عيناها شاخصة تحدق في الزائرين باحثةً بينهم بيأس عن ذويها، وما تلبث أن تنكسر تلك النظرات بعد التيقن بأنهم زوار جدد كغيرهم، ممن يأتون ليربتوا على كتف أحدهم، أو يسألوا عن اسم آخر بلهجة تتشبع بالشفقة. تلك العيون الحزينة كانت تعبر عن واقع مرّ تعيشه، فلغة العيون أصدق في التعبير. هكذا قالت المعلمة حصة معلمة في إحدى رياض الأطفال التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية. لحظات زيارة قاسية نظمتها لنا وزارة الشؤون الاجتماعية، لنطلع عن كثب على عمل دار رعاية الأيتام. وتكمل حصة حديثها، وتقول:"بين هؤلاء كانت طفلة استنطقت الجمال، فأتى إليها مسرعاً، ملاكٌ ينبع رقةً وأدباً وشكلاً". وتضيف:"مريم الشهري، رسمت على يدي وشماً بحرف اسمها، وحفرت على قلبي قلباً ينبض بآهاتٍ، فجرت دموعي فحضنتها، فبكت دموعها مطراً وحزناً على حالها". لم تكن ابنة السبع سنوات تشبه زملاءها في الدار، فمرارة الحرمان لديها كانت بجرعات لا تطاق، وفراق أمها وأبيها قذف بها إلى طريق مظلم أرضه بؤس وسماؤه شقاء، فكأنها أسيرة منعها الزمان والمكان وسلبت منها الحياة الكريمة. مديرة الدار أوضحت بأن الشهري التحقت بالدار منذ سنة، والسبب هو الطلاق، وهي مؤدبة جداً، وتحب الجلوس لوحدها. وتضيف:"عانينا في بداية الأمر من حرقة بكائها في آخر الليل، وهي تتمتم تحت غطائها ماما... بابا". العاملة التي تشرف عليها تقول:"نأتي في ورديات حتى المساء لنعمل على رعاية أكثر من سبعة أيتام يكونون ما يسمى أسرة". تتحدث عن الطفلة مريم، فتقول:"كثير من رفقائها في الدار لم يكونوا أحسن حظاً منها، ولكنهم أتوا لسببين، إما بفعل وفاة والديهم، أو لقطاء قذف بهم الزمن بقسوة إلينا". وتتابع حديثها:"لكن مشكلة مريم أنها كانت تعيش حياة طبيعية، ما صعب علينا التعامل مع حالتها، فهي قمة في الأخلاق والأدب، لكنها في وقت النوم وسكون الليل تتقطع ألماً ونحيباً تحت غطاء سريرها، الذي يدرك مرارة شكواها أكثر من والديها"