يبدو أن مشكلة انقطاع الكهرباء التي تعيشها مناطق القصيم وحائل والرياض وأجزاء أخرى من المنطقة الشمالية، وغيرها من مناطق المملكة خلال الفترة الماضية، قد عادت إلى الواجهة مرة أخرى وبشكل أكبر هذه الأيام، خاصة وأنها تزامنت مع أول أيام شهر رمضان المبارك، والذي يشهد درجة حرارة عالية جداً هذا العام. وتعود هذه المشكلة بعد فترة الهدوء القصيرة في أعقاب بداية الأزمة التي حدثت مطلع شهر يوليو 2009م، والتي عاش المجتمع معها حالة من الأرق والإزعاج، خاصة وأنها جاءت في ذروة أيام امتحانات الطلاب والطالبات، مما شكل عبئا عليهم وعلى أسرهم في مواصلة الاستعداد للامتحانات وسط تلك الأجواء المزعجة، حيث كانت الشموع المنقذ لتجاوز شيء من هذه المشكلة. كما أصبحت مشكلة انقطاع الكهرباء هذه الأيام حديث المجالس، حيث وصفها البعض بأنها أشبه ما تكون ب «المقالب» التي يتعرض لها المواطنون من قبل شركة الكهرباء مع بداية رمضان وأجوائه الحارة، وما سببه هذا الانقطاع من إتلاف وتخريب للكثير من الأجهزة الكهربائية المنزلية، كما ألحق الضرر أيضاً في بعض الوحدات الإنتاجية لبعض القطاعات الصناعية. تبريرات "الكهرباء" وفي إطار هذا الكم الكبير من حالات التذمر والسخط من المواطنين، صدرت تبريرات شركة الكهرباء عبر أحاديث وبيانات صحفية للرئيس التنفيذي للشركة المهندس علي بن صالح البراك على غير ما كان أثناء مشكلة الانقطاع السابقة مطلع هذا الصيف، والتي ساهم في تبريرها كل من معالي وزير المياه والكهرباء ووكيل الوزارة الدكتور صالح العواجي، وأعرب الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء المهندس علي بن صالح البراك عن أسف واعتذار الشركة عن تلك الانقطاعات التي حدثت في منطقتي القصيم وحائل وعدد من المحافظات التابعة لمنطقة الرياض، والتي قال بأنها حدثت نتيجة لعطل في الشبكة الكهربائية مما ترتب عليه خروج عدد من وحدات التوليد في القصيم وحائل بقدرة 900 ميغاوات. وأكد بأن الخروج من هذه المشكلة يأتي من خلال ما تعكف عليه الشركة حالياً من تنفيذ لعدد من المشاريع المهمة، ومنها إنشاء محطة جديدة (جهد 380 كيلو فولت) في منطقة القصيم، والتي من المخطط أن تدخل الخدمة قبل صيف العام المقبل 2010م، مبيناً أن هناك مشروعات لتوفير أكثر من 10.000 ميغاوات يجري تنفيذها حالياً، دخل الخدمة منها هذا العام حوالي 3000 ميغاوات، وستدخل البقية الخدمة تباعاً من العام القادم والذي يليه. وأوضح البراك أن الشركة عملت كل ما في وسعها، ونفذت خلال عدة سنوات مشاريع بلغت تكاليفها 94 مليار ريال، وأنها تنفذ حالياً مشاريع تكلفتها أكثر من 80 مليار ريال، وتعمل لمواكبة النمو الكبير والمتزايد في الطلب على الطاقة الكهربائية بإنشاء محطات توليد ونقل ومشاريع توزيع جديدة. وقال إن الشركة تنفذ حالياً مشاريع البنية الأساسية لشبكات النقل وربط المناطق ببعضها، وسيتيح هذا الربط نقل وتبادل الطاقة بين المناطق والاستفادة من اختلاف فترات الذروة بينها، ومن هذه المشاريع مشروع ربط النظام الكهربائي في وسط المملكة (المنطقة الوسطى والشرقية) مع النظام في غربها (منطقة مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة)، موضحاً أنه سيتم تشغيل هذه الخطوط بدءاً من منتصف عام 2010م، وحينها ستكون 95% من أنظمة المملكة مترابطة - إن شاء الله -. وإذا كان المسؤولون في الشركة السعودية للكهرباء أكدوا بصراحة وبشكل رسمي عبر الصحف عن تفاجئهم بمشكلة انقطاع الكهرباء خلال الأيام الأولى لموسم هدير المولدات الكهربائية حرم عدداً من أهالي القصيم لذة النوم والراحة الصيف، مرجعين السبب إلى ارتفاع الأحمال الكهربائية، إضافة إلى وجود أعطال فنية في محطات التوليد بمنطقة القصيم، وكذلك تأخر المقاول المكلف بتركيب المكثفات، قال المسؤولون في الشركة بأن الانتهاء من تركيبها سوف يعزز من قدرة النظام الكهربائي المغذي لمنطقة القصيم ومحافظة الزلفي، والتي سيتم الانتهاء من تركيبها خلال الأيام القادمة، تلك الأيام التي مرت ولم تأت بجديد سوى عودة مشكلة انقطاع الكهرباء في ذروة الحاجة إلية خاصة مع هذه الأيام الرمضانية المباركة. استمرار المشكلة وأمام هذا التباين في تصاريح الشركة وإعلاناتها وتكرار الانقطاع، عبّر عدد من المشتركين عن شكوكهم بأنهم سيعيشون ما تبقى من صيف هذا العام والعام القادم وما يليه وهم يناكفون المزيد من منغصات الكهرباء، والتي قد تمتد إلى سنوات قادمة، بسبب عدم قدرة الشركة على مواكبة زيادة الأحمال التي أشار مسؤولي شركة الكهرباء بأنها تفوق المتوقع، كما أوضح ذلك د.صالح العواجي قبل فترة لمندوبي الصحف بالقصيم، حينما قال بأن المنطقة شهدت هذا العام نمواً قدره 13%، مشيراً إلى أن هذه الزيادة تعتبر غير مبررة، بينما أشار في لقاء آخر بأن ما نسبته 62% من مشتركي السكني لا تتجاوز فاتورة المنزل الواحد منهم ما قيمته مئة ريال، مناقضاً بهذا القول ذلك التصريح الصحفي. المصانع تستحوذ على الطاقة ويعطينا تصريح د.العواجي مؤشراً أكيداً بأن القطاع الصناعي يستحوذ على النسبة الأكبر من استهلاك الكهرباء، فلو أخذنا عل سبيل المثال فاتورة أحد مصانع الاسمنت، لوجدنا أنها توازي تكلفة استهلاك 15000 منزل وفق تلك المعايير التي أشار إليها وكيل الوزارة، وعلى سبيل المثال إذا كان حي الإسكان ببريدة يتكون من 1000 وحدة سكنية لعرفنا أن قيمة استهلاك مصنع اسمنت واحد في هذه الحالة يوازي استهلاك أكثر من 15 حيا سكنيا بحجم حي الإسكان ببريدة، ولو أخذناها بمقارنة فارق تعرفة الاستهلاك الصناعي عن السكني فإنها ستوازي استهلاك عشرة أحياء. وإذا وضعنا في الاعتبار أن هذا القدر من الاستهلاك للطاقة الكهربائية من خلال مصنع اسمنت لوحده، يضاف إليه استهلاك منشآت صناعية أخرى في المدن الصناعية وخارج المدن الصناعية المنتشرة، فإننا سندرك أن 50% من الطاقة الكهربائية موجهة لخدمة القطاع الصناعي، وهذا ما يدفعنا إلى اقتراح أن تتولى تلك المنشآت الصناعية توفير الطاقة بالجهود الذاتية ومن خلال متعهدين يمارسون هذا الدور نيابة عن شركة الكهرباء، وكما هو معلوم بأن أي مصنع حينما يقدم دراسة الجدوى يضع ضمن مشروعه خيارات لتوفير الطاقة من خلال ثلاثة بدائل، وهي إما الحصول على الطاقة من الخطوط الرئيسية لشركة الكهرباء، أو من خلال بناء محطات توليد خاصة بالمصنع، أو الاتفاق مع مزود للخدمة يقوم بتوفير الكهرباء وبيعه على المصنع بسعر يتفق عليه. المشتركون متذمرون وهنا يتساءل عدد من المشتركين، هل من المعقول أن يغيب عن شركة بحجم الشركة السعودية للكهرباء مقدار الطاقة الكهربائية المنتجة من خلال وحداتها الإنتاجية بالمنطقة؟ أو من خلال الخطوط المغذية للمنطقة من مصادر أخرى؟ لكي توقع الشركة نفسها في هذا الحرج مع المجتمع، وأن يغيب عنها حجم النمو والتوسع في المدن والمحافظات، والذي يمثل الكهرباء العامل الرئيس والهام كأحد مقومات خدمة النشاط السكاني والاقتصادي؟ وهنا يلقي المواطن باللائمة على الشركة في عدم القدرة على تقدير حجم الطلب مقارنة بحجم النمو مما يمثل خللا في بناء الاستراتيجيات لدى الشركة. المصانع متأثرة وفي إطار تداعيات الأزمة، يؤكد مدير المدينة الصناعية بالقصيم الأستاذ محمد اليحيى بأن انقطاع الكهرباء عن المدينة الصناعية خلال الصيف ومنذ بداية شهر رمضان قد أثر بشكل كبير على إنتاج المصانع، كما تسبب في وجود أعطال في وحدات الإنتاج نتيجة تذبذب وصول الكهرباء وانقطاعه عن تلك الوحدات الإنتاجية، إضافة إلى توقف دورة العمل في جميع مرافق المدينة الصناعية بالقصيم وسط هذه الأجواء شديدة الحرارة، وقال اليحيى: من المؤسف أن شركة الكهرباء لم تخطرنا بجدول زمني عن أوقات انقطاع التيار، ليتم إشعار أصحاب المصانع لتمكينهم من وضع برنامج التشغيل المناسب وفق فترات توفر الكهرباء المحددة من الشركة، مضيفاً: أتمنى من الشركة السعودية للكهرباء في ظل هذه الأوضاع غير المستقرة لوصول التيار الكهربائي للمشتركين بأن تقوم بإيجاد وحدات توليد كهربائية مؤقتة كالتي وضعت في بعض أحياء مدينة بريدة حتى تزول هذه المشكلة. ذروة الحر والعطش وإذا كانت وحدات الإنتاج في المصانع قد تأثرت بهذا الانقطاع للكهرباء فإن هذا الوضع قد امتد إلى أماكن العمل الأخرى، إذ لم يجد المواطنون قدرة على أداء أعمالهم وواجباتهم بشكل جيد مع تكرار انقطاع التيار تزامناً مع الصيام والعطش وحرارة الجو، وقال الدكتور أحمد الشبعان المحاضر بجامعة القصيم إن انقطاع الكهرباء المتكرر يأتي في ذروة الحاجة إليه خاصة ما بين الساعة الواحدة ظهراً والساعة الثالثة عصراً. كما عبر المواطن شاكر السليم عن انزعاجه الشديد نتيجة وجود عدد كبير من مولدات الكهرباء المؤقتة أمام منزله ومنازل جيرانه، مؤكداً بأن هدير تلك المولدات قد حرم السكان في الحي لذة الراحة، مشيراً إلى أن الشركة لم تكن موفقة في اختيار المكان المناسب لنصب هذا العدد من المولدات المزعجة بشكل لا يستطيع السكان تحمله، وتساءل أحد المواطنين عن جدوى وجود هذه المولدات المؤقتة في ظل استمرار مشكلة انقطاع الكهرباء. وقال انه في إطار هذه الفجوة ما بين الطاقة المنتجة من الكهرباء والطاقة المطلوبة، فإن الشركة السعودية للكهرباء في هذه الحالة أصبح من المؤكد أنها تحتاج إلى من يأخذ بيدها ويساعدها على قراءة الواقع، وإزالة الضبابية عن متغيرات النمو السكاني ومتطلبات البنية الأساسية لمشاريع التنمية، حتى تستطيع أن توفر الكهرباء باستقرار.بريدة، تحقيق - منصور الجفن: