تقاذفت وزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية مسؤولية إيواء وتقديم الرعاية للمتشردين أو ما يعرف بالمرضى النفسيين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وخلت أضابير الوزارتين من أي أرقام أو إحصائيات رسمية دقيقة تشرح واقع المشكلة وتلقي الضوء على أسبابها وتداعياتها، وفي وقت أكدت فيه وزارة الصحة أن دورها ينحصر في تقديم الخدمات العلاجية للمرضى، وأن على جهات أخرى تقديم الرعاية الاجتماعية، جزمت وزارة الشؤون الاجتماعية على الطرف الآخر أن مسؤولية رعاية المتشردين في الشوارع من صلب مهام وزارة الصحة. المملكة تنفق سنويا ما نسبته 5 في المائة من ميزانية وزارة الصحة على رعاية وتقديم العلاج للمرضى النفسيين، وهنا كشف ل «عكاظ» مسؤول سابق في وزارة الشؤون الاجتماعية أشرف على أعمال إنشاء أو استئجار بعض مراكز الإخاء المخصصة لناقهي الأمراض في المملكة عن هدر بلغ نحو 10 ملايين ريال تمثل استئجار مبان للمشردين في الشوارع دون أن تستخدم حتى الآن، حيث لا يزال مبنى الإخاء لناقهي الأمراض النفسية في جدة مغلقا رغم استئجاره قبل نحو سبعة أعوام، ودفع مبلغ مليون ريال سنويا. سألت المسؤول السابق عن تلك التجربة فأجاب، «مما يؤسف له أن مراكز الإخاء التي انتقلت مسؤوليتها الآن إلى وزارة الصحة بعد أن كانت تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية ولدت ميتة تماما، فمركز الإخاء في جدة استأجر فترة طويلة، دون أن يستفاد من المبنى الذي ظل ولا يزال مغلقا فترة طويلة». سألته لماذا، فأجاب «في تلك الفترة كانت هناك أصوات من داخل وزارة الشؤون الاجتماعية ترى أن مسؤولية رعاية المنسيين ليست من صلب مهام الوزارة، بينما يرى مسؤولون آخرون من داخل الوزارة أن الأمر من واجبها، بين التأييد والرفض بقي مبنى الإخاء في جدة مغلقا قبل أن يتم تشغيله ونقل الإشراف عليه إلى وزارة الصحة». من جهة أخرى، أوضح مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي أن الكرة الآن في ملعب وزارة الصحة، وزاد «لا علاقة لنا إطلاقا بهذه الفئة المتشردة في الشوارع، حتى مراكز الإخاء المخصصة لناقهي الأمراض النفسية أكملنا عملية نقلها إلى وزارة الصحة لتتولى تشغيلها والإشراف عليها». سألت آل طاوي عن دور مراكز الإخاء فأجاب «في وقت سابق وعندما لاحظت الوزارة تزايد ظاهرة المرضى النفسيين، وانتشارهم في الشوارع وعدم وجود جهة مختصة ترعاهم وتتلمس احتياجاتهم، عمدت الوزارة إلى إنشاء أو استئجار دور تكون بمثابة مراكز النقاهة، وتقدم خدمات الرعاية الاجتماعية لمن لا عائل لهم أو لمن تتخلى عنهم أسرهم، من أجل ذلك شكل فريق عمل وأخصائيين لمتابعة الحالات، غير أنه اتضح في وقت لاحق أن مسؤولية رعاية هؤلاء تتطلب جهدا صحيا، وأقرت لجنة رفيعة تحويل مسؤولية الإشراف على مراكز الإخاء إلى وزارة الصحة وهو ما تم فعلا، وأصبحت المسؤولية كاملة على وزارة الصحة». لا إحصائيات وفي السياق ذاته، أكد ل «عكاظ» مدير عام الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عبدالحميد الحبيب أن مستشفيات الوزارة استقبلت خلال العام الماضي نحو 400 ألف مراجع نفسي، موضحا أن الوزارة لا تملك حتى اللحظة إحصائيات دقيقة عن المتشردين في الشوارع أو ما يعرف بالمرضى النفسيين، وزاد «أعتقد أن مسؤولية إحصاء هذه الظاهرة الاجتماعية وتشخيص أسبابها ليس من صلب عمل وزارة الصحة، الأمر يتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية أو أن تتم الدراسة من قبل مؤسسات أمنية نظرا للانعكاسات الخطيرة لتواجد هؤلاء المرضى النفسيين على المجتمع». مسؤول رفيع في وزارة الشؤون الاجتماعية، (فضل عدم ذكر اسمه)، جزم بأن الوزارة غير معنية بهؤلاء، وزاد «من أهم شروط الرعاية الاجتماعية أن لا يكون المستفيد عدوانيا بما يمثل خطرا على نفسه وعلى الآخرين، ومعظم ناقهي الأمراض النفسية لديهم ميول عدوانية ويشكلون خطرا على أنفسهم وعلى الآخرين، ومن أجل رعايتهم لا بد من حقنهم