لا يكاد موسم الصيف يبدأ حتى ترتفع دعوات وصلوات رؤساء شركات الكهرباء في دول الخليج بأن يحفظ الله ماء وجهه، ويبعدهم من لعنات الناس الذين يشتكون من انقطاعات متكررة بلغت حد الملل، وان ينتهي الصيف كما ينتهي فصل الشتاء بارداً على قلوبهم... ولا أحد يصدق أن دول الخليج صاحبة الثروة المالية والنفطية لا تزال بنيتها التحتية بعد كل هذه السنوات في مجال إنتاج الكهرباء غير مكتملة ولا تلبي حاجة مدنها وقراها. لن أتحدث عن مشكلات انقطاع الكهرباء في دول خليجية مجاورة، وما تواجه من انقطاعات كهربائية، ومنها دولة الكويت التي رأت أن أفضل طريقة لمواجهة الموقف التوجه إلى تنفيذ حملة مكثفة لترشيد الاستهلاك الكهربائي، ولقد أبرز تلك الحملة شريط"خبر عاجل"على شاشات التلفزيون لديها... يناشد المواطنين إغلاق بعض الأجهزة الكهربائية! والحال كذلك في البحرين، إذ حمّل الوزير المواطنين مسؤولية انقطاع الكهرباء، وأنهم يتحملون 90 في المئة من المسؤولية. منذ بداية الصيف والكثير من المدن السعودية تعاني من انقطاعات متكررة، سواء في منازل المواطنين أو حتى محالهم التجارية أو المصانع، في الدمام أدى انقطاع الكهرباء إلى تضرر 91 حياً يسكنها عشرة آلاف أسرة، واضطر بعض المرضى الذين يعانون من الربو للخروج إلى الشوارع، وفي نجران تسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في منفذ الخضراء الحدودي في تعطيل حركة المسافرين القادمين والمغادرين إلى اليمن... وأدى هذا إلى عرقلة حركة مغادرة ودخول العديد منهم لأكثر من ست ساعات، ما جعل موظفي الجمارك في المنفذ يلجئون إلى تعبئة بيانات المسافرين يدوياً... وهكذا مدن رئيسة ومحافظات، فماذا تتوقعون أن يكون عليه حال القرى والهجر البعيدة عن الأضواء؟ وبعد كل هذا تستمع إلى تصريحات المسؤولين في شركة الكهرباء، وكأن الأمر في غاية السهولة، أو كأن شيئاً لم يحدث، وأكثر ما يثيرني تصريحات وزير المياه والكهرباء التي تجعلني في حيرة، حينما أرى واقع الحال، فقبل عام ونصف العام قال المهندس عبدالله بن عبدالرحمن الحصين في مؤتمر صحافي إبان أزمة انقطاع المياه في جد،ة والتي استمرت أسابيع عدة:"إن جدة سوف تنسى انقطاع المياه عنها بعد ثلاث سنوات وسوف يصبح ذلك من الماضي". وبعد ذلك التصريح شحت المياه بدرجة أكبر في جدة، وخشينا أن تكون الوزارة تجمعها لكي تقدمها لنا بعد ثلاث سنوات مرة واحدة"بالجملة"، وقبل أسبوعين قرأت تصريحاً آخر للوزير يبرر فيه انقطاع التيار الكهربائي خلال الصيف، ويعزوه إلى خلل فني وليس نقصاً في التوليد والتوزيع، وسبب انقطاع التيار الكهربائي العام الماضي يعود إلى خروج اكبر وحدات شركة الكهرباء في محطة القرية، ولعدم وجود احتياطي كافٍ... ووعد الوزير أن العام المقبل سيكون الاحتياطي كافياً جداً، فضلاً عن مشروع الربط الكهربائي الخليجي الذي سينتهي العام المقبل، ما يبعث على الطمأنينة، أرجوكم تابعوا تصريحات وزير المياه في المناسبات والمؤتمرات الصحافية، فهو يقول كلاماً يبعث الأمل للمحتاجين من خدمات وزارته. لدينا مشكلة في توليد الطاقة، ولدينا مشكلة في توزيع الطاقة، ولدينا مشكلة في عدم فهمنا لحاجتنا المستقبلية... كيف نتحدث عن مشاريع اقتصادية ضخمة، في مطلع هذا العام وضع الملك عبدالله بن عبدالعزيز حجر أساس لأكثر من 1200 مشروع في منطقة الرياض، وجميع هذه المشاريع تحتاج إلى طاقة وكهرباء، فمن أين سنوفر لها هذه الخدمات، ومشاريع أخرى في المدن السعودية، مثل الباحةونجران وجازان، ومنطقة مكةالمكرمة، و8 مدن اقتصادية ضخمة عالمية، يتوقع لها أن ترى النور قريباً، كيف تتوسع بقية الأنشطة الاقتصادية والنمو السكاني، وخدمات الكهرباء كأنها تعيش في كوكب آخر، لا تعرف الحاجة المطلوبة من الطاقة. ربما نسأل وزارة الاقتصاد والتخطيط التي يهمها هذا الموضوع: أين الدراسات والتوسعات التي تتحدث عنها شركة الكهرباء؟ الحكومة قدمت الشيء الكثير لشركات الكهرباء سواء الدعم المادي أو التسهيلات، إلا انه يبدو أن الأمر غير مجدٍ استثمارياً في قطاع الكهرباء في السعودية، فعلى رغم إنشاء هيئة تنظيم ونقل الكهرباء، فإن الإقبال ضعيف من الشركات سواء محلياً أو خارجياً، على رغم أن عقود الكهرباء خلال الخطة طويلة المدى تحتاج استثمارات بنحو 340 بليون ريال، رقم يسيل له لعاب الشركات، ومع ذلك لا نرى إقبالاً أو منافسة. في الواقع مشاريع الكهرباء أو شركات الكهرباء يلفها الغموض في كل شيء، تعاني من ديون مالية من الحكومة، أسهمها المتداولة في السوق تبعث على التشاؤم للمتعاملين حينما ترتفع أسهمها، وحدث أكثر من مرة أن انهارت السوق أو تراجعت بحدة بعد أي ارتفاع لأسهم الشركة، ولا تزال تعاني من ديون وأرباح ضعيفة، في سوق أو نشاط تنفرد به لوحدها، بعد ضم كل الشركات في شركة مساهمة واحدة، ولعل الخبر السار لها أنها وقعت قبل أيام اتفاقات الاكتتاب في صكوكها التي تعتبر أكبر الصكوك أو السندات التي تم إصدارها من شركة سعودية على الإطلاق، التي تبلغ قيمتها خمسة بلايين ريال. كان هناك حديث عن مشاريع للطاقة النووية، وأخرى للربط الكهربائي، وهذا المشروع سينتهي في"المشمش"لأن الخطوات التي يسير عليها المشروع لا تدل على انه سينتهي قريباً، والسؤال الذي يبادر إلى أي شخص تفكيره بسيط وعادي، لماذا لم يتم الاستفادة من الطاقة الشمسية التي وهبها الله لهذه البلاد، بشكل لافت واقتصادي. العام الماضي قدمت شركة EEI الأميركية عرضاً لمشروع توريد الكهرباء عبر الأقمار الاصطناعية، ووصفت هذه التجربة حينها من المسؤولين الحكوميين بأنها فاشلة، وضرب من الخيال، ولم نسمع بعدها أن تجرأ أحد وقدم مقترحاً أو نموذجاً يمكن الاستفادة منه. وبالنسبة للطاقة الشمسية، في الواقع أن الكلام غير واضح، قبل أشهر سُئل وكيل وزارة الكهرباء عن تجربة السعودية في تطوير استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، فكانت إجابته مبهمة، ألغازاً من دون أرقام أو حتى معلومة تفيدك... يقول الوكيل:"الوزارة على اتصال وثيق مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وتتابع تطورات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، وعلى إطلاع كامل على نتائج تجاربها، التي تشمل معظم أنظمة الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الكهروضوئية، والطاقة الحرارية وغيرها، وخلاصة ما نتج عن هذه التجربة أن تقنيات الطاقة الشمسية ممكنة فنياً وتقنياً لإنتاج الكهرباء بكفاءة جيدة"، هل يمكن لأحدكم أن يخبرنا أين هذه المدن السعودية التي تتغذى بالطاقة الشمسية؟ ولماذا هي محتجبة عن الناس؟ لا يزورها الطلاب، أو الناس كمنجز اقتصادي وحضاري. الكهرباء مادة حيوية مطلوبة في جميع مجالات الحياة، لا يمكن أن نتحدث عنها هكذا، وكأننا نتحدث عن أشياء غير موجودة على ارض الواقع أو في الغيبيات، يجب أن نلمس هذا التطور، ليس فقط أرقاماً وهمية وخططاً غير مدروسة، ومشاريع لا نراها، مشكلة الطاقة تحتاج إلى أن يتدخل مجلس الاقتصاد الأعلى ليضع لها سياسات وخططاً على ارض الواقع، نحن نتحدث عن حاجات مستقبلية سكانية واقتصادية، بحسب الدراسات فإن الطلب يتنامى ما بين 7 إلى 10 في المئة سنوياً، ورفع الطاقة الكهربائية إلى أكثر من 20 ألف ميغاوات، الأمر الذي يدعو إلى فتح المجال أمام شركات أخرى لتقديم الخدمة وإزالة المعوقات، فشركة الكهرباء الحالية الناس لا تشتكي فقط من انقطاع الكهرباء، ولكن أيضا من سوء الخدمة، سواء بعد التسديد أو بعد الفصل عند عدم التسديد، واحتكار السوق، فضلاً عن المشكلات الإدارية والترهلات التي تشهدها الشركة. بقي فقط أن أقول كلمة حق وهي أن انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المنازل أو المحال التجارية، ليس بالضرورة أن تكون وراءه عطل أو زيادة حمولة في شركة الكهرباء، فأحياناً تعاقب أمانات المدن أصحاب المحال التجارية حينما تريد أن تخرجهم منها بقطع الكهرباء، وأحياناً ملاك المنازل عن مستأجريهم، فأرجوكم لا تتهموا شركة الكهرباء ظلماً وبهتاناً! * إعلامي وصحافي اقتصادي [email protected]