أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله عزوجل وحذرهم من اتباع الهوى وطول الأمل لأن اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الأمل ينسي الآخرة . وقال فضيلته في خطبة الجمعة أمس في المسجد الحرام: أمة الإسلام لها مكانتها ولها دورها الحضاري وفي الأزمنة المتأخرة أصابها ما أصابها وأحاط بشعوبها ما أحاط من عند أنفسهم و من خارج أنفسهم ومن أعظم أسباب ذلك أن الأمة لا تتبنى مشروعا للإصلاح ينهض بها على الأصعدة كافة يتفق مع مبادئها ويراعي خصائصها وينسجم مع عصرها ويوظف مستجدات زمنها وهذا حديث عن ركن من أركان البناء الحضاري لايتصور بناء حقيقي وإشادة كيان مستقل بدونه حديث عن عنصر قال عنه أهل الاختصاص إنه قرين الذات وملازم الهوية وركن الحضارة إنه صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها بوجوده ورسوخه تتميز الأمة قائمة بخصائصها وتتحد به الأمة في صورة تفكيرها بل قالوا إنه أعظم عوامل الوحدة وأهم أسبابها بعد دينها وعقيدتها إنه لغة الأمة ولسانها اللغة هي الوعاء الحامل لحضارة الأمة الحافظ لتاريخها وعطائها وإسهاماتها في الحضارات الإنسانية . وبين أن اللغة ليست هي الأداة التي يستخدمها الفكر ويعبر عنها ولكنها أيضا هي الوعاء الذي يتكون فيه الفكر وهي نشاط عقلي يمتزج بالمهارات المكتسبة والحركات النفسية و الوجدانية ليصبح في الإنسان هوية صادقة تعبر عن ذاته وعن مكانه في الحياة وهي مرآة العقل و أداة التفكير فلغة الأمة هي التي تحتضن مخزونها الثقافي و العاطفي لتكون عقلية أهلها الذين يتحدثون بها ويتعلمون بها وتصوغ نفسياتهم وطريقة تفكيرهم فهي فكر ناطق والتفكير لغة صامتة وقال: من هنا فإن تفكير الأمة و لسانها مترابطان فاللغة مخزون الأمة تنقله من جيل إلى جيل وهي مفتاح عبقرية الأمة والوطن ذو اللغات المتعددة يجعل وحدته تعيش ضغطا لا يكاد يطاق ولقد كان المستعمر يجهد كل الجهد ليفصل البلاد المستعمرة عن لغتها أو يحيي فيها لغات مندثرة ليثير فيها النعرات والانقسامات. وأضاف فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام يقول: فإذا كانت هذه بعض الإشارات لمنزلة اللغة وموقعها في بناء الأمة و الحضارة فكيف إذا كان الحديث عن لغة الوحي ولغة التنزيل لغة القرآن الكريم أقدم اللغات الحية على وجه الأرض محفوظة بحفظ كتاب الله في بقائها و بنائها و تركيبها وقواعدها وتصريفها لم يمر بالعربية حدث أعظم من الإسلام ونزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم تحول فيها لسان العرب إلى شأن يتنافس فيه أهل الإسلام في ديارهم كافة درسا وعناية تعلما وتعليما لا لنفوذ سياسي ولا لسبق حضاري ولكن دينا وقربة , والإسلام جعل للعربية الصدارة والاهتمام تكلما و تعلما يغار عليها كل مسلم ويطمح إلى إتقانها كل مصل و متعبد لقد بلغت اللغة ما بلغه الإسلام دارا وانتشارا واستوعبت ما أتت عليه من الحضارات السابقة قبلها وصاغتها حضارة واحدة إسلامية الصبغة عالمية المنزع إنسانية الرؤيا لغة عظيمة حملت حضارة العالم أكثر من أربعة عشر قرنا . وأردف قائلاً : مع هذا ظهرت دعوات هنا وهناك وانبرى قوم من أهل العربية يدعون إلى تعجيم التعليم والمصيبة ثم المصيبة إن كانوا لا يعلمون أن إهمال اللغة ضياع الأمة ومقدمة طبيعية لفنائها واستئصالها فتلكم هي علة العلل وأم المشكلات فليس في العالم أمة عزيزة الجانب صادقة الانتماء تقدم لغة غيرها على لغتها , فاللغة الأجنبية طاردة للانتماء وهي احتلال عقلي في الشعوب التي ضعف انتماؤها وإذا هانت عليهم لغتهم سادت لغة الأجنبي ومن ثم أثرت في السلوك والمسيرة أما إذا عزت اللغة عند أهلها فلن تكون اللغة الأجنبية إلا خادمة ينتفع بها ويصبح كل شئ أجنبي خاضعا لقوة الإيمان بحق الأمة ومجدها واستقلالها .