«ذاكرة الياسمين» ديوان شعر للشاعر السوري هيثم أحمد، يقع في 91 صفحة من القطع المتوسط مشتملا على مجموعة من القصائد المقصورة جميعها على الشكل العمودي للقصيدة العربية (الكلاسيكية) لكنها ذات مضمون حديث ولغة معاصرة. ولمسمى الديوان ارتباط واضح بمحتواه، إذ يجد متصفحه أن هناك إسقاطات للتحولات الاجتماعية والسياسية والأمنية التي مرت بها بعض البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة. وقد وردت كلمة «الياسمين» كثيرا في هذه المجموعة الشعرية، لتضحى الكلمة الأكثر شيوعا، أو استخداما في (القاموس الشعري) لشاعر الديوان، وتكاد لا تخلو أي قصيدة من قصائده من ذكر هذه «النبتة» الجميلة، التي اتخذ منها الشاعر رمزا لمعان عدة، لكنها كثيرا ما تندمج معا في ثلاث صور مكملة لبعضها، بحيث لا يمكننا -أحيانا- الفصل بينها، وهي: الوطن بمعنييه: الحسي والمعنوي، والثورة: بمفهومها العصري والحضاري والانساني، الرافض للظلم والاستبداد وتمزيق البلاد وتشريد الشعوب، والحبيبة: بصورتها الوجدانية، وأنوثتها ورومانسيتها الحالمة! ففي القصيدة التي جاءت بعنوان «ذاكرة الياسمين» -والتي جاءت متصدرة لنصوص الديوان- يأتي «الياسمين» رمزا للوطن الأم، وإحساس الشاعر المؤلم، الممضي بفقدانه. ولذلك كانت «ذاكرة الياسمين» حاضرة في ذهن الشاعر، وحافلة بالحنين للوطن، وبالشوق العارم للعودة إليه: شامُ الحبيبة شاقني رؤياها من ذا أناجي في البعاد سواها؟ أرضُ الحنين شموسها وضاءة قلبي على مر الهوى ناجاها. الديوان: ص11. وفي موضع آخر من الديوان يأتي «الياسمين» رمزا للبراءة والطهر والوداعة والألفة، الجانحة لاستشعار الطمأنينة، ورغبة العيش بسلام وأمان، على الرغم مما يحيط به من حروب وصراعات واضطرابات، تنغص حياته، وتكدر صفوه، وهذا يتمثل لنا في قصيدة جاءت بعنوان «لست وحدك» إذ يقول: ياسمين الشام أضحى باكيا مر الهوانِ ضاقت الدنيا صديقي يا أنيسي في حناني ص37. وفي صورة ثالثة مغايرة لما مر بنا يأتي «الياسمين» أيضا رمزا للعشق والوجد، والهيام بالحبيبة نحو آفاق رومانسية حالمة، والبحث عنها في عالم الخيال بعد أن كانت واقعا مؤنسا، كما جاء في قصيدته «أسرار الياسمين» إذ يقول: كم ارتديتُ رداء الحزن سيدتي لأرسم الحب في الآفاق بالشفقِ أروي السحاب وروحي ريها عطش وحسرة العمر في الوجدان والحدقِ ويمكن القول إن الشاعر قد أشرع لنا ذاكرته لنعرف أن الياسمين ليس مجرد نبتة، لها رائحة زكية ولون مبهج فحسب، وإنما كائن حيوي، له لغة غنية بأبعاد وجماليات شتى! حمد الرشيدي