لا تنفك ابتسامته العذبة التي انداحت مع قسمات وجهه البهي في عقد جمالي مستمر إلا أن تعزز فينا تلكم الثقة المفعمة ببشارات الأمل والتماهي المستمر مع ازدهار قيمة الحياة، في اخضرار الحلم وانطفاء التوجس, وابتسامة سلطان بن عبدالعزيز, حفظه الله, فصول من الألق والهناء والمسرات, وتحالف بهيج أنيق يقيد تجميل ساحاتنا, إنها تمازج بين مدى الألوان، وبين السهل والجبل، وبين الندى والزهر، وبين الموجه ورمل الشاطئ. قال صديقي: لم تصافح عيناي صورة لسلطان بن عبدالعزيز إلا وقد اصطحب ملامحه ألق وسناء وسنى, وبانجذابنا المألوف نحو بشاشته, فإن سموه يحيل تجهمنا وانقباضات وجوهنا إلى مرفأ من الانبساط، وإطلالة من الراحة المرفهة، ليعيد لملامحنا توازنها وتآلفها، مع بياض اللحظة وطمأنينتها. مشهد استغرقني وأرجع ذاكرتي إلى وسامة بسيطة محونا حضورها، صادرناها عن وجوهنا، واحترفنا العبوس بدلاً منها. فقلت لنفسي: لماذا صرنا هكذا؟ غيَّبنا ابتساماتنا الأليفة قسراً، حاصرنا ملامحنا بتقطيبات متكومة، وعززنا سطوة حضورها اليومي, وطاردنا الانشراح إلى منفاه القصيّ. الابتسامة فضاء من ممارسة الإنسانية في تجردها الكامل المنعكس عن استحضار أنقى فصول الروح، إنها اشتغال على تعبئة الإحساس بجدوى الانتباه، حتى لخيط الضياء الواهي وسط الظلمات الحالكة هي إعادة تعريف لتآلف الروح والجسد، لتناغم المظهر والجوهر، إنها استعادة لبهاء النفس الإنسانية من ضراوة القسوة والجفاء, والبسمة حضّ مستمر لحصار الغلظة، وإشعار لمنح الإشراق الداخلي أقصى طاقاته من التعبير والتمدد، إنها اللحظة التي نكتشف فيها كم خسرنا من موارد الذات الحميمة بإحجامنا عن تطبيع تواصلنا مع الانشراح. سلطان بن عبدالعزيز يحيل البسمة إلى حزمة من الأفكار المحفزة لإعادة ابتكار مفردات جديدة للتحاور مع الحياة، ليُعيد تذكيرنا بالباعث الأول وهو ينطوي على تلك الدلالة الدينية العميقة في قول رسولنا الكريم تَبسُمك في وجه أخيك صدقة... وهو الذي قالت عنه السيدة عائشة:"كان ضحاكاً بساماً", ولئن كانت البسمة تغدق على الوجه ربيعاً زاهياً من المباهج، فإن المعنى المنعكس عن شريعتنا يذكرنا بباقة أخرى من المكاسب المهمة المتجسدة في تعدد الصدقات التي يكافئنا بها ربنا سبحانه وتعالى، طالما نفحنا من يقابلنا من عبير تبسمنا، وها هي صفقة نبوية أخرى يهيئها لكم مجرد انفراج يسير في أساريركم, وعن ذاك يقول معلم الإنسانية:"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه". وفي استيعاب شفاف للمعطيات المتحققة عن الابتسامة, يحيلنا سلطان بن عبدالعزيز إلى تصور الكلفة الباهظة التي يستدرجنا إليها العبوس لنتنازل بالتالي عن العديد من المكتسبات التي لا تكلفنا حيازتها شيئاً من الجهد, وهي في الواقع جملة وافية من المزايا الخيرة. إن المزيد من الدراسات الحديثة في علم النفس والسلوك الإنساني تدعم فكرة إطلاق مبادرات احتواء الآخرين وتقريبهم وتعزيز أهمية وجودهم بيننا، من خلال رسم تلك الانفراجة على وجوهنا، وترشيح أمزجتهم لجمالها وينتبه علماء النفس إلى مجموعة من التأثيرات المنعكسة عن استمرار تحالفنا مع الانشراح، ومن ذلك دوره في تهيئة الفرد العامل لأداء رسالته في تحقيق أعلى معايير الجودة، من خلال تهيئة دقيقة للتوازن الهرموني، وهي الفكرة التي تحاول العديد من المنشآت الإنتاجية تطبيقها عن طريق إطلاق تدريب جماعي على كيفية التركيز على ممارسة الابتهاج، أثناء أداء العمل وهو أمر أسهم, كما لاحظ مخططو الإنتاج في بعث طاقات أخرى، محورها قوة الإقبال على الوظيفة, وتغييب الآثار السلبية الناتجة عن ضغط العمل، بتحرير الشحنات المعيقة عن طريق تدريبات ممارسة الانبساط. إن الجاذبية المرهفة التي تنطوي عليها الابتسامة أوحت للمبدعين بصور شتى من الأفكار والمفاهيم للتعبير عن رؤاهم, وها هو إيليا أبو ماضي يضفي تصوراته الملهمة لتقريب الصورة: قال: الليالي جرَّعتني علقماً قلت: ابتسم ولئن جرعتَ العلقما فلعل غيرك إن رآك مرنَّما طرح الكآبة جانباً وترنَّما أتُراكَ تغنم بالتبرم درهماً أم أنت تخسرُ بالبشاشة مغنماً يا صاح, لا خطر على شفتيك أن تتلثما، والوجه أن يتحطما فاضحك فإن الشهب تضحك والدُجى متلاطم ولذا نحب الانجما الابتسامة لدى سلطان بن عبدالعزيز فكرة وموقف ومنظومة آداب، إنها فضاء من الرسائل الغنية لتحقيق جماليات التعايش مع الحياة اليومية، والتزام متواصل بقواعد الانتماء إلى الأسرة الإنسانية, ومثابرة دؤوبة على قراءة الحياة من زاوية أكثر إشراقاً وجمالاً, إنها دعم متواصل ومنهج عمل لقدرة الإنسان على كيفية صياغة واقع يعادي القُبح، ويراهن على حشد البسمة لإضاءة عتمة الروح، وهو التعبير الأسمى لمناهضة صغائر النفس. ولطالما جسدت ملامح سموه الكريم لديّ أوفى أشكال التوازن النفسي والاعتدال المزاجي، فإنني آليت على نفسي أن أدعو رفاق التبرم والتشكي والتقطيب بالعمل على استقطاب بسمة سلطان بن عبدالعزيز العذبة, والتركيز على مضامينها الإنسانية ورمزيتها العميقة, والمضي قُدماً لإشهارها في وجه البؤس والغلظة والجفاف والكآبة. - الرياض