لا يوجد هناك شيء أجمل من أن نقترح ونوجد وندرس في التوقيت المناسب حلولاً جذرية واستثنائية لمشاكلنا وأمراضنا الاجتماعية، وسط مجتمع يأنف من أن تتصدر هذه الأمراض أوراق الصحف أو صدور المجالس، ويجاهد لئلا تحتل الهامش الأكبر من نقاشاته المتكررة، التي تبدأ وتنتهي طالما أن منا من يشكل الرقم الصريح الواضح، الذي لا يمكن الاستهانة به في مسببات المرض. سأتجاوز مصطلح المرض إلى ما يشبه الكارثة في الأمر الذي كنت أقرأ تفاصيله بكثير من الألم، وعلامات تعجب كثيرة تلتف حول تداعيات قهر جسد هو جزء ينتمي لنا ونحن ننتمي له. تزويج الأطفال في سن صغيرة مبكرة، ربما لم تتمكن خلال هذه السنين بعد من ارتداء ملابسها بالشكل اللائق، ولم تعتد إطلاقاً الابتعاد عن حضن أمها في كل تفاصيل حياتها، تزويج الطفلة في سن تكون فيها حالة استثناء شاذة، محبطة قلقة، وسط فصل دراسي يحتفظ كله بفسحته اليومية في الحقيبة، ويرتدي المريول الدراسي كملبس راقٍ وأنيق وحلماً صغيراً لم يكبر! تزويج الفتاة"الطفلة"من أجل ابن عم، أو نزولاً عند كلمة لصديق عُمْر، وإهداؤها له كسلعة، والأكثر جرحاً وبعداً عن الإنسانية أن تُباع من أجل حفنة ريالات، أو نكاية وتصفية حسابات مع أم مسكينة كانت هي الأخرى جسداً عابراً، تم التخلي عنه ذات يوم لعاملي السن وحب التغيير، أخيراً تم الرفع للجهات العليا بإيقاف زواج الأطفال من خلال تحديد عمر ثابت، تكون فيه القادمة لمعترك الحياة الزوجية مقتنعة ومتهيئة ومدركة، بل ومستعدة لرجل يتجاوزها في العمر، إن لم يكن يسبقها بمثل عمرها، وهنا تفاءلت وسررت مرات ثلاثاً ممزوجات بوجع لا متناهي: الأولى، أن هذا القرار حتى ولو كان متأخراً كثيراً، ولا تزال بعض ضحايا هذا التأخير لم يستطعن الظهور على طاولة الشكوى، بفعل لعنة العادات والوصاية المطلقة، إلا انه جريء وسيقف أمام تجاوزات ظهرت على السطح الاجتماعي في أكثر من مكان، والثانية، أننا بهذه القراءة الصريحة لواقعنا نتخلى عن ترددنا في إصدار القرارات التي تتعلق بالأجيال جيلاً بعد جيل، قاتلة أرواحاً بريئة لم يكن لها حق الخيار ولا إبداء الرأي، إنما معاقبة بالسير على الأشواك مع سرعة التنفيذ، والثالثة، أننا بصدد قتل كل الأفكار الشيطانية، ووأد الأرواح الشريرة التي لا تزال في هذا العصر المتطور مصرة على ان تدفع بطفلة قاصرة إلى أحضان زوج. بنود الاتفاق الدولي لحقوق الطفل، تنص مادته الأولى"على أن اعتبار من لم يتجاوز الثامنة عشرة لا يزال طفلأ"، ونحن ببالغ الأسف نحتفي بعينات تزوج أطفالاً أعمارهم نصف هذا الرقم، وثلاثة أرباعه دون أن نعير الطفل أي اهتمام أو رحمة، بل المهم أن نكون عند كلمتنا للآخرين، حتى لو كان الوفاء هو التضحية بجسد صغيرة ،أكثر ما تعرف وتدرك وتذكر كلمتي"ماما وبابا". ما أخشاه فقط أن تطول دراسة هذا الأمر ونفتتها تمحيصاً،على رغم وضوحها وألمها وطعنها طفلاً صغيراً في خاصرته للأبد في ظل قناعاتنا المتورمة، أننا أدرى بمصلحة الطفلة المؤودة بالطريقة الحديثة، وهنا أتذكر صديقاً لي كان يحب ابنة عمه الفقيرة منذ الصغر، ويرى فيها كل أحلامه، إنما أراد أن تقتسم معه الحياة، وهو بشهادة مبهجة ووظيفة مقنعة يتشاركان بها لهيب الحياة المتصاعد، وفجأة يأتي صديق لوالد الفتاة ويأخذها بثمن رخيص! وبإجبار من الأب، عندها قال لي الصديق وهو يناجي حزنه:"مؤلم أن يأتي الآخرون بأموالهم وعلاقاتهم ليسرقوا حبيبات الآخرين"، قلت له:"المؤلم أن نبيع أجساد أطفالنا بثمن بخس"! [email protected]