يتبادر إلى المخيلة فوراً حين يأتي الحديث على مستشفى الإمراض النفسية أو العقلية، تلك الصورة المبتذلة عن مكان كئيب خال من المرح والفرح وأشبه بالسجن، وعنابر ذات جدران متهالكة وأسرّة محطمة، ومرضى بثياب رثة يعبثون بأنفسهم ويعيثون بمن حولهم، وعليهم ممرض"رقيب عتيد"يضرب هذا ويصرخ في وجه ذاك، لكن الواقع يؤكد أن مستشفى الصحة النفسية مكان طبيعي، ويمتاز بأجواء أسرية وخدمات فندقية ووسائل ترفية وبرامج مشاركة. وكسراً للظن السائد أن مستشفى الصحة النفسية مكان حصين لا يسمح لأحد بالدخول إليه والتجوال فيه وسبر أغواره ومقابلة نزلائه، خصوصاً بعد وقوع عدد من الحوادث فيه أخيراً، من قتل وانتحار، جالت"الحياة"في مستشفى الصحة النفسية"شهار"في محافظة الطائف، ووقفت على الخدمات والرعاية المقدمة لنزلائه، في الوقت الذي يؤكد فيه مدير المستشفى الدكتور رجب بريسالي، أنهم يتعاملون بشفافية مع الجميع، وليس لديهم ما يخفونه أو يخشون اطلاع الآخرين عليه، مؤكداً أن أبواب المستشفى مشرعة أمام الجميع، وقال:"نرحب بكل من لديه اهتمام بهذه الفئة من المجتمع والتي تستحق كل الرعاية والاهتمام، وخصوصاً وسائل الإعلام لنقل الواقع إلى المجتمع". وأوضح بريسالي أن المستشفى يرعى ويستقبل الحالات من جميع المناطق السعودية، ويقيم أربع دورات تدريبيه سنوياً معترف بها في مجال الصحة النفسية، ويولي عناية خاصة بالبحث العلمي في مجال الطب النفسي، من طريق عقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات الأسبوعية وبرامج التعليم المستمر. وأضاف:"إن مستشفى شهار للصحة النفسية يضم 690 نزيلاً ونزيلة، وهم مجمل طاقته السريرية، ويخدم عدداً من المرضى عبر العيادات الخارجية، وبعض الأقسام الأخرى، ويقدم لنزلائه أرقى الخدمات العلاجية والطبية، ويوفر لهم أجود الأدوية والعقاقير الحديثة المتوافرة والمستخدمة في علاج مختلف الحالات النفسية، إضافة إلى الجلسات العلاجية، ويشاركون في برامج اجتماعية وثقافية وترفيهية داخل نادي المستشفى الذي يحتوي على ورش مهنية، مثل: النجارة، والكهرباء، والسباكة، والطباعة، والأعمال الفنية، إضافة إلى المسرح، وتسهم جميعها في علاج المريض واستغلال وقت الفراغ لديه، وإشعاره بالحياة والواقع، خلافاً للجولات والرحلات الميدانية. وأشار الدكتور بريسالي إلى أن عدداً كبيراً من النزلاء هم أناس أصحاب شأن في المجتمع، فمنهم من كان ضابطاً أو مهندساً أو طبيباً، إلى جانب أساتذة وأدباء وشعراء ومثقفون تعرضوا إلى انتكاسات نفسية تكثر أسبابها، أو نتيجة تعرضهم لأمراض عضوية أثرت في قواهم العقلية، أو بسبب تعاطي المخدرات، مشيراً إلى أن أقدم نزلاء المستشفى يقيم فيه منذ 32 عاماً. ولفت إلى وجود قصور فعلي من قبل بعض الأسر في الإسهام في علاج مرضاها، والتواصل معهم، ويؤكد إلى أن نسبة كبيرة من النزلاء هم على مقدرة على الانخراط مجدداً في المجتمع، شريطة تعاون الأسرة مع المستشفى، والالتزام بالعلاج والمراجعة، كاشفاً عن وجود 340 نزيلاً مرفوضون اجتماعياً من قبل أسرهم، معرباً عن أسفه الشديد لهذا الرفض، خصوصاً وأن بعض الحالات لا يقف عليها أحد من أفراد أسرها إلا إذا وافتهم المنية. ويعد مستشفي الصحة النفسية بالطائف، أول مستشفى حكومي يعنى بالاضطرابات النفسية أو العقلية، وأنشئ في العام 1382ه، ولايزال من أكبر المستشفيات النفسية لامتيازه بتوافر غالبية التخصصات في الطب النفسي، ويتكون من عدد من المباني والمرافق، إلى جانب خمس وحدات خاصة بالتنويم، أربع منها للرجال تضم 546 سريراً وواحدة خاصة بالنساء تحتوي على 144 سريراً، إضافة إلى سبع عيادات خارجية. وتتألف وحدات التنويم من عنابر أو أجنحة يحتوي كل جناح منها على غرفتي نوم وعيادة طبيب، وغرفة زيارة، وغرفة لاستراحة المرضى والترويح عنهم، إضافة إلى صالة طعام ودورتي مياه، ويشرف على كل جناح فريق مؤلف من 15 كادراً طبياً وإشرافياً، إضافة إلي عدد من المستخدمين يتناوبون في العمل على ثلاث فترات يومية، ويتولون رعاية وخدمة النزلاء، وتقديم ثلاث وجبات رئيسية لهم، وثلاثة غيارات من الثياب، وتلبية كافة متطلباتهم ورغباتهم الممكنة. ويحظى النزلاء المتحسنة حالاتهم ومن ذوي الاحتياجات الخاصة إلى رعاية وعناية عالية الجودة، إذ أرفقت بالوحدة الخاصة بهم غرفة تمريض طبية، ويتوزع النزلاء على الأجنحة بحسب حالتهم المرضية ومدة علاجها. ويستعد المستشفى حالياً للانتقال إلى موقعه الجديد في منطقة سيسد"شمال الطائف"في مشروعه الجديد الذي بلغت كلفته نحو 350 مليون ريال، وبسعة 500 سرير، والذي سيستغرق إنشاؤه ثلاث سنوات.