اشتهر بعض الصناع المهرة بعجن وإعداد"السمبوسة"والتي لا يكاد يخلو منها منزل سعودي في شهر رمضان المبارك، وكان إعداد تلك العجينة حكراً على إخواننا من إحدى الدول العربية الشقيقة، والذين أتقنوها بشكلٍ جيد بزّوا فيه أقرانهم! وجاء أول رمضان بعد أزمة الخليج الثانية ليُفاجَأ الناس باختفاء عجينة السمبوسة من الأسواق، لأن صناعها المهرة رحلوا وهجروا مطاعمهم لاعتبارات تلك الأزمة المؤلمة وتداعياتها على الكل، لمصلحة من لا يتقن سر تلك الخلطة ولا يدرك تجليات أبعادها، لا فطور بلا سمبوسةٍ أو صبغة عصير التوت الملونة، إن أزمة الكماليات هذه أحدثها الاحتكار، فصناعتها كانت حكراً على إخواننا اليمنيين. أصبحت السمبوسة حديث المجالس صدقاً، الكل يعاني والناس سواسية في هذا العنت، مر الأسبوع الأول من شهر رمضان من دون سمبوسةٍ، ولم يعتد الناس على هذا النقص، وفي الأسبوع الثاني سرت أخبار - تبعث على الأمل - عن وجود تلك العجينة في بعض المحال القابعة شرق مدينة الرياض! فجاءت فئام من الناس أثارت بجموعها أنظار المارة في شارع الملز، وهنا أصف لكم المشهد كما رأته عيني، إذ كنت فرداً من مريدي تلك العجينة! كان المحل مغلقاً بسياجٍ حديديٍ، وبائع العجينة داخل السياج أو القفص يبيع على الناس قوام خلطته الفريدة! كان صاحبنا داخل قفصه يشبه الإنسان الخائف على نفسه من بطش أولئك الجوعى، وهم في الخارج يصرخون وترتفع أصواتهم وينادون: يا معلم... إلخ. ذكرني هذا المشهد الغريب بمواطني الدول الاشتراكية الذين كانوا يبتاعون طعامهم بواسطة بطاقات التموين في رومانيا وبلغاريا وروسيا قبل انفراط عقد الدول الاشتراكية، وقد اصطفوا في طوابير طويلة للغاية! هذا المحل الذي باع على الناس عجينة السمبوسة اجتهد في صنعها - تقليداً لا جودة أصلية - ولكنه لم يفلح في محاكاة أصل الطعم، فانفض الناس عنه، وبقيت بضعة فلولٍ من المواطنين التي عملت بالقول المأثور العور ولا العمى لتتسرب أنباء أخرى أن بعض المحال بدأت تبيع عجينة السمبوسة ذات الجودة العالية والمقبلة خصيصاً من مدينة جدة، فتداعى عشاقها إليها للشراء، ولإشباع حاجاتهم الغريزية نحو قوام موائد الإفطار.