومفردات اللغة التفاؤلية الحالمة"زهور، اخضرار، ربيع، أبها، ياسمين، أمل، منى، حلم، نور، فرحة، البحر، خصيب"وهي تدخل في النسيج البنيوي للنصوص كافة وفي أدق المواقف المترسبة في عمق الشاعر. وبذلك تشكل أساسَ جمالية الشكل الفني للنصوص. ولا يكاد يخلو نصٌ من نصوص المجموعة من حركات الإشباع، التي أسهب الشاعر فيها وبكثرة ومن دون أدنى مسوغ فني، مما تؤدي إلى ضعف التركيب اللغوي الجمالي ويسيء للنص كما في"حياتيَ يا حياتيَ، خافقيَ، شوقيَ، ليَ ، عمريَ، أفقيَ، عيونيَ، المراسيَ، اشتياقيَ، فؤاديَ ، باسميَ". خلاصة القول : نستطيع أن نقول أن مجموعة" شرفة ورد"الشعرية لجاسم محمد عساكر، تؤكد على أن هناك جاسماً أحسائياً آخر غير شاعر الأحساء الأكبر جاسم الصحيح، قادماً من بين نخيل الواحة وبساتينها حاملاً عبق رياحينها وعطر أزهارها، سينعش أرواح مُحبي الشِّعر العربي الأصيل، ويسهم في إذكاء روح الشعر الأحسائي.