دخل علي اثنان من حملة الدبلومات الصحية، وقد كانت أخبارهما غير السارة قد سبقتهما حيث كتبا سطرين فقط في الورقة التي وصلتني منهما، وكانت تعبر عن يأس وقنوط ومعاناة، ولكنهما عبرا عن ذلك بلغة لا تكسبهما التعاطف مطلقا. احترت كيف أقابلهما وبأي طريقة أتعامل معهما وهما في تلك الحالة من اليأس والعدوانية. دخلا فابتسمت لهما صادقاً، فبادلاني بابتسامة، وقبل أن أشير إليهما بالجلوس اعتذرا عن اللغة التي كتبا بها الرسالة، وتم حل مشكلتهما بيسر وسهولة بفضل الله ثم بسلطة الابتسامة. هذه الأيام يصفعك الناس عندما تحاول أن تشجعهم على التبسم بقولهم: وهل هناك ما يدعو إلى الابتسامة؟ عالم يلفه الحزن والظلم. ويبدأون في تعداد ماهو أقرب للحزن والغضب والكآبة، وإن كنت مطواعا فسوف يأخذونك إلى عالمهم سريعا. في شمال مالي حيث تلوح بوادر أزمة مجاعة وكارثة إنسانية وحيث لا قوت يوم ولا أمن دار ولا صحة بدن رأيت ابتسامات تزرع الأمل في بيئة مفعمة باليأس. ابتسامات رأيتها على وجوه أطفال وكبار في أفغانستان وسورية واليمن. يتبسمون في عمق الأزمة ونحن نعتزل التبسم رغم أننا نعيش نعمة كبيرة فقد حيزت لنا الدنيا بحمد الله عندما نصبح معافين في أبداننا، آمنبن في ديارنا، لانملك قوت يومنا فقط وإنما قوت يومنا وفوقه ما يشغل عمال البلدية في جمع ما تبقى من فضلات الموائد. ومع ذلك ننسى كل هذا و"نتكهرب" ونكهرب من حولنا، بينما يضيء غيرنا الظلام من حولهم بابتسامات صادقة تشيع الأمل في أجواء بائسة. دائما أكرر أبيات إيليا أبو ماضي: قال السماء كئيبة ! وتجهما قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما ! قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما !! قال: التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغرام جهنما خانت عهودي بعدما ملّكتها قلبي، فكيف أطيق أن أتبسما قلت: ابتسم واطرب فلو قارنتها لقضيت عمرك كله متألما إلى أن يقول: قال الليالي جرّعتني علقما قلت ابتسم ولئن جرعت العلقما فلعل غيرك إن رآك مرنما طرح الكآبة جانبا وترنما أتراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما؟ والابتسامة مثل العدوى، فإذا تبسمت في وجه شخص وجدته يتبسم في وجهك إن كان سوياً. أما إن كان من بعض من أعرف فإنه بغرور يرد "بسم الله والحمد لله، وش بلاه ذا الخبل؟" مع أنه لن يخسر شيئا لو تبسم في وجهك. وهناك من يعتبرون أن الابتسامة تحط من قدر الشخص ومنزلته، ولذلك يحاولون أن يزرعوا هيبتهم بوجوههم العابسة، خشية من أن يأخذ الناس عليهم، وفي الناس فعلًا من إذا تبسمت له اعتبر ذلك ضعفاً، وهو مريض فلا تجعله يصادر ابتسامتك بمرضه وإنما داوه بابتسامتك وبحزمك في موضع الجد. تبسم وأنت سعيد، حاول أن تتبسم وأنت في عمق الأزمة فقد تنفرج، لا تُرِ عدواً منك غير الابتسامة مهما كانت معاناتك، فهي تزيد محبيك ثقة فيك وأعداءك غيظا وحنقا، تبسم لتكتسب قوة تواجه بها أزماتك، تبسم لأن الابتسامة أقصر مسافة بين شخصين. إذا تذكرت أنك لم تبدأ يومك بابتسامة فاعلم أنه مازال بإمكانك أن تتدرب عليها استعدادا للغد، والبس ابتسامتك دائما تصنع صداقات عديدة وغير متوقعة، أما لبسك العبوس فتأكد أنك لن تجني سوى تجاعيد الوجه. حاول أن تبتسم للجميع فهي اللغة التي لا يجهلها أحد. تسلح بابتسامة في معركتك اليومية مع ظروف الحياة. وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "تبسمك في وجه أخيك صدقة"..