بإبر مهدئة حتى تتم السيطرة عليهم وتقديم الخدمات المناسبة لهم، وهذا دور وزارة الصحة». وأضاف «صحيح الظاهرة مقلقة للغاية، وأيا كان عدد المتشردين أو المرضى النفسيين إلا أنه يجب محاصرة المرض ومسبباته ووقف حالات تزايده، مثله مثل حالات التسول وشؤون الخادمات وناقهي الأمراض النفسية، جميعها ليست من مسؤوليات وزارة الشؤون الاجتماعية وحدها، فكما تعرف التسول من عمل وزارة الداخلية التي هي من صلب جهات أخرى، مسؤوليتنا تنحصر في تقديم خدمات الإيواء الدائم أو المؤقت». سألت المسؤول الذي أصر على عدم الإفصاح عن هويته بحجة عدم منحه صلاحية التحدث إلى وسائل الإعلام هل تقدمون أية مساعدات مالية لهؤلاء، فأجاب «نقدم مبالغ مالية سنوية في حدود 14 ألف ريال لناقهي الأمراض النفسية أي في حدود 1100 ريال وتصرف بشكل شهري، وغالبية المتشردين يستفيدون من هذا الدعم السنوي ويصنفون تحت مسمى مرضى الفصام». من الإدمان نقلت الملاحظات التي ذكرها المسؤول الرفيع في وزارة الشؤون الاجتماعية إلى مدير عام الصحة النفسية والاجتماعية في وزارة الصحة الدكتور عبدالحميد بن عبدالله الحبيب، فأجاب «المرض النفسي يتحول إلى ما يعرف بالأمراض المزمنة مع طبيعة الوقت، وبالتالي فإن الاستراتيجية التي يتعين على وزارة الصحة تطبيقها هو منع الإدمان، وجعل المريض يعيش في بيئة قريبة من المجتمع، والابتعاد عن اللجوء إلى التنويم في أقصى الظروف، حتى لا يفقد المريض مهاراته الاجتماعية ويصبح شخصا غير قادر على التعامل مع متطلبات الحياة والمجتمع، فالعزل في المستشفى يؤدي إلى ذلك». وعن أبرز خطط وزارة الصحة لمواجهة تزايد حالات المرض النفسي في المجتمع، والتي أظهرت إحصائيات يعتقد أنها غير أقل من الواقع أن نحو 400 ألف مريض راجعوا العيادات الطبية في المستشفيات الحكومية خلال عام، أكد مدير عام الصحة النفسية قائلا «نخطط إلى التوسع في الأسرة للتنويم وإيواء المرضى، نخطط منذ فترة على توفير خدمات الرعاية الاجتماعية التي تهدف إلى توفير مراكز رعاية نهارية في المدن والهجر التي ينتشر فيها المرض، بحيث يتلقى المريض رعاية وإشرافا في المكان القريب من سكنه ويتناول العلاج المناسب، وتركه يعيش في ظروفه الطبيعية، كأن يعيش مع أسرته أو الأقارب أو حتى إن كان قادرا أن يستقل بحياته مع توفير الإشراف القريب». وزاد «المشروع كبير وبحاجة إلى أدوات وإمكانيات كبيرة، الدعم متوافر ولهذا بدأنا في تنفيذه من خلال فتح مراكز رعاية نهارية». عن المنسيين أو المتشردين في الشوارع، قال الدكتور الحبيب «بعض هؤلاء ليسوا مرضى نفسيين، وبعضهم نشأ بهذه الطريقة بحيث يعيش في الشوارع ويستجدي المارة ويقتات على الصدقات والهبات، نحن في الوزارة صنفنا المتشردين إلى أصناف ثلاثة التشرد، التسول والمرض النفسي، هذه الأصناف تنتشر في المدن الكبرى، وفي المنطقة الغربية تحديدا يتضح أن أغلب هؤلاء من غير السعوديين». سألته؛ هل تملك الوزارة إحصائيات عن هؤلاء المرضى، فأجاب «الجميع يعرف أن وزارة الصحة معنية بشكل كبير بالمرضى الذين يصلون إلى حدود المستشفيات باحثين عن الرعاية الصحية والتمريضية، وأدواتنا النظامية والآليات الموجودة لا تمكننا من القيام بهذا الأمر إطلاقا، وبلغة أدق لا تسمح لنا بالذهاب لعمل إحصائيات ميدانية، المبيت تحت الجسور من الظواهر الاجتماعية التي تقع في صلب اهتمام وزارة الشؤون الاجتماعية». هل ستنفذون دراسة إحصائية عن المرضى بالتعاون مع الجهات الأخرى؟، عن هذا السؤال أجاب الدكتور الحبيب قائلا «نحن نعكف حاليا على دراسة المشكلة في الرياض بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية وإمارة المنطقة كونها تسبب قلقا نتيجة انهيار بعض الروابط الأسرية وبقاء المفترشين أمام أعين المارة، الأعداد قليلة جدا ولكن الوزارة عازمة على التعامل مع جميع الحالات حتى لا تتنامى وتشكل عائقا في وجهة التنمية، لدينا هدف يتمثل في سد المنبع الذي يؤدي إلى الظاهرة، ويقود إلى القضاء عليها بشكل كامل».
نزلاء شهار .. مثقفون يتابعون الأحداث السياسية وآخرون صامتون عبدالله المقاطي ظلم يحتضن مستشفى الصحة النفسية في الطائف حوالى 690 نزيلا من المرضى النفسيين من النساء والرجال، اتخذوه سكنا لهم إضافة للعلاج والترفيه، العديد منهم بعد استقرار حالاتهم ومغادرتهم للمستشفى مع ذويهم لا يلبثون أن يعودوا إليه مرة أخرى. حالات إنسانية كثيرة تتفاوت درجتها وتختلف تفاصيلها من نزيل إلى آخر، أحد نزلاء المستشفى يتحدث بلباقة حتى يبدو أنه لا يعاني من أي مرض، وفجأة تتبدل حالته في لحظات، ما يؤكد حاجته للبقاء في المستشفى دون مغادرته، يقول عاملون في المستشفى «بعض النزلاء يتابعون الصحف ولديهم معلومات فنية وسياسية، ويكونون صداقات مع بعضهم البعض ومع منسوبي المستشفى، فيما يعيش بعضهم حالات نفسية صعبة لا يتكلمون إلا نادرا»، وتفيد مصادر أن بعض النزلاء، يتجولون في الصباح الباكر في أقسام وغرف وعنابر المستشفى بدون أي هدف.
من جانبه، بين الناطق الإعلامي في صحة الطائف سعيد الزهراني أن مستشفى الصحة النفسية في الطائف يعد أكبر مستشفى متخصص على مستوى المملكة يتسع ل 690 سريرا، أنشئ عام 1380ه، لاستقبال النزلاء من كافة أنحاء المملكة، واختيرت الطائف مقرا له للأجواء المتميزة والطبيعة الخلابة في هذه المحافظة، موضحا أنه يعمل في المستشفى حوالى 1400 موظفة وموظف في كافة التخصصات الطبية والفنية والإدارية من أجل تقديم أفضل الخدمات للنزلاء والمراجعين، كما أن المستشفى لا يقتصر دوره على العلاج فقط بل تجاوزه إلى اتخاذ أساليب أخرى لتحسن حالات النزلاء من خلال مراكز العلاج بالعمل، مضيفا أن المستشفى يضم مراكز للعلاج بالعمل بعضها للرجال وأخرى للنساء، فيها العديد من المهن التي يتدرب عليها النزلاء بشكل خفيف من أجل إكسابهم المهارات المختلفة وإشغال وقت فراغهم مثل الإلكترونيات، النجارة، الخياطة، الكهرباء، الرسم على الزجاج، الرسم العادي، فيما يضم مركز العلاج بالنسبة للسيدات التطريز، الخياطة، التحف والهدايا المختلفة، كما أن هناك ملاعب رياضية لممارسة كرة الطائرة، القدم، السلة من قبل النزلاء، إضافة إلى ناد ترفيهي متكامل يضم تنس الطاولة، البلياردو، الفرفيرا، وكذلك صالات للعرض التلفزيوني. وزاد: استأجرت الشؤون الصحية مؤخرا بستانا ضخما في أحد المواقع المتميزة من أجل الترويح عن النزلاء وإخراجهم من أجنحة المستشفى إليه بشكل متتابع من خلال تخصيص أيام للرجال وأخرى للنساء، حيث تنقل النزيلات والنزلاء بواسطة حافلات إلى البستان بمرافقة فريق طبي متكامل. وأكد أنه دعم المستشفى ب 120 وظيفة للتمريض على بند التشغيل الذاتي من أجل الارتقاء بالخدمات التمريضية المختلفة، إضافة لدعم المستشفى بالعديد من التجهيزات الحديثة. وقال إن «ما يزعجنا استمرار إطلاق كلمة شهار على المستشفى رغم أن اسمه مستشفى الصحة النفسية، وكان شهار يطلق على اسم الحي الذي يقع المستشفى في نطاقه». وحول إنشاء مبنى جديد للمستشفى قال «اعتمد المشروع منذ زمن، ولا زلنا في انتظار استلام الأرض لبدء تنفيذه قريبا كون أمانة الطائف تبذل جهودا كبيرة في هذا الإطار، وسينشأ المستشفى على أحدث المستويات التي تتوافق مع الحالة العامة للنزلاء».