أصاب أحد الأصدقاء الذهول، فجيّره لي عندما أخبرني أنه تقدم للحصول على تأشيرة من إحدى السفارات الأوروبية، فطلبوا منه أن يحضر صورة شخصية واضحة غير التي أحضرها، لم يفهم الصديق معنى ذلك الطلب، فأرسل لهم صورة أخرى وهو مبتسم، لكنهم رأوا أنها أيضاً غير واضحة، واتضح له من السفارة أن سبب غموض الصورة هو ارتداؤه الشماغ، وطلبوا منه صورة شخصية من دون شماغ لتكون أكثر وضوحاً، وفي تلك الحال أصاب الصديق بعض العمى المؤقت لأنه صاحب حاجة، فذهب للاستوديو ووقف أمام الكاميرا ورمى شماغه وطاقيته وعقاله مع احتفاظه بكامل عقله والكثير من التوتر، والتقطت له الصورة، وقبلت السفارة تلك الصورة مع إشارتها إلى أنها ليست واضحة بشكل كافٍ، وسيتم قبولها هذه المرة فقط! يعني لا تعوّدها والله يستر من الصورة القادمة، وما ستطلبه السفارة من الصديق ويخلعه لتكون الصورة أكثر وضوحاً! لم تنته قصة الصورة الواضحة، واستمر الصديق في الحديث عن طلبات السفارة المثيرة، إذ ذكر أن عائلته تقدمت للسفارة نفسها للحصول على تأشيرة دخول للبلد نفسه، فطلبت السفارة منهم أن يحضروا صورة واضحة، والمشكلة أن النساء لدينا لا يرتدين الشماغ، فما المقصود إذاً؟ اتضح أن المقصود هو وضع الحجاب فوق منتصف الرأس ليكون الشعر والجبهة واضحين، فأحضرن صورهن للسفارة بالمواصفات المطلوبة نفسها، لكن صورهن من وجهة نظر السفارة ليست واضحة بما فيه الكفاية، إذ طلبت منهن أن تكون الأذن اليسرى لصاحبة الصورة ظاهرة، ولست أفهم لماذا الأذن اليسرى؟ هل يُعقل أن تكون هناك علاقة بين الأذن اليسرى وتوجهات ونية صاحبة الطلب مثلاً؟ حكمة العاقل هي أرضى لغيرك ما ترضاه لنفسك، فإذا كانت السفارات الأوروبية أكثر دقة وفهماً من السفارات الأخرى، كما تزعم من خلال طلباتها الكوميدية، فلماذا لا نتوقع من السفارات السعودية في أوروبا مستقبلاً أن تحذو حذو سفارتهم وتعامل رعاياهم بالمثل، كأن تطلب السفارات السعودية من الأوروبيين أن تكون صور الرجال الذين يرغبون في تأشيرة دخول للمملكة بشماغ مثلاً، ومن النساء الأوروبيات الراغبات في الحصول على تأشيرة دخول للمملكة ارتداء البرقع مع ظهور الأذن اليمنى في الصورة! فقد نرى أن هناك علاقة بين الأذن اليمنى واسم طالبة التأشيرة! قبل أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر والعالم كان غريباً، وبعد الأحداث أصبح أكثر غرابة... فصور الإرهابيين الذين فجروا قطارات إسبانيا وبريطانيا لم يظهر فيها ارتداؤهم للشماغ، وحتى الذين أحدثوا التفجيرات في فرنسا قبل سنتين ليس لهم علاقة بالزى السعودي سواء الظاهر منه أو الباطن. واعلم أن القصد من طلب السفارات الأوروبية صور السعوديين من دون شماغ ليتعرفوا على ملامح الوجه كاملة، على رغم أن ذلك يحمل الكثير من المبالغة، لكن ماذا ستفعل السفارات الأوروبية إذا كان السعودي سيقدم لهم صورته الشخصية من دون شماغ، ويقوم بارتداء الشماغ في شوارع أوروبا، هل سيكون ذلك مخالفاً لأنظمة البلد؟ أو إذا أصابته نزلة برد وتلطم بالشماغ؟ هل يعني ذلك أنه من جماعة الزرقاوي؟ وإذا لبست المرأة السعودية الحجاب في أوروبا وأخفت أذنها اليسرى، كيف سيستدلون عليها إذا كان ظهور الأذن اليسرى مهماً؟ ما تطلبه السفارات الأوروبية من السعوديين لقبول طلب التأشيرة لا يتعدى كونه احترازات لا قيمة لها، فكل الإرهابيين في العالم إرهابهم يكمن في أفكارهم وليس في ملابسهم، وإذا كان سبب طلبات الصور"الواضحة"هو أحداث 11 سبتمبر والسعوديون الخمسة عشر، ففي أوروبا إرهابيون أوروبيون قاموا بأعمال إرهابية في دولهم، وهذا ليس سراً، وأيضا حدث أن أوروبيين قاموا بأعمال إرهابية في المملكة، وتحديداً في مدينة الرياض، وعلى رغم ذلك لم تضع السفارات السعودية قيوداً على الأوروبيين القادمين للمملكة، ولم تطلب منهم"صوراً واضحة"كما تفعل سفاراتهم، وفي اعتقادي ليس لأن الدولة لا تستطيع فعل ذلك، بل لأن قاموس الدولة في تعاملاتها مع العالم ليس فيه صفة التعميم العمياء، الصفة التي جعلت بعض السفارات الأوروبية تأخذ عشرين مليون سعودي بجريرة خمسة عشر فرداً منهم، هذا ليس عدلاً ولا يمت للمنطق بصلة! [email protected]