يبدو مفهوم"أهلية المرأة"لدينا في بعض الأحيان مستعصياً وغير قابل للتصديق وكأنه مقبل من كوكب آخر... وفي مقابلة تلفزيونية في برنامج سعودي يسأل المذيع بعض الشبان في أحد الشوارع الشهيرة بالرياض إن كان أحدهم يخصص بعض الوقت لأخته فيتنزه معها أو يأخذها للسوق أو لمطعم ما؟ الإجابة التي تناقلها الشبان - بكل اعتزاز - في المنتديات الالكترونية تحت عنوان"كفو... يا شباب السعودية"كانت لشاب أكد أنه لا يمكن أن يسمح لأخته بأن تذهب معه أو من دونه للسوق أو أي مكان آخر قد يكون فيه نماذج مخالفة لفتيات أو شبان، وقد يؤدي بها ذلك إلى أن"تفتح عينيها"على أمور قد لا تحمد عقباها... ويضيف متحمساً"أختي هذه يا أخي وعاري، إن حدث شيء"خاطئ كما يقصد"فهل ينفعني أحد وقد أصبح وجهي ممرغاً بالتراب؟"ويمضي الشاب مؤكداً أن من مصلحة أخته أن تكون في منزلها تفكر في أشياء محدودة بدلاً من أن تعلم شيئاً عن نماذج النساء في مدينتها أو الرجال فلا تفكر إلا في ما يريده هو، أن تفكر فيه بأشياء محدودة بحدود أسوار منزلها! هذا الشاب الذي صادر قدرة أخته على التمييز كأي إنسان بالغ راشد عاقل فعل ذلك بسبب قراءة عجيبة للغيب ظهرت له فيها حتمية انحراف أخته لمجرد وجودها مع نماذج مخالفة في مكان عام حتى وإن لم تربطها بهم علاقة. وعلى رغم أن مقدم البرنامج حاول لفت نظر الشاب إلى أن أخته حتى وإن لزمت المنزل فهي ترى بالتأكيد نماذج مختلفة عما اعتادت عليه في منزلها في المدرسة، ووسائل الإعلام، والانترنت، والتلفون وغيرها، إلا أن الشاب أكد له بكل حماسة أن أخته لا تملك أي وسيلة للاتصال بالعالم الخارجي لأنها"محافظة لا تخرج أبداً من المنزل". وعلى رغم كون الأخت محافظة فلم يشفع لها ذلك في إعطائها بعض الثقة في أخلاقها وقدرتها على التمييز، والسماح لها بعبور أسوار منزلها ولو بصحبة أخيها خشية الفتنة، ذلك الشاب الذي يفاخر بمحافظته على الفضيلة متمثلة في سلطته على أخته التي لا تغادر المنزل أبداً لا يطبق الشيء نفسه على ذاته، فيمضي الوقت متسكعاً في أشهر شوارع الرياض، ويظهر على خلفية اللقاء أحد المطاعم الشهيرة في مدينته، ذلك الشاب الذي استنبط مستقبلاً مشؤوماً لأخته"المحافظة"، على رغم تربيتها الملتزمة، لم يبتعد كثيراً في مصادرته لحقوقها عن ذلك الشاب المصري الذي عرضت قصته العربية، الشاب المصري قتل أخته ذات الثمانية عشرة ربيعاً انتقاماً لشرفه، وكان تبريره لرجال الشرطة أنه أدرك حملها فقام بإجهاضها ومن ثم قتلها في تصرف غير مفهوم، وحاول بعدها الشروع في قتل الشاب المتهم الذي لم يجده في منزله فقام بقتل والدته ومحاولة قتل أخته! لقد صادر الشاب المصري حق أخته والشاب الآخر - إن كانت قصته حقيقية - في الإدعاء والبينة والشهود، وتطبيق الحد الإسلامي للجريمة بالجلد وليس القتل، كما أعطى لنفسه الحق بإزهاق أرواح أخرى لا ذنب لها ثأراً لشرفه! كلا الشابين ذلك السعودي الذي أقام السدود مسبقاً لعدم اعتقاده بأهلية أخته كراشدة للتمييز بين ما هو مقبول دينياً واجتماعياً وبين ما هو مرفوض، وذلك الشاب المصري الذي أقام بيديه الحد على أخته بعيداً عن سلطة القانون وروح الإسلام وتوجيهاته، يخالفان - وبمباركة المجتمع، أو بمباركة ذكور المجتمع على الأقل - المنطق والدين. ويبدو الحديث هنا عن مكافحة التمييز ضد النساء في مثل هذه المجتمعات التي بررت لذكورها وصاية مطلقة على إناثها غير مستمدة من العرف أو الدين، ضرباً من العبث، وإذا كانت الشريعة الإسلامية اعتبرت كلاً من الرجل والمرأة متساويين في العقاب والثواب ومكلفين بحمل الأمانة كل بذاته بلا أي مسؤولية جزائية على الرجل في حال انحراف أي من النساء في عائلته، إذا كان كلاهما راشداً عاقلاً مكلفاً، فلا يبدو أن ذلك المفهوم الاجتماعي ديني في أصله، ومعظم الظن أنه ليس سوى امتداد لسلوك وأد البنات المتبع قديماً، ولكن بصور أخرى، والمرأة وإن كانت بنظر الشرع الإسلامي والقوانين الإنسانية مكلفة بالواجبات والعقوبات كما الرجل لا تعطي في مجتمعاتنا الصلاحية نفسها للتمييز والقدرة على اختيار الأصلح كما الرجل... ولا تتمتع بالثقة لتحمل مسؤوليتها عن أي خيار تتبعه إذا ما تركت لتمارس متطلبات حياتها خارج حدود منزلها. يبدو الحديث في تلك الحال عن منح المرأة أي خيارات حقيقية سواء تعليمية أو عملية أو مدنية لتصبح عضواً فاعلاً ومشاركاً في مجتمعها أمنية ساذجة لا تطابق الواقع الذي يجعل من خوف الرجل على سمعته وشرفه من أن يلحقها شيء سبباً كافياً لوضع المرأة في قفص محكم حتى وإن عنى ذلك تجريدها من حقوقها كإنسانة في اختبار الحياة السوية كما الرجل، وتحت ذريعة"سد الذرائع"التي أصبحت منهجاً وقاعدة تُملي علينا تبرير كل ما تتم مصادرته من حقوق للمرأة تختفي المزيد والمزيد من فتياتنا وتغيب عقولهن وإمكاناتهن خلف الأسوار فلا تثري بها أي مجتمعات، ولا تكتسب تلك العقول شيئاً من مجتمعاتها وتبقى مغيبة خوفاً من الفتنة! والتقرير الصادر أخيراً من مجلس الأمن لحماية النساء من العنف المنزلي، ومن جرائم الشرف سيبقى في أماكن كثيرة حبراً على ورق في مواجهة مفاهيم لم ترتقِ بعد لاعتبار إنسانية المرأة وحقها في معاملة عادلة في مجتمعها، وفي محاكمة قانونية حال الخطأ لإثباته أو نفيه كما الرجل، وفي انتظار تدخل أولي الأمر وقادة البلاد لرفع مستوى الوعي بدور النساء ومفاهيم الخطأ الحقيقية وليست المتوقعة عن سلوك المرأة وقدرتها على التمييز، فلن يلقى نداء مجلس الأمن ودعوات الإسلام لتكريم المرأة أي آذان صاغية، ولا صوت يبقى هنا سوى صوت الخوف والجهل وتغييب القانون، ولا حياة لمن تنادي! * كاتبة سعودية مقيمة في الولاياتالمتحدة H- [email protected]