في كل مرة تزوره فيها يستفيق المستشفى على بكائه ونحيبها في مشهد ترق له القلوب القاسية وذلك حينما تحين لحظة الفراق وتتركه مغادرة غرفته وهو يصرخ يريد حضن "ماما زكية" الأم التي أحبته بعد أن رفضه الرحم الذي حمله وتبرأ منه الأهل والمجتمع . يوسف طفل لقيط دفع ومازال يدفع من عمره البريء ثمن جريمة شنعاء ضاع بسببها نسبه بين ثلاث جنسيات فلا يعلم أي المغتصبين الثلاثة والده قدره أن تتركه أمه الصومالية الصغيرة المغتصبة وتذهب لتعود إلى لعبها وسابق عهدها إذعاناً لرغبة والديها .. مؤلم حال ذلك الصغير الذي تجاوز عامه الثاني ببضعة أشهر ويصعب أن تتخيل مرارة وحدته في تلك الحجرة البعيدة عن الأنظار حيث لا جليس ، ولا أنيس غير أنفاس طفلين غائبين عن الوعي مستلقيين تحت الأجهزة. يقفز مبتهجاً لأي شخص يفتح بابه ويستجدي بنظراته فرصة الخروج لتتلقفه أيدي الممرضات والعاملات في المستشفى شفقة ورحمة وكانت ماما زكية الأحنى عليه والأكثر تعلقا به تقول: الممرضة السعودية زكية صالح ان الله لم يرزقني بأطفال ولكنه وهبني "يوسف" أشعر به وأتحرق شوقاً لرؤيته .. تحمل صوره في هاتفها النقال وتتبع رائحته في ملابسه التي تحتفظ ببعضها . حدثتنا بلوعة عن مرافقتها له خلال أشهره الأولى وهو يكبر تقول " كنت انتظر لحظة خروجه من المستشفى إلى دار الحضانة بالشؤون الاجتماعية لأستلمه من هناك كأم بديلة ولكن موضوعه يزداد تعقيدا فلم تنجز معاملته تابعت ومازلت أراجع في أوراقه وأتتبع معاملته ولكن لا جدوى ، دخلت قبل ستة أشهر تقريباً باكية إلى مدير المستشفى اطلب فيها حضانة الطفل بعد أن ساءت صحته نتيجة وجوده مع أطفال مرضى وافق مدير المستشفى مشكوراً وأخرجه معي ولكنه شدد على أن أحضره في أي وقت يطلب فيه ولم يكد يكمل الشهر حتى دعيت لتسليمه كتبت خطابا أطلب فيه حضانة الصغير من الجهات المعنية (الإمارة وأقسام الشرطة) وساعدني زوجي كثيراً بعد أن عاش "يوسف" معنا تلك المدة القصيرة لقد أحبه وأبدى استعداده لرعايته وانسجم مع أفراد أسرتي وكأنه واحد منا . ولن أنسى ذلك الموقف الذي أبكى صديقاتي الممرضات عندما قفز يوسف فزعاً خائفاً في أول يوم يخرج فيه من المستشفى عندما اصطحبته معي كان خائفاً من أن يطأ بقدميه على التراب مروعاً من الناس والأجواء عامة خارج المستشفى . وإلى اليوم لا جديد سوى أن الطفل تسوء حالته يوما عن يوم أصبح ضعيفاً هزيلاً لأنه لا يمارس اللعب والحركة بحرية كما يفعل من هم في عمره وهو بافتقاده الجو الأسري الطبيعي تزداد نفسيته سوءا ، فهو فاقد للحنان والأمان لا ينطق غير كلمة واحدة "أمه" يبحث عني في الوجوه وأنا أبحث عنه في رائحة ملابسه التي آخذها بشكل مستمر لأغسلها وأعيدها له في المستشفى ". وتتابع بعد أن أغرورقت عيناها بالدموع واحتبس صوتها : وأنا من هنا أناشد المسؤولين أضلاع العلاقة في هذه القضية ونخاطب فيهم ضمائرهم وإنسانيتهم بأن يعجلوا في إخراج الطفل من المستشفى بأسرع وقت ممكن لينقذوا بهذا حالته وصحته النفسية ثم أتوسل إليهم بأن أمنح مسؤولية رعايته وسأكون أمّاً حانية ومربية فاضلة بمشيئة الله . وتختم سائلة ما المانع في أن أرعاه في منزلي حتى تنقضي معاملته كل ما أطلبه أن يتخلص من العيش في المستشفى وأن أحتضنه بصورة نظامية ؟ .