أكد إمام وخطيب المسجد الحرام في مكةالمكرمة الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، أن الأمم لا تنهض إلا بلغاتها وأن لكم في شرق العالم وشرقه الأقصى المتقدم لعبرة، وأن فيه لدرساً لأولئك الذين يسارعون إلى تفسير الهزيمة والإحباط والتخلف في ديارنا، بأنه ظاهرة لغوية وأن التعليم بغير اللغة الأم ينتج غربة فكرية وفرقة ثقافية وتمايزاً طبقياً، وليس في العالم أمة عزيزة الجانب تقدم لغة غيرها على لغتها، وإنك لترى الذين يتعلقون باللغة الأجنبية ينزعون إلى أهلها ويستحقرون لغتهم ويخجلون من أمتهم ووطنيتهم، وينفرون من لسانهم وينقادون بالميول والحب لغيرهم وتكون العواطف في دمائهم للأجنبي، ومن ثم تصبح قيم الأشياء عندهم بمصدرها لا بحقائقها ويكون الشيء الأجنبي في نظراتهم أثمن الأشياء وأجملها لأنه إليه الميل وفيه الإكبار والإعظام، وقد يكون الوطني مثله أو أجمل منه وأثمن لكن ميلهم إليه ضعيف فضعفت صلته بنفوسهم وضعفت ميزاته وميزانه عندهم. وأوضح في خطبة الجمعة في المسجد الحرام أمس: أن اللغة ليست هي الأداة التي يستخدمها الفكر ويعبر عنها، لكنها أيضاً هي الوعاء الذي يتكون فيه الفكر، وهي نشاط عقلي يمتزج بالمهارات المكتسبة والحركات النفسية والوجدانية ليصبح في الإنسان هوية صادقة تعبر عن ذاته وعن مكانه في الحياة، وهي مرآة العقل وأداة التفكير. وقال:"من هنا فإن تفكير الأمة ولسانها مترابطان، فاللغة مخزون الأمة تنقله من جيل إلى جيل وهي مفتاح عبقرية الأمة، والوطن ذو اللغات المتعددة يجعل وحدته تعيش ضغطاً لا يكاد يطاق، ولقد كان المستعمر يجهد كل الجهد ليفصل البلاد المستعمرة عن لغتها أو يحيي فيها لغات مندثرة ليثير فيها النعرات والانقسامات". وأضاف يقول:"فإذا كانت هذه بعض الإشارات لمنزلة اللغة وموقعها في بناء الأمة والحضارة، فكيف إذا كان الحديث عن لغة الوحي ولغة التنزيل لغة القرآن الكريم، أقدم اللغات الحية على وجه الأرض محفوظة بحفظ كتاب الله في بقائها وبنائها وتركيبها وقواعدها وتصريفها، لم يمر بالعربية حدث أعظم من الإسلام ونزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم تحول فيها لسان العرب إلى شأن يتنافس فيه أهل الإسلام في ديارهم كافة درساً وعناية تعلماً وتعليماً، لا لنفوذ سياسي ولا لسبق حضاري ولكن ديناً و قربة، والإسلام جعل للعربية الصدارة والاهتمام تكلماً وتعلماً يغار عليها كل مسلم ويطمح إلى إتقانها كل مصل ومتعبد لقد بلغت اللغة ما بلغه الإسلام داراً وانتشاراً واستوعبت ما أتت عليه من الحضارات السابقة قبلها وصاغتها حضارة واحدة إسلامية الصبغة عالمية المنزع إنسانية الرؤيا لغة عظيمة حملت حضارة العالم أكثر من 14 قرناً". وأردف قائلاً:"مع هذا ظهرت دعوات هنا وهناك وانبرى قوم من أهل العربية يدعون إلى تعجيم التعليم والمصيبة ثم المصيبة إن كانوا لا يعلمون أن إهمال اللغة ضياع الأمة ومقدمة طبيعية لفنائها واستئصالها فتلكم هي علة العلل وأم المشكلات، فليس في العالم أمة عزيزة الجانب صادقة الانتماء تقدم لغة غيرها على لغتها، فاللغة الأجنبية طاردة للانتماء وهي احتلال عقلي في الشعوب التي ضعف انتماؤها، وإذا هانت عليهم لغتهم سادت لغة الأجنبي ومن ثم أثرت في السلوك والمسيرة، أما إذا عزت اللغة عند أهلها، فلن تكون اللغة الأجنبية إلا خادمة ينتفع بها ويصبح كل شيء أجنبي خاضعاً لقوة الإيمان بحق الأمة ومجدها واستقلالها".