أصبحت الجهات الأمنية في منطقة حائل خلال الأيام الماضية على جريمة ليست الأولى من نوعها، ذلك عندما عثر رجال أمن الطرق على رضيعة تتأمل إلى السماء وعيناها مملوءتان بالدموع خوفاً وخشية من ظلم الأرض الذي وقع عليها بسبب خطيئة رجل وامرأة تجرد قلبهما من الرحمة، ووضعاه في بيت من بيوت الله بالقرب من محطة وقود على إحدى الطرقات السريعة، وتركوها وحيدة بين وحوش الأرض، الأمر الذي أوجد عدة تساؤلات لتزايد هذه الظاهرة، «الشرق» وقفت على أحداث القضية ورصدت أهم الآراء. في البداية قال عبدالله الرزني إن الجريمة مستمرة منذ بداية التاريخ الإنساني، ومن الصعب تفسير شعور أم رمت مولودها على قارعة الطريق بسبب نزوات شيطانية. متسائلاً ما شعورها تجاه تلك العينين البريئتين لحظة وداع ابنها بسبب غلطتها المشؤومة. وأضاف الرزني: إن اللقيط ضحية يتجرع مرارة الألم ويمتلئ قلبه حقداً على تلك الفعلة الشنيعة والظلم الذي شرب كأسه. وبررت إحدى الموظفات في دار الرعاية للأيتام ما تقوم به الأم بأنها مجبورة. وقالت إنها فعلت ذلك بسبب أنها تعيش بين مطرقة الفضيحة وسندان الألم، الأمر الذي جعلها تقدم على تلك التصرفات القاتلة. مبينة أن المجتمع السعودي مجتمع إسلامي يحفظ حقوق الرعاية والكفالة. من جهته أوضح الاختصاصي النفسي وليد الزهراني أن انتشار هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة يُعد أمراً مخيفاً في ظل غياب الوازع الديني وانعدام الرقابة الأسرية، وغياب الجمعيات التوعوية التي تهدف إلى توعية الفرد ومعرفة الظروف النفسية التي تلحق بها بعد الوقوع بهذا الجرم. وقال: إن السبب الرئيس في هذا الجرم البشع هو العلاقات العاطفية والخيانات الزوجية وحالات تحرش المحارم التي أصبحت نتائجها كثرة اللقطاء. وأضاف الزهراني قائلا: إن أكثر من يقدم على فعل ذلك عدد من أبناء الجاليات العربية وذلك ربما بسبب الغربة التي تعانيها والحرمان العاطفي. مؤكداً أن الأغلبية العظمى ممن يرتادون العيادات النفسية هي من فئة النساء بحثاً عن العلاج بسبب الاكتئاب النفسي والأفكار الانتحارية والوسواسية والأحلام المزعجة والإحساس بالذنب العظيم المرتكب، حيث ترى هذا الطفل في منامها ما يسبب لها مرضاً نفسياً قد يلازمها مدى الحياة. وبين الزهراني أن الطفل مظلوم ليس له ذنب بجرم لم يرتكبه ولكن قد يستمر هذا الجرم معه إلى آخر يوم في حياته بسبب خطأ أبويه اللذين لم يفكرا بنتائج هذا العمل البشع والبعيد عن الإنسانية. من جهة أخرى أوضح الداعية عيد الرميح أن الزنا مرفوض في فطرة بني الإنس وفي الجن والحيوانات فقد ثبت في صحيح البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ». وأضاف الرميح إن للزنا مساوئ كثيرة ويسبب آلاماً وأحزاناً في الزانية والزاني ومن أعظم عواقبه ما يسببه في نفسية اللقيط من الهم والحزن وهو ما سبب له والداه ذلك فيكون مقطوعا من الروابط الاجتماعية، كالوالدين والإخوة والأعمام والأخوال والعشيرة. متسائلاً كيف تكون حاله في أيام الأعياد والمناسبات الاجتماعية؟. وأكد الرميح أن لذة دقائق تسبب تأنيب الضمير طول العمر مع أن المؤمن بقضاء الله وقدره يتجاوز هذه العقبات ويتعايش مع إخوانه المسلمين ويبدأ بتكوين أسرة مترابطة، فمن هؤلاء اللقطاء من أصبح عالماً نافعاً لنفسه ومجتمعه فمنهم القضاة والدعاة والمصلحون. وأوضح المحامي والمستشار الدكتور سليمان العجلان، أن الدوافع والأسباب وراء وجود هذه الظاهرة، هي النزوات والبُعد عن دين الله وعدم التمسك بشريعته وكذلك الفقر والتأخر في سن الزواج واليتم. وقال: النزوات تتمثل في ممارسة الفاحشة دون مراعاة لحدود الله عز وجل والآثار المترتبة على ذلك من الحمل المحرم و أحياناً الإجهاض أو قتل الجنين بعد ولادته وفي حال فشلت هذه الجرائم يأتي الدور لإلقائه في الشارع، خشية من الفضيحة والعار، وهو أحد أهم الأسباب التي جعلت الطفل يصل إلى هذا المصير. وعن الأسباب الاقتصادية أوضح العجلان أنها كثيرة. وقال: أبرزها عدم القدرة على الإعالة والإنفاق، وتوفير احتياجات الطفل الضرورية والحياتية، مما يكون سبباً في التخلي عنه وإلقائه لمن يقوم بحاجته ويربيه، هذا إن وجد أما إذا لم يوجد فيقوم الأب والأم بإلقائه في الشارع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى انتشار هذه الظاهرة. إضافة إلى وجود أسباب أخرى كالبطالة وعدم وجود وسيلة لكسب الرزق. أما عن الأسباب الاجتماعية فقال العجلان: إنها تتمثل في عدم رغبة الأب أو الأم في الإنجاب، وقد يكون بسبب أن الزواج بينهما غير معلن. وذلك بسبب وجود ضابط شرعي للعلاقات بين الرجل والمرأة في هذه الحالة أو انتهاج أسلوب غير سوي لإشباع رغباتهما أو زواجهما غير المعلن أو غير الرسمي. وعن موقف الأب والأم من هذا التصرف قال العجلان: أولاً؛ لا يمكن لأب سوي وأم سوية التخلي عن فلذات أكبادهما في قارعة الطرقات وزوايا المساجد والأسواق أو على أبواب المستشفيات، ولكن مع وجود كل أو بعض الأسباب المذكورة آنفاً تكون مصدر ضغط على الوالدين أو أحدهما بالتخلي عن ابنه وتركه لغيره آملاً في أن يعود إليه في يوم ما. ثانياُ؛ لا ينسى الوالدان أبداً ابنهما سواء كانا تركاه طوعاً أو كرهاً ويبقى مصدر قلق دائم وانتظار وترقب وأحياناً يقوما ببذل مجهودات كبيرة للبحث عنه لإعادته أو رؤيته من بعيد. ثالثاً؛ لا شك أن من يفعل ذلك من الأب والأم فهو آثم شرعاً وقد يصل إلى حد قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فإلقاء الطفل في الشارع يعرضه للهلاك إما بسبب التأخر في عثور الآخرين عليه أو بسبب البرد الشديد والجوع والإهمال وقد يكون عرضة للحيوانات الضالة لافتراسه وهناك من يتمنى أنه لو كان عنده ولد واحد فكيف بمن رزقه الله بهذا الولد ثم يتركه في الشارع ويكون سبباً إما في قتله أو فساده وضياع دينه وخلقه. وعن الحلول المقترحة شدَّد العجلان على أهمية تعاون المجتمع المسلم على تربية هؤلاء الأطفال من الناحية الإيمانية والأخلاقية وتعليمهم ما يحتاجون من أمور الشرع وعدم تركهم لأهل الفساد يعلمونهم مساوئ الأخلاق والمنكرات. وقال: إن مجهول النسب في حكم اليتيم لفقده والديه بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب يلجأون إليه عند الضرورة. وأضاف: على ذلك فإنه من يكفل طفلاً من مجهولي النسب فإنه يدخل تحت أجر كفالة اليتيم. وقال العجلان: لا بد من سن قانون لحماية الطفل وردع الأب والأم وتكون عقوبته مغلظة لضمان عدم حدوث مثل هذا الأمر. وعن الحكم الشرعي قال العجلان: حرم الله عز وجل تبني الطفل المتروك من قبل والديه، وذلك لأسباب كثيرة ومنها الميراث لأن هذا الطفل قد يرث مع أبناء المورث ما ليس له حق فيه، وفي هذا مخالفة كبيرة، كما أنه قد يكبر بين أحضان الأب والأم الأجنبيين عنه، وبالتالي الأم التي تبنته سيصبح أجنبياً عليها ولا يصح أن تظهر أمامه بغير ملابس شرعية، ولا يحق لها أن تختلي به بعد بلوغه سن التمييز، وكذلك قد يكون عند الأب والأم بنات وقد يختلي معهن وتظهر مفاتنهن أمامه، وهذا فيه مخالفة إن حدث أمام الأخ الشرعي، فما بالنا بمن هو أجنبي عنهن، كما أن فيه اختلاط أنساب وأمور غير ذلك كثيرة والله حرم التبني فقد قال تعالى في سورة الأحزاب (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) أما كفالته فهي بمنزلة كفالة اليتيم فهي جائزة شرعاً وقد تكون سبباً في مجاورة رسول الله – صلي الله عليه وسلم – في الجنة حيث قال (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى) واليتيم قد يكون هذا الطفل، فقد يرمي به أهل والديه في الشارع ولا يجد له راعٍ يرعاه. كما اتفق الفقهاء على وجوب التقاط اللقيط وأن وجوبه على الكفاية إذا قام به واحد سقط عن الباقين، فإن تركته الجماعة أثموا كلهم إذا علموا مكانه فتركوه مع إمكان أخذه وقد يكون تركهم له من باب قتل النفس بغير حق. وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.