كانت رواية "قصر المطر" والضجة التي أثيرت حولها حدثاً ثقافياً مهماً جعل الروائيين والمثقفين كافة يستنكرون ما أثير حول أن الطائفة الدرزية في سورية تطالب بمحاكمة الروائي السوري ممدوح عزام ومنع تداول روايته لإساءته للدين والأخلاق، لكن الأمور سارت في طريقة مغايرة حسب ما صرح الروائي ممدوح عزام أخيراً للحياة إذ قال: "القضية برمتها تميل نحو الانطفاء بسبب أن حملة التوضيح التي قام بها المثقفون في السويداء وغيرها. بيّنت الكثير من الحقائق التي غفل الناس عنها، وببيان مضمون الرواية التي تم الهجوم عليها وبالتالي حتى مشيخة العقل اتضح لها أن الرواية لا تسيء إلى أحد. أنا ميال جداً لأن نبدأ الكلام عن كيفية قراءة الرواية، وأن الرواية عمل تخييلي يجب أن يضم بالضرورة أسماء شخصيات وأمكنة وأحداث من دون أن تكون هذه الشخصيات وهذه الأمكنة متطابقة مع الواقع، بل إنني أميل اليوم الى تقرير صيغة باتت شبه منسية بسبب من بديهيتها، وهي أن جميع الأسماء والشخصيات والأحداث في هذه الرواية هي من وحي الخيال، وإذا حدث تطابق بينها وبين الواقع فسيكون مصادفة بحتة لم يقصدها الكاتب. وأحب أن أوضح أن عنوان المادة التي نشرت في "السفير" قبل فترة تحت عنوان "هل أهدر دم ممدوح عزام؟" لا تتطابق مع حقيقة الموقف، فلم تقم أي هيئة دينية بمثل هذه الفتوى إطلاقاً وكل ما في الأمر أن العبارة المكتوبة في كتاب مشيخة العقل تم التحذير منها بسبب صياغتها غير المقصودة في شكل مباشر وإن كانت توحي بهذا الشيء وهذا ما حذر منه جميع الكتّاب والمثقفين السوريين لذلك أرجو توضيح الأمور". لعل مشكلة ممدوح عزام الأساسية تكمن في حريته كروائي في التحليق في عالم من الخيال وتأسيس عوالم وشخصيات قد يأتي أناس لا علاقة لهم بالأدب فيطالبون بالحد من حرية الروائي في التعامل مع نصه. أما المشكلة الكبرى فتكمن في تجاسر بعض الفئات على رفع كتاب رسمي بمنع الرواية وبمقاضاة صاحبها الى جهات رسمية مسؤولة وهذه بادرة نادرة في سورية وإن وجدت إلا أن أحداً من المثقفين أو الكتّاب لم يثرها كما أثيرت قضية ممدوح عزام. الروائيون السوريون انبروا في شجب هذه الظاهرة وكان لكل منهم رأي بخصوصها. الروائي حيدر حيدر يرى أن ما يحدث مع ممدوح عزام هو استمرار عانى منه الأدباء العرب ومفكروهم منذ السهر وردي والحلاج وطه حسين حتى مارسيل خليفة الى الأزمة المقبلة، ويؤكد أن الحرية في أشكالها كافة: حرية الرأي وحرية النقد والكتابة هي الحقيقة المقدسة والمثقف التنويري هو الشاهد والضمير الحي في عصور الظلمات والإدانة العمياء التي تنزع الى مصادرة الرأي واحتقار المعرفة، أما الروائي فيصل خريس فيقول: بين يدي رواية ممدوح عزام "قصر المطر" وقمت بدراستها والكتابة عنها، واعتبرتها من أهم الروايات التي تمجد الوطن وتبارك أبناءه الذين يعيشون حياة قاسية في ظروف القهر والظلم والتعسف. لكن أحداً ما فسر الرواية كما يريد لأغراض في نفسه وللنيل من قامة كاتبها فوشى به الى جهة نصّبت نفسها رقيباً إضافياً لم يتم التمييز بين الكتاب والرواية والتي هي عمل تخيلي بحت يستفيد من ظروف اجتماعية وسياسية. وجميع الأشخاص الذين يستخدمهم الكاتب من خياله التركيبي ولا علاقة لهم بالواقع المعيش. إن واقعنا الثقافي في تردّ وهذا يعود الى الحصار الذي نطوق به أنفسنا، بدءاً من الكلمة الأولى التي يخطها قلم المبدع الى الشارع والأهل فعن أي شيء نكتب؟ حتى إذا كتب الواحد منا تاريخه الشخصي. يدان بأخلاقياته. علينا نحن المثقفين أن ندافع عن شرف كلمتنا بالدعوة للدخول في القرن الجديد ونحن نواجه بكلمتنا ما يمس بأخلاق هذه الكلمة لندافع عن وجودنا وعن شرف الكلمة ولرفع صوتنا في وجه كل سيف يمنع الكلمة من النمو والازدهار". أما الروائي نهاد سيرس فيقول: "لم يسيئوا فهم الرواية فحسب بل يخطئون أيضاً في فهم الفن الروائي ككل وفي فهم الشخصية الروائية التي يصنعها الكاتب ويركبها من شزرات إنسانية ليخرج بشخصية ليست هي أياً من هؤلاء أصحاب الشزرات. أنا لا أفهم كيف يتحول كاتب مهم خرج من قبيلة الى شخص مطارد. لقد زرت يوماً مدينة السويداء وخرجت بانطباع ممتاز فأهلها يزاوجون بين العراقة العربية والحداثة الحقيقية وما لا يمكن فهمه التعصب الأعمى منهم تجاه رواية ممدوح عزام وأنا لا أضع الجميع في خانة واحدة، قد يكون المتعصبون فئة قليلة منهم خرجت بدافع الغيرة والحسد لا غير". أما الروائي خالد خليفة فله دعوة جميلة الى الحوار يقول: "من يحق له أن يطمئننا، كيف نكتب وماذا نكتب والكتابة أصلاً هي فعل حرية؟ هل يعتقد بعض الجهلة والأميين بأن جهلهم سيغرقنا في دوامة التفسير والتأويلات الساذجة التي تمليها عليهم رؤاهم المريضة. الروائي لا يقف، على أبواب أحد ولا يستجدي. وممدوح عزام ليس وحيداً. إن ما حدث معه نبهنا الى ضرورة إعداة فتح الحوار وتنميته بهدف حماية المبدع أولاً وعزل الأميين والجهلة. ليبتعد هؤلاء عنها وليتركوا لنا أحلامنا وقلقنا وعزلتنا وكتابتنا وليستمعوا جيداً الى صوت الحوار وليدخلوا قصر المطر آمنين فاتحين عيونهم على روعة السرد وفتنة الجمال والإبداع". الروائية هبة الرحبي تقول: "أنا ضد أن يكون هناك وصاية أو رقابة على الإبداع الفكري وخصوصاً الأدبي والروائي، فمن حق الكاتب أن يكتب عن مجتمع ما ويضيف من مخيلته الروائية شخصيات وأحداثاً تركز الفكرة التي يريد الوصول إليها، لقد تفاعلنا مع هذه القضية ليس من أجل ممدوح عزام فقط وإنما من أجل حرية الكتابة والإبداع ومن أجل أن لا تسود قوى الجهل والظلام على قوى المعرفة والجمال وما حدث للكاتبتين الكويتيتين عالية شعيب وليلى عثمان يجعلنا نردد دائماً: "نعم لحرية الرأي والإبداع".