القبض على المتهم بجرم محدد هو في الأصل إجراء جزائي، حيث يكون هنالك تكليف من الشخص الذي يجري التحقيق، وهذا التكليف موجه إلى رجال السلطة العامة بالقبض على المتهم وإحضاره، ويسمى هذا الإجراء"قبضاً"إذا كان المتهم حاضراً، ويعد على خلاف ذلك أمراً بالضبط والإحضار إذا كان المتهم غائباً، ويعني القبض سلب حرية الشخص لمدة قصيرة، إذ يتم حجز المتهم في المكان الذي خصصه القانون لذلك بغية إجراءات التحقيق، ويعد القبض أحد إجراءات التحقيق، لذا فإن حدوثه دائماً يتم بواسطة السلطة التي تجري التحقيق... وغالباً ما تكون الأحوال التي يصدر فيها المحقق أمر القبض هي حالة ما إذا خيف هرب المتهم، أو إذا كان المتهم في حالة تلبس بالجريمة، أو إذا لم يكن للمتهم محل إقامة معروف، أو الحالة التي يرفض فيها المتهم بعد تكليفه بالحضور من دون عذر مقبول. وتحرص القوانين والأنظمة على سرعة إجراء التحقيق والسعي إلى تقصير الفترة التي يتم فيها استجواب المتهم، وذلك منعاً للإضرار بالمتهم حيث يتم الاستجواب الفوري للمتهم المقبوض عليه، وفي حالة تعذر ذلك فإن المتهم يودع في السجن مدة لا تزيد- وبحسب مختلف القوانين- على أربع وعشرين ساعة، يجب خلالها استجواب المتهم، وذلك منعاً للزيادة في أي وقت تقتضيه مصلحة التحقيق، وفي كل الأحوال يجب الأمر بإطلاق سراح المتهم بواسطة دائرة التحقيق إذا لم تبادر في استجوابه. وما يجدر ذكره أن قضاء النقض المصري كان قد فرّق بين القبض، والاستيقاف، حيث عرف الاستيقاف على أنه:"إيقاف إنسان وضع نفسه موضع الريبة من أجل التعرف على شخصيته، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاته تعرضاً مادياًَ للمتحرى عنه يمكن أن يكون فيه مساس بحريته الشخصية أو اعتداء عليها، وقد جاء في كتاب"أصول التحقيق الجنائي وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية للدكتور مدني عبدالرحمن تاج الدين"أن الاستيقاف يختلف عن القبض في أن الاستيقاف يجوز في جميع الأحوال التي يشتبه فيها رجل السلطة العامة في السلوك المريب للمستوقف في حين أنه لا يجوز القبض إلا في أحوال معينة وبشروط محددة، كما أن الاستيقاف يكفي لمباشرته توافر الشك، ولو لم يكن هنالك جريمة مرتكبة، غير أن القبض يستلزم توافر دلائل كافية وأسباب معقولة لاتهام الشخص بالجريمة، وأن الاستيقاف هو إجراء وقائي يمارسه أي رجل شرطة في حين أن القبض هو أحد إجراءات التحقيق الجنائي، كما أن القبض ينطوي على سلب حرية الشخص، في حين أن الاستيقاف هو مجرد طلب للتوقف عن السير لمن وضع نفسه في حالة الارتياب والشك. ومن حيث المقارنة فقد تناول قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي وهو القانون 35/1992 في فصله الثالث ومادته الخامسة والأربعين مسألة القبض على المتهم حيث نصت المادة المشار إليها على أنه لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على ارتكابه جريمة في أي من الأحوال الآتية: أولاً: في الجنايات، وثانياً: في الجنح المتلبس بها والمعاقب عليها بغير الغرامة، وثالثاً: في الجنح المعاقب عليها بغير الغرامة إذا كان المتهم موضوعاً تحت المراقبة أو يخشى هروب المتهم، ورابعاً: في جنح السرقة والاحتيال وخيانة الأمانة والتعدي الشديد ومقاومة أفراد السلطة بالقوة وانتهاك حرمة الآداب العامة والجنح المتعلقة بالأسلحة والذخائر والمسكرات والعقاقير الخطرة. وهذه المادة تقابل المواد 35، 34 من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي والمادة 67 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني، ويلاحظ اتفاق القوانين المشار إليها في اشتراطها حالة التلبس لجواز القبض على المتهم، وبحسب قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي المشار إليه آنفاً، فإن القبض يوجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع لأقوال المتهم فور القبض عليه أو إحضاره، فإما أن يقدم المقبوض عليه ما يبرئ ساحته وفي هذه الحالة يخلى سبيله، أو أنه لم يأت بما يبرئ ساحته، وهو ما يوجب إرساله إلى النيابة العامة المختصة خلال 48 ساعة، وأمام النيابة يجب أن يستجوب خلال 24 ساعة، ثم يؤمر بالقبض عليه أو إخلاء سبيله. أما النظام السعودي للإجراءات الجزائية فقد تناول مسألة القبض على المتهم في الفصل الثالث منه حيث نصت المادة 33 على أنه"لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، على أن يحرر محضراً بذلك وأن يبادر بإبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبقاء المقبوض عليه موقوفاً لأكثر من 24 ساعة، إلا بأمر كتابي من المحقق، فإذا لم يكن المتهم حاضراً فيجب على رجل الضبط الجنائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره وأن يبين ذلك في المحضر"، كذلك أوجبت المادة الرابعة والثلاثون على رجل الضبط الجنائي سماع أقوال المتهم على الفور وإذا لم يستطع المتهم الإتيان بما يبرئ ساحته أن يرسله خلال 24 ساعة من المحضر إلى المحقق الذي يجب عليه استجوابه خلال هذه المدة، ثم يأمر إما بإيقافه أو إطلاق سراحه بحسب الحال، كما أوجب النظام معاملة المتهم بما يحفظ كرامته وعدم إيذائه جسدياً أو معنوياً، ويجب كذلك إخباره بأسباب إيقافه، كما أتاح النظام للمتهم الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه م35 وقد ورد بالنظام عدم جواز توقيف المتهم إلا في السجون أو دور التوقيف المخصصة لذلك... إضافة إلى أنه لا يجوز التوقيف من إدارة أي سجن أو قبول أي إنسان إلا بموجب أمر مسبب ومحدد المدة وموقع عليه من السلطة المختصة، ويجب على إدارة السجن كذلك عدم إبقاء المتهم بعد المدة المحددة في الأمر. كما أوجبت المادة 37 من النظام على المختصين من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام زيارة السجين لتفقد أحوال المتهمين في دوائر اختصاصهم، ويكون لهم ذلك في أي وقت من دون التقيد بالدوام الرسمي، وذلك بغية التأكد من عدم وجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة، وأن يسمعوا شكاوى المتهمين، وعلى مأموري السجون ودور التوقيف أن يقدموا لأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام كل ما يحتاجون إليه لأداء مهامهم، كما أن على المأمورين بالسجون قبول وإثبات وتبليغ شكاوى المتهمين إلى أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام في الحال وتزويد مقدم الشكوى بما يفيد تسلمها، كما جعل النظام للجميع الحق في حالة علمهم بوجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة أو في مكان غير مخصص للسجن أو التوقيف أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام، وأن على عضو هيئة التحقيق بمجرد علمه بذلك الانتقال فوراً إلى المكان الموجود فيه المسجون أو الموقوف، وأن يقوم بإجراء التحقيق، وله أن يأمر بالإفراج عنه إذا كان سجنه أو توقيفه قد جرى بصفة غير مشروعة مع تحرير محضر بذلك يرفع للجهة المختصة لتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المتسببين في ذلك م39 ويعتبر هذا من الضمانات التي كفلها النظام للحفاظ على حقوق المتهم وعدم المساس بحريته، خصوصاً أن المتهم بحسب القاعدة العامة يظل بريئاً حتى تثبت إدانته، وقد جاء في كتاب التحقيق الجنائي في الفقه الإسلامي للدكتور بندر بن عبدالعزيز إبراهيم اليحيى ص 91 أنه"قد يحدث من جراء قيام المحقق بعمله أخطاء لم يقصد بها إلحاق الضرر بالمتهم، وينتج عنها ضرر فإنه والحالة هذه لا يخلو من أمرين، إما أن تكون أخطاء المحقق ناتجة من تقصير منه، وإما أن تكون عن اجتهاد صحيح، فما كان من تقصير فيما يجب عليه كسجنه للمتهم لظنه أنه في مثل قضيته يسجن، أو يضر به لاعتقاده أن له ذلك... ونحو ذلك، فالمحقق في هذه الحال مقصر في معرفة ما يجب عليه، ولكون هذا التقصير غير متعمد فإنه يعذر شرعاً بمعنى أنه لا يكون عرضة للمساءلة الجنائية وأن تحمل الضمان المالي، إلا أن يكون التقصير عن خطأ جسيم غير عادي فإنه يتحمل جميع نتائجه، ويكون ذلك كشبه العمد، وخطأ المحقق في هذه الحال لا يوجب عزله، ولكن يضعه في محل المساءلة أمام صاحب الأمر في التولية، وله أن يعزله إن رأى في ذلك مصلحة، لأنه خالف أمر الولاية وأصول المهنة، وله أن يبقيه في منصبه ما لم تتكرر وتكثر أخطاؤه، وذلك لأن الخطأ غير المتعمد لا يخرج المحقق عن العدالة التي هي لازمة لولاية التحقيق الجنائي". وقد نهى الإسلام عن الضرر بوجه عام، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:?لا ضرر ولا ضرار أخرجه ابن ماجة في سننه، كما قرر الفقهاء إزالة الضرر إذا وجد وأياً كان نوعه جسدياً أو مالياً أو معنوياً، فكل هذه الأنواع من الضرر موجبة للضمان والتعويض. * مستشار قانوني [email protected]