غيّب الموت فجر امس المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، عن عمر يناهز السبعين بعد صراع مع مرض السرطان. وكان أحد أبرز الشخصيات المحسوبة على قوى المعارضة لنظام الحكم في مصر في الأعوام الأخيرة، من خلال موقعه المتقدم في حركة"كفاية". وكان المسيري وجهاً عربياً بارزاً في مجال الصراع العربي ? الإسرائيلي، من خلال جهده الدؤوب الذي أثمر موسوعة"اليهود واليهودية والصهيونية"التي صدرت في ثماني مجلدات عن دار الشروق في القاهرة عام 1999. وإضافة إلى موسوعة"المفاهيم والمصطلحات الصهيونية التي استغرقت منه نحو ربع قرن ونشرت تحت عنوان"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد"، صدرت للمسيري مؤلفات عدة في موضوع الصراع العربي ? الإسرائيلي من أهمها"البروتوكولات واليهودية والصهيونية"و"في الخطاب والمصطلح الصهيوني". حصل المسيري على شهادة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رتغرز زهم في الولاياتالمتحدة وعند عودته إلى مصر درّس في جامعة عين شمس وفي جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود 1983 ? 1988 وعمل أستاذاً زائراً في أكاديمية ناصر العسكرية, وجامعة ماليزيا الإسلامية. وقدم المسيري سيرته الفكرية في كتاب بعنوان"رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية"العام 2001 وأول كتب المسيري"نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني"العام 1972, وصدر بعده"موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية"العام 1975, كما صدر له في العام 1981 كتاب من جزءين بعنوان"الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة"1981, وفي هذه الفترة صدرت له دراسات عدة باللغة الإنكليزية من أهمها كتاب"أرض الوعد: نقد الصهيونية السياسية"العام 1977, وتحت الطبع كتابان الأول بعنوان"الفكر الصهيوني من هرتزل حتى الوقت الحاضر"والثاني بعنوان"من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟ أسئلة الهوية والأزمة الصهيونية". يذكر أن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، وضمن نشاطه الثقافي لهذا العام، أقام للراحل في شباط فبراير 2008 الماضي محاضرة بعنوان"التحيز وقضية المصطلح"، أكّد فيها ان التحيز جزء أساسي من الظاهرة الإنسانية، وأن الإنسان لا يمكن أن يكون حيادياً،"لأنه متحيز، فالفطرة الفكرية لدى الإنسان تأتي قبل عملية التجريب، فالخريطة الإدراكية لا تنظر للعالم مباشرة، وإنما من خلال مخزون الإنسان الإدراكي. إذ ان الخريطة الإدراكية ليست قدراً متاحاً وإنما مفروض". وقال الدكتور المسيري في تلك المحاضرة:"حينما بدأت بدرس الصهيونية وجدت المعاجم الأوروبية تعرّف الصهيونية بأنها عودة اليهود إلى أرض الأجداد، وهذا التفسير لا يفسر أشياء كثيرة، لأن التعريف الصحيح بعد التفسير، بأن الصهيونية هي حركة استيطانية استعمارية قامت بجلب اليهود من الغرب ليحلوا محل الشعب الفلسطيني، وقد نشأت في أحضان العالم الغربي، وهذا تصور طرحته ليختبروه بالبحث بالبعد عن الحياد المستحيل والذاتية المطلقة". وقد تأثر المشهد الثقافي السعودي بوفاة المسيري، وقال رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور سعد البازعي إنه كان على اتصال مع الدكتور عبدالوهاب قبل يومين،"وكان صوته ينبئ بتمكن المرض منه، لذا كنت مهيأً لتلقي نبأ وفاته، عندما جاءني اليوم عبر رسالة جوال من أحد الأصدقاء، الذين يعرفون مدى مكانة المسيري في نفسي". وأشار إلى علاقته به"لقد تعرفت عليه منتصف الثمانينات الميلادية في جامعة الملك سعود، وسرعان ما اكتشفت باكراً أنني أمام مفكر كبير استفدت منه كثيراً، واعتقد أن أطروحاته مبثوثة في كثير من أعمالي خصوصاً"المكون اليهودي". وتمنى البازعي"ألا ننشغل بتأبين الرجل عن مناقشة أفكاره والاستفادة منها". وتحدث أستاذ الأدب العربي في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عصام حمدان عن الراحل قائلا:"عندما سمعت نبأ وفاة المسيري على إحدى القنوات التلفزيونية، استرجعت قرناً من الزمان بين المشروعين العربي والصهيوني، ولو أردنا أن نحلل الهزائم العربية منذ العام 1948، لوجدنا أن السبب أنه لم يكن بين أيدينا مفكرون يدركون سِرٌ كَنَه الحركة الصهيونية، فجاء المسيري بموسوعته عن اليهودية والصهيونية كعمل غريب على الفكر العربي ولكنه جاء في وقته". وأضاف"لقد جاهد المسيري وتحمل المتاعب لتخرج موسوعته إلى النور، في الوقت الذي أدرك فيه الصهاينة خطر تلك الموسوعة على مشروعهم، كونه يعتمد على السرية التامة، ولكن عبدالوهاب المسيري كشفها رحمه الله". وذكر الكاتب والمثقف عبدالله الناصر أنه"كان لخبر وفاته رحمه الله وقع مؤلم عليّ شخصياً، فقد قابلته قبل ثلاثة أسابيع وسألته كيف حالك؟ وأجاب: نقاوم ونصارع". إن وفاة المسيري خسارة كبيرة للأمة العربية والإسلامية، إذ كشف من خلال موسوعته"اليهود واليهودية والصهيونية"، مخططات وحيل الماسونية والصهيونية في العالم، إذ تعتبر موسوعته تلك أعظم عمل موسوعي في هذا المجال عبر التاريخ، فمن خلالها تكشفت أسرار لم يكن احد ليعرفها لولا جهوده البحثية، والمسيري يتصف بالصدق والدقة في منهجه العلمي، ويتضح ذلك من خلال بحوثه وكتاباته رحمه الله".