هذا النداء الطيب أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أثناء كلمته في الملتقى المنعقد تحت عنوان (لننهض بلغتنا) هذا النداء شد انتباه الذين حضروا المنتدى المذكور،كما شد انتباه الذين قرأوه في وسائل الإعلام، وهو نداء مخلص جاء في وقته المناسب، هذا الملتقى عقد تحت رعاية (مؤسسة الفكر العربي) وقد حضره رؤساء مجامع اللغة العربية في الدول العربية، كما حضره وزراء الثقافة والإعلام العرب، وحضره نخبة من رموز الفكر والثقافة وخبراء اللغة، وقد جاء هذا الملتقى في وقت الأمة العربية أحوج ما تكون إليه وإلى أمثاله وهو خطوة بناءة تحسب لمؤسسة الفكر العربي وتشكر عليها، هذا الملتقى لم يأت من فراغ وقول سمو الأمير خالد رئيس مؤسسة الفكر العربي (اتقوا الله في اللغة العربية) هو الآخر لم يأت من فراغ فحينما تحاسب الأمة العربية نفسها عن موقفها من اللغة العربية فذلك رشاد وحكمة وبعد نظر فربما تكتشف الأمة العربية عن بينة أن تخلفها عن أمم العالم في متطلبات الحضارة والتقدم هو منتج عربي ليس إلا، أوربما تكتشف الأمة العربية أن استمرار التخلف والفشل في معالجته هو المنتج العربي باعتبار أن تعجيم التعليم العربي كان في بدايته منتجا استعماريا بغيضا، ولا شك أن صدود الأمة العربية عن لغتها وتشبثها بلغة غيرها كان من أهم أسباب تخلفها، وهو موقف سلبي لافت للنظر ومحير حقاً، وإذا قيل: إن الدول العربية قادرة على أن تفك أسر تعليمها بجهودها الذاتية مجتمعة أو متفردة باعتبار أن تعليم كل دولة عربية يخصها وحدها، فلهذا القول ما يبرره، وإذا قيل: إن الدول العربية تتحمل مسئولية إبقاء تعليم العلوم البحتة قابعاً تحت مظلة لغة أخرى فلهذا القول ما يبرره أيضاً (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم) غير أن هذا الملتقى وغيره من الملتقيات والمؤتمرات والندوات كانت جميعها توصي بالتخلص من التعجيم وتدعوكلها بصريح العبارة إلى تعريب التعليم العربي وأن يتعلم العرب جميع العلوم باللغة العربية. وفي هذا السياق جاء في الإعلان الصادر عن الملتقى المشار إليه ما نصه: (إن اللغة العربية مكون أصيل من مكونات هوية الأمة ورمز خالد لانتماء أبنائها وهي التي تمثل ذاكرتها الثقافية والحضارية، وقد أسهمت من خلال حركة الترجمة المتبادلة في إثراء قيم الحوار والتقارب بين الشعوب، ويذكر المجتمعون بأن التاريخ لم يسجل نهضة علمية لشعب من الشعوب بغير لغته الوطنية ما يجعل من اللغة العربية قضية أمن قومي بلا منازع وأداة معرفية لا يمكن الاستغناء عنها في أي مشروع عربي للتنمية، ويضيف الإعلان بأن موجبات إعلاء شأن اللغة العربية ودعمها لا يتعارض مع اعتبارات الانفتاح على الثقافات العالمية وتعلم اللغات الأجنبية. وفي سياق لفت الأنظار إلى السلبيات المترتبة على تعجيم التعليم العربي تقول أدبيات التعريب ما نصه: لقد أدى الإصرار على التدريس بلغات غير العربية إلى إفراز طائفة من حملة المؤهلات العليا لا يحسنون القراءة أو الكتابة أو الخطابة أو المحاضرة باللغة العربية التي من طول هجرهم لها أصبحوا يجهلون هجاء كلماتها وتعريف أفعالها وضبط قواعدها وجذور اشتقاقاتها فضلا عن تذوق آدابها فمات فيهم الحس بلغتهم وأصبحوا يفضلون الرطانة بلغة أو بلغات أجنبية لا يجيدونها ولا يتقنون قواعدها ومن فقد لغته الأم يفقد مع فقده إياها ذاته وارتباطه بقومه وبمجتمعه انظر ص 15 - 16 من مقدمة كتاب الأستاذ الدكتور زهير أحمد السباعي طبعة نادي المنطقة الشرقية الأدبي. وفي نفس السياق أذكر أنني لمست شيئاً مما أوردته أدبيات التعريب في هذا الخصوص فقد قدر لي أن أحضر جانباً من نقاشات ورشة عمل متفرعة عن ندوة عن اللغة العربية دعت إليها إحدى الجامعات في دولة من دول الخليج العربي، وكانت الورشة وقت حضوري في قمة نشاطها ومناقشاتها وكان لسان هذه الورشة (اللغة الإنجليزية) نعم اللغة الإنجليزية فالميكرفون (مكبر الصوت) ينتقل من يد إلى يد أخرى والكل يتحدث بغير العربية مع الأخذ بعين الاعتبار أن الندوة قد دعي إليها من داخل الوطن وخارجه، وحضرها مختصون في اللغة العربية من الخارج والداخل، هذا الواقع سلبي ومخجل ومؤلم بكل المقاييس. وختاماً: نقول: إن الالتفات إلى اللغة العربية بجدية وبحزم وعزم له ما يبرره في الوقت الحاضر، ويمكن للباحث أن يتفاءل بعد أن أقام خادم الحرمين الشريفين مركزاً متفرغاً ومدعوماً لخدمة اللغة العربية تحت عنوان (مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية) تلاه إقامة جائزة عالمية للترجمة تحمل اسم جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للترجمة هذا التحرك المسؤول جاء في الوقت المناسب، وإذا أخذ الباحثون بعموم مفهوم خدمة اللغة العربية فإن من أعظم الخدمات للغة العربية بل للأمة العربية كلها هو سعي المركز إلى إثراء اللغة العربية وذلك بترجمة المقررات والمراجع لجميع العلوم التي تدرس بغير اللغة العربية داخل الوطن العربي إلى اللغة العربية ومتابعة المستجدات وترجمتها بفورية إلى اللغة العربية. وإذا تعاظمت ثقة الأمة العربية في جهود المملكة في خدمة اللغة العربية فإن تعاظم ثقة علماء الأمة الإسلامية في المملكة العربية السعودية في هذا الشأن لا تقل عن منظورعلماء الأمة العربية تجاه اللغة العربية لأن الجميع يعلمون أن خدمة اللغة العربية خدمة في الدرجة الأولى للقرآن الكريم ولسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يقول العلماء: إن فهم مراد الله وفهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي العلم بلغة العرب. وتعلم العرب العلوم بلغتهم يعمق معرفتهم ويقويها ويوسع دائرة الاطلاع على تلك العلوم بحيث يتمكن الإنسان العربي من قراءة ما يميل إليه ويرغبه من تلك العلوم بعيداً عن حاجز التعجيم المنغلق والمانع لغالبية العرب من التعلم، ومن حقهم أن يتزودوا من جميع العلوم العلوم دون قيد من لغة أخرى دخيلة ووافدة. لقد فطن الإعلام العالمي إلى أن العربي يفهم ما يكتب له وما يقال له بلسانه العربي فهما جيداً ومتميزاً فأخذ الإعلام العالمي على نفسه أن يخاطب الأمة العربية باللغة العربية الفصحى ليضمن تميز تأثيره على المخاطب من عموم العرب وخاصتهم ونجح في ذلك. هذا الفهم المتميز للمعلومة باللغة العربية من قبل الإنسان العربي حرمت منه الأمة العربية في التعلم والتعليم بسبب التعجيم فضعفت في علمها وفي تعليمها فيما يتعلق بعلوم مهمة ولازمة لتقدمها ولقوتها ولعزتها وكرامتها